السينما بين الواقع والأحلام

السينما بين الواقع والأحلام | مرابط

الكاتب: فهد بن صالح العجلان

2511 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أستسمح الإخوة والأخوات القرّاء أن أفرد هذه المساحة للتعقيب حول أبرز الاعتراضات التي أثيرت من قبل الزوّار الكرام على مقالتي السالفة عن (حكاية السينما والمتشددين).
 

السينما ليست شرًا محضًا


1- الإشكالية الكبرى التي تثار في وجه المنكرين للعبث السينمائي [ أن (السينما) ليست شرًّا محضًّا، بل هي بحسب ما يعرض فيها من حلال أو حرام، شأنها شأن أجهزة التسجيل والتلفاز وغيرها، فالأصل فيها الإباحة، وبالتالي فالتحريم عجلة ومغالاة في الحكم].
وهذا كلام صحيح ولا نختلف فيه، لكن المانعين من السينما إنما يتكلّمون عن (السينما) الموجودة والمعاصرة والمنتشرة في كلّ أنحاء العالم، والتي بدأت تطلّ بوجهها البشع علينا، فالحديث عن هذه السينما، وليس عن حالة (خيالية) وصورة (ذهنية) متخيّلة في ذهن القارئ الكريم تصوّر سينما هادفة ذات رسالة اجتماعية ورؤية قيمية متميزّة، وتثبّت رسالتنا للعالم كلّه وتصلح الصورة النمطية السيئة عن المجتمع السعودي في العالم ..
هذا كلّه أحلام وخيالات يقظة إذا استيقظ منها الإنسان لن يرى أمام ناظريه إلا (السينما) الهابطة و(الأفلام) المروّجة للجنس والمثيرة للغرائز والهادمة لكل القيم والفضائل، وهذا شأن السينما في العالم كلّه، أفترونها إذا دخلت السعودية ستكون خلقًا آخر!
 
أُسائل أولئك الفضلاء .. أين هذه السينما الهادفة المجيدة؟
وأين الرسالة السينمائية المصلحة التي قد ادُّخِرَت فلم يبق إلا الأذن بها لتنطلق داعية للقيم والأخلاق مرسّخة للفضائل في المجتمع؟
ولو تخيّلنا وجود أفلام هادفة وقيمية فكم نسبتها مقارنة بالأفلام الهابطة، وإذا تعجّلتم أمر السينما فكم سيكون لهذا الأفلام من نصيب وحضور؟
هذا أول أفلام السينما (مناحي)، فأي قيمة اجتماعية وأخلاقية، وأي التزام بالقيم الشرعية في هذا الفيلم، مع أنه باكورة السينما، ومن طبيعة البداية أن تكون في قمة الالتزام والمحافظة والنفاق للمجتمع.
إننا بهذا متفقون على أن السينما فيها النفع والضرر، لكن المانعين يتكلّمون عن (واقع)  وبعض الناس في (أحلام).
 
***

السينما صناعة مؤثرة

 
2- يقولون: [السينما صناعة ذات رسالة مؤثّرة وأسلوب فاعل في التأثير والتغيير، ومن المهم أن يكون لذوي الرسالة الهادفة استفادة فاعلة منها].
جميل جدًّا أن يقال هذا، وجزى الله خيرًا كلّ من قام وسعى واجتهد في إنتاج وترويج وإبداع الأفلام المصلحة ذات الرسالة القيمية.
لكن أيها الفضلاء .. ما علاقة دعم دخول السينما لمجتمعنا الطاهر بهذا  التفكير؟
ألا يمكن للإنسان أن ينتج ويبدع أفلامًا سينمائية إلا إذا رأى صالات السينما في مجتمعه؟
ثمّ .. السينما التي ستدخل الآن .. هل ستصاغ بيد هؤلاء أم بيد ذوي رسالة العالم السفلي(روتانا).
إننا نتحدّث عن (واقع) وليس في (أحلام).
 
***

الأفلام موجودة في شاشات التلفاز


3- يستنكر آخرون الحساسية ضدّ السينما مع[ أنها أفلام موجودة في القنوات وشاشات التلفاز، الفرق-كما يقول- هو أن الشاشة كبيرة في السينما!]
طبعًا، من الذي أجاز وأيّد تلك الأفلام المشينة الموجودة في القنوات الفضائية؟
وهل وجود مجال لإفساد أخلاق شبابنا وفتياتنا يدفعنا لأن نفتح المجال لكلّ الأبواب والنوافذ والمداخل التي تفسد الشباب؟
على أن شأن السينما ليس كشأن تلك القنوات، فما يشاهده الإنسان في بيته وبين خاصّته، ولا يعلم بالضبط ما يشاهد، ليس كمنكر ظاهر يدعى له الناس، ويدفع فيه الأموال، ويجتمع فيه الآلاف من الناس وهم يشاهدون ما لا يرضاه شرع وعقل، ويتفنّن أصحاب رؤوس الأموال في استنزاف أموال الناس بنقل كلّ ما هو مثير وجديد، ولو على حساب القيم والأخلاق، فلا أظنّ أن عاقلًا سيساوي بين الصورتين، ولو أنهما سيّان حقًّا فلماذا لا يشاهد الناس إذن السينما في شاشات بيوتهم  بلا جهد ولا دفع أموال!
 
***

السينما قادمة قادمة


4- [السينما قادمة قادمة، والسعودية هي البلد الوحيد الذي لا يعرف السينما، فالوقوف في وجهها وقوف في معركة خاسرة].
أعتقد أن الحديث عن مستقبل السينما هو هروب من النقاش الجاد حول ثمرتها إلى المستقبل، وهو شعور من مؤيدي السينما بضعف حجتهم وعدم وقوفهم على بينة من أمرهم فليس لهم إلا أن يرحلوا من الحجة والدليل إلى الزمان القادم.

صراعنا هو في ذات السينما، هل هي هادفة أم مفسدة ، فإن اقتنعنا بأنها هادفة فلنعجّل بمجيئها ولا يصحّ أن ننتظر قدومها، وإن كان فاسدة فمن الضروري أن نقف في وجهها ولو كان موجودة فكيف وهي ستقدم، لأن السلوك الخطأ يقوّم ويصحّح وليس يعترف له وتخضع الرؤوس له بمجرّد أنه موجود.
 
ليس مع الإنكار والصدع بحكم الشرع في الأحكام أي معركة فاشلة، فالفشل هو في الأخطاء والانحرافات حين تنخر في مجتمعات المسلمين ولا تجد ناصحًا ولا مبينًا، وأما مع الظهور والبيان فإنما هي ضمان للأحكام الشرعية، لأن الخطأ سيكون موجودًا لكن الناس يعرفون أنه خطأ ومحرّم ويجب التوبة منه، وهذا ما يؤذن بأنه لن يبقى طويلًا.
 
إنّ الروح الصادقة المنكرة للسينما هي التي ستكون سببًا لدفع الناس نحو السينما الهادفة لو قدّر لهذا المجتمع أن يبتلى بالسينما التقليدية، فلم يعرف الناس البنوك الإسلامية إلا بعد أن عاش المجتمع سنوات طويلة وهو لا يعرف إلا بنوكًا تقليدية يحرّمها المشايخ، ولم ترى الأعين قنوات إسلامية إلا بعد سنين من العفن الإعلامي السلبي الذي ما زال المشايخ يحذّرون منه ويبيّون حكمه.


***

من شاء فليذهب أو يمتنع


5- [ليس مفروضًا على أحد أن يذهب للسينما، فمن شاء ذهب، ومن شاء امتنع، ولا معنى لكلّ هذا الصخب والنكير].
وحقيقة وقفت متعجّبًا كثيرًا عند هذا الكلام، كيف سرت إلى نفوس بعض الشباب مثل هذا الفيروس الذي أرسلته التيارات المنحرفة فعبث بمدركات التفكير لدى بعض الشباب الذين هم من أبعد الناس عن التلوّث بأي اتجاه فكري منحرف.
 
من البدهيّات في التصوّر الإسلامي أن المحرّمات ليس فيها (من شاء ومن شاء) فالمحرّم لا بدّ من منعه وإنكاره؛ نعم، بإمكان الشخص أن يقول إنه غير محرّم ويبين حجّته، أما أن تكون حجّته لتسويغ الفعل أن (من شاء ومن شاء) فهذا تفكير غير مستقيم مع القيم الشرعية تمامًا.
 
وهو ما يجعلني أعيد ما قد كرّرته من رجائي من بعض الإخوة الذين يرغبون في وجود السينما للاستمتاع والرغبة فيها، أنهم أن أبوا إلا ذلك فليفعلوا لكن لا يصل بهم الحال لأن يصفّوا أقدامهم للجدال والمكابرة في الأحكام الشرعية، فالخطأ حين يكون في السلوك ليس كالخطأ حين يكون في التلبيس والتدليس في الأحكام الشرعية.
 
***

تشدد وغلو


6- [هذا تشدد وغلو، وممانعة للتقدم والتحضّر الموجود في كلّ دول العالم، وقد منعتم الهاتف والجوّال والكاميرا والتلفزيون ...
لا أحبّ أن أكملها لكم، ولا أريد أن أحاورها أيضًا، لأنها عدد من الشتائم المنفجرة من نفسية حانقة غاضبة تكتب هذا الكلام في أي موضوع تتكلم عنه ولو كان عن ضرورة التوحيد، ومن العقل والحكمة أن لا يقف الإنسان كثيرًا معها، لأنك حين تلقى شخصًا يشتمك ويقول يا (حيوان ) فإن من السخف أن تقف لتشرح له أنك حقًّا لست الحيوان الذي يظنّ.
 
هذا (واقع ) السينما فهل نغضّ عنه الأبصار لنعيش في (الأحلام)..؟
 
صحيفة سبق
24/6/1430هـ.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#فهد-العجلان #السينما
اقرأ أيضا
الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر

الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام


إن إشكالية العقل والنقل قديمة جدا وتكلم فيها العلماء وقتلوها بحثا وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ولكن في وقتنا المعاصر بدأ البعض بالتلاعب في هذه المنطقة فيقول لك: إن الإسلام الصحيح لا يخالف العقل والعبارة تشعر للوهلة الأولى أنها صحيحة ولا مشكلة فيها ولكن الحقيقة أنها تحوي سما داخلها ستعرفه في هذا المقال

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2266
الإخلاص والنية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإخلاص والنية


كتاب الإخلاص والنية من أهم ما نقل إلينا عن أبي بكر بن أبي الدنيا ففيه روايات وأخبار كثيرة كلها تدور حول نية العبد وكما نعلم فالنية هي أشق شيء على المؤمن لكي يضبطه ويحدد بوصلته في كل أعماله والأعمال بالنيات وبين يديكم اقتباسات موجزة من هذا الكتاب الماتع

بقلم: ابن أبي الدنيا
769
توحيد المحبوب | مرابط
اقتباسات وقطوف

توحيد المحبوب


لا يمكن أن يجتمع في القلب حب المحبوب الأعلى وعشق الصور أبدا بل هما ضدان لا يتلاقيان بل لا بد أن يخرج أحدهما صاحبه فمن كانت قوة حبه كلها للمحبوب الأعلى الذي محبة ما سواه باطلة وعذاب على صاحبها صرفه ذلك عن محبة ما سواه وإن أحبه لم يحبه إلا لأجله أو لكونه وسيلة إلى محبته أو قاطعا له عما يضاد محبته وينقصها والمحبة الصادقة تقتضي توحيد المحبوب

بقلم: ابن القيم
606
التغريب: الأهداف والأساليب ج3 | مرابط
فكر تفريغات أبحاث

التغريب: الأهداف والأساليب ج3


التغريب مصطلح يطلق على الانسياق وراء الحضارة الغربية سواء في الاعتقاد أو الاقتصاد أو غير ذلك وقد سعى الغرب في تغريب الأمة الإسلامية بشتى الوسائل والتي منها: الاستعمار العسكري والفكري ونشر مدارس التغريب في بلاد المسلمين والابتعاث ولكون التغريب يشكل خطرا على المسلمين في دينهم وجب مواجهته بشتى السبل والتي منها: التمسك بالإسلام الحق وفضح مدارس التغريب ونشر العلم الشرعي وما أشبه ذلك

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2050
حين يتشاغل الناس | مرابط
اقتباسات وقطوف

حين يتشاغل الناس


عن أنس بن سيرين قال: بلغنا بالكوفة أن مسروقا كان يفر من الطاعون فأنكر ذلك محمد وقال: انطلق بنا إلى امرأته فلنسألها فدخلنا عليها فسألناها عن ذلك فقالت: كلا والله ما كان يفر ولكنه كان يقول: أيام تشاغل فأحب أن أخلو للعبادة فكان يتنحى فيخلو للعبادة قالت: فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه قالت: وكان يصلي حتى تورم قدماه

بقلم: إبراهيم السكران
300
البر المعنوي | مرابط
ثقافة

البر المعنوي


إن البر المعنوي يكمن في إظهار أهميتهم ومكانتهم والاعتراف لهم بالامتنان دوما وإشعارهم بأن دورهم لم ينته أبدا من حياتنا ولا يمكن أن ينتهي بل تزداد حاجتنا لهم كلما مضت السنين وتقدموا في السن ﻷن مما هو مشاهد أن شعور الوالدين يزداد حساسية كلما تقدم بهم السن ورأوا انشغال أبناءهم بالحياة وانغماسهم في أعمالهم ووظائفهم وأسرهم واستغنائهم فيحتاجون كثيرا حينها إلى البر المعنوي العاطفي واللبيب الموفق من الأبناء من فهم هذه الحاجات النفسية لوالديه وتفطن لها وسعى في تلبيتها.

بقلم: د. طلال الحسان
434