الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج1

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج1 | مرابط

الكاتب: سلطان العميري

1558 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

نظرة عامة على التيار الليبرالي

يلحظ المراقب للحالة الفكرية في الداخل السعودي نشاطا مكثفا للتيار الليبرالي، فقد أخد بكل ما أوتيه من قوة يعرض نفسه للناس في محافل كثيرة، ويبدو بأصوات متعددة، ويظهر في أشكال مختلفة، باحثا بكل ذلك عن موطئ قدم يبني عليه مشروعه الفكري والاجتماعي.
 
وقد تناول عدد من المثقفين مخرجات التيار الليبرالي بالتوصيف والتمحيص والنقد، وجاء هذا المقال ليتناوله من جهة معرفية بحتة، وليحاكمه إلى الشروط التي يجب توفرها في كل مشروع ناضج منتِج، وليقارنه بالمشاريع التي استطاعت أن تقدم للمجتمعات حلولا حقيقية تخرجها مما تعانيه من أزمات، وتعيشه من إشكاليات.
 
وإذا حاول المراقب أن يتعاطى مع التيار اللبيرالي السعودي بهدوء وأن يتعامل مع منتجه الفكري والثقافي بمهنية في التحليل وإتقان في التوصيف.. ليتعرف على مقدار ما يمتلكه من مؤهلات معرفية وفكرية وسلوكية تؤهله للعيش والنمو في الحالة السعودية.. سيخلص منذ المرحلة الأولى من التحليل إلى نتيجة مفادها: أن التيار الليبرالي يعاني من أعراض مرضية حادة تحول بينه وبين أن يكون مشروعا رائدا أو مخلصا أو ملبيا لحاجيات العقل الواعي الذي يميل إلى الانضباط في الاستدلال والعمق في التحليل والاتساق مع المبادئ واحترام القيم وتعظيم التمسك بها.
 
فالمراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي وسار في جنباته ووقف على أبرز محطاته التي برز فيها للعيان، وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية، تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي، وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية.
 
وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة، أزمة في المصطلح، وأزمة في الخلفيات الفلسفية، وأزمة في السلوكيات اليومية، وأزمة في الالتزام بالقيم، وأزمة في الاتساق مع المبادئ، وأزمة في الاطراد، وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطعيات الشريعة الإسلامية.
 
وقد استفحلت تلك الأعراض حتى وصلت إلى حالة مهلكة خرجت عن السيطرة، وتسببت في إنهاك جسده ووصوله إلى حالة مرضية خطيرة، وأضحت تلك الأعراض معوقات حقيقية للحيلولة دون نموه بشكل صحي.
وحتى لا تكون هذه النتيجة مخالفة للواقع، أو متصفة بالاستعجال والتهور، أوالتسرع في استخلاص النتائج، فإنا سنبرز أعقد تلك الأزمات التي اتصف بها التيار الليبرالي، وتسببت في تشوه صورته وتعرقل مسيرته، وسنمارس معها التحليل المنبسط والتفكيك المسترسل والهادئ حتى نتحقق من صدق تلك النتيجة.

 

الأزمة الأولى: إشكالية التأسيس:

تبدى التيار الليبرالي وهو يحمل اسما نشأ في بيئة مختلفة وتربى في محاضن فكرية مغايرة، ومع هذا فهو يعاني في أصله من اضطراب وقلق في انضباط مفهومه، ومصاب بغموض شديد في تحديد مقصوده، ومشبع بمضامين فكرية وفلسفية تتقاطع مع الإسلام تقاطعا ظاهرا.
 
فليس خافيا على أحد من المثقفين أن الليبرالية نشأت أول ما نشأت في الفكر الغربي تحت ظروف فكرية واجتماعية محددة وفي أحوال دينية خاصة، وقد تضمنت في حالتها الغربية مبادئ أساسية لا تنفصل عنها، كمبدأ الحرية المطلقة ومبدأ الفردية ومبدأ العقلانية، حتى غدت من المتلازمات في ذهنية القارئ.
 
وهي بهذه المبادئ تتضمن القول بنسبية الحقيقة وتدعو إلى العلمانية وفصل الدين عن الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها، وتقرر المساواة بين الأديان وحرية التنقل بينها، وتسمح بحرية مزاولة المحرمات القطعية في الشريعة، وتقطع الأخلاق والمبادئ عن الأساسات المرجعية لها سواء الدينية أو غيرها، وتعتقد أن الحرية المطلقة هي المبدأ والمنتهى والباعث والهدف والأصل والنتيجة في حياة الإنسان.
 
ولما كانت الليبرالية الغربية بهذه الصورة حدث انفصام نكد في التيار الليبرالي السعودي، فقد انقسم في موقفه من حالة الليبرالية الغربية إلى قسمين ظاهرين:
 
القسم الأول: من لم يبد الإنكار لتلك المضامين، وقرر ما تقوله الليبرالية الغربية من أنها الانفلات المطلق والحرية الكاملة،والتحرر من كل قيد، وكرر بعض منتجاتها، كالقول بنسبية الحقيقة وتاريخية الأحكام الشرعية، والانفتاح الكلي لدلالات النصوص وقابليتها لكل التأويلات.
وفي ضمن هذا القسم ظهرت لنا الليبرالية في مظاهر شاذة جدا، ومقالات شنيعة، وصلت إلى درجة إنكار وجود الإله، والاستخفاف بالنبي والاستهزاء الفاضح بالإسلام ووصفه بكل ذميمه، كل هذا ظهر تحت مسمى "شبكة الليبرالية السعودية".
 
القسم الثاني: من ادعى الخصوصية السعودية في مفهوم الليبرالية، وأخذ يقول بأن الليبرالية السعودية تتميز عن غيرها في كل شيء، حتى في المفهوم نفسه، ورفعوا شعار "الليبرالية السعودية ليس كمثلها ليبرالية".
 
فقد أدرك هذا القسم فضاعة ما تؤدي إليه الليبرالية في نسختها الغربية الأصلية من مناقضة للإسلام وأصوله، فاضطر إلى أن يمارس نوعا من التهذيب ويجري عمليات تجميلية عديدة؛ حتى يتخلص من الموروث الغربي لها، ويتوصل إلى نسخة مخففة جدا، فأبقى على المبادئ الأساسية لليبرالية، وأخذ يبحث عما يمكن أن يوافقها في النصوص الشرعية، وغدونا نسمع بأن الليبرالية تعد من صميم الإسلام؛ لأن الإسلام يحفظ للفرد حريته ويحترم له علقه.
 
وهذه العمليات التجميلية للمنتجات الغربية ليست جديدة على الساحة العربية، فقد مورست من قبل في الدعوة إلى الحداثة والدعوة إلى البنيوية وغيرها من المناهج النقدية الغربية، وقوبلت بإنكار شديد من قبَل عدد من كبار المفكرين العرب، وعدوا ذلك تشويها وتحريفا مغلفا.
 
وها هو الحال يتكرر في الليبرالية السعودية، فيبدوا أن عمليات التجميل لم ترض كثيرا من كبار المثقفين، فأنكروا دعوى الخصوص السعودية ووصفوها بالخدعة والأكذوبة، ووصفوا من مارسها بأنهم أدعياء ومتسولون.
 
وقد أبدى بعض المراقبين تحفظا من جهة أخرى، وهي أن الليبرالية السعودية ادعت الخصوصية، ولم تبين لنا معالم تلك الخصوصية ولا الحواجز الفاصلة بينها وبين النسخة الأصلية، ولا القيم التي تقوم عليها ولا الأسس الفكرية التي تستند إليها، وإنما غاية ما ذكروه ممارسات يومية مشتتة يجمعها وصف واحد وهو المضادة للتوجه الشرعي في السعودية.
فغدت الليبرالية السعودية بدون أسوار ولا أبواب يدخل فيها كل من يريد.
 
وبهذا كله ازدادت الليبرالية غموضا إلى غموضها وقلقا إلى قلقها واضطرابا إلى اضطرابها، مما يؤكد مدى الأزمة التي تعاني منها في بناء مشروعها وعمق الإشكالية التأسيسية التي أصيبت بها منذ اللحظة الأولى من ولادتها، وهذا كله كانت له أبعاد كثيرة في كيفية توصيفها وفي منهجية تصنيفها.
 
 


 

المصدر:

http://www.saaid.net/mktarat/almani/90.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الليبرالية #السعودية
اقرأ أيضا
ما هي البصمة التي تركتها فاطمة بنت الرسول؟ | مرابط
مقالات النسوية

ما هي البصمة التي تركتها فاطمة بنت الرسول؟


السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها لا يوجد لها حضور في خطاب النسويات المحجبات لأنها لا تخدم أهدافهن ولا يوجد في حياتها ما يؤيد شعاراتهن إلا قصة رفضها رضي الله عنها زواج زوجها عليها وليس لهن في موقفها حجة كما هو مبين عند أهل العلم. وهذا ما يحمل المسلمة اللبيبة اليوم على عدم الاغترار بهؤلاء المفسدات بشعارات إسلامية!!

بقلم: نور الدين قوطيط
593
معركة الحجاب الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين تفريغات المرأة

معركة الحجاب الجزء الثاني


يبدو أن هدم الأسرة المسلمة يأتي ضمن أولويات أعداء الدين فالأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع وهي التي تخرج للأمة الإسلامية أجيال النصر والبناء ولما كان استهداف الأسرة ضمن أهم الأولويات حاول أولياء الشيطان أن يفسدوا المرأة بأي شكل ممكن وقضية الحجاب من ضمن القضايا التي أثيرت في عالمنا العربي بإيعاز داخلي وخارجي أرادوا جميعا نزع الحجاب عن المرأة والحط من شأنه وإجبار النساء على السفور والتبرج والانحلال حتى يفسد ركن هام من أركان الأسرة وفي هذه المحاضرة للشيخ محمد صالح المنجد استعراض للقضية

بقلم: محمد صالح المنجد
2333
بين الخلاف واتباع الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين الخلاف واتباع الحق


فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان ولو كان مع من يبغضه ويعاديه ورد الباطل مع من كان ولو كان مع من يحبه ويواليه فهو ممن هدى لما اختلف فيه من الحق.

بقلم: ابن القيم
253
أنواع الإلحاد | مرابط
فكر الإلحاد

أنواع الإلحاد


في مقال موجز ومختصر يقسم الكاتب البشير عصام المراكشي الإلحاد إلى ثلاثة أنواع وهي: الإلحاد الفلسفي الإلحاد العلمي والإلحاد الشهواني ثم ينتقل إلى أرض الواقع ليكشف لنا مراكز كل نوع من هذه الأنواع فالإلحاد الفلسفي مثلا ينتمي إلى فرنسا والعلمي في أمريكا والشهواني هو الطاغي في بلادنا العربية

بقلم: البشير عصام المراكشي
2462
أسلمة العلمانية | مرابط
مقالات العالمانية

أسلمة العلمانية


ظاهرة الأسلمة شملت حتى الفكرة العلمانية ذاتها فالفكر العلماني الذي نشأ منابذا للخيار الإسلامي تحديدا ما دار عليه الزمان حتى صار العلمانيون يقدمون أنفسهم مجتهدين في فهم النص الشرعي ومستمسكين بتفسير من تفسيراته ومعتمدين على أقوال المذاهب وفتاوى العلماء يعني هذا: أن جمال هذه الأسلمة يجب أن لا يخدع العين عن إبصار أشكال التحريف التي تأتي على الأحكام الشرعية في ثناياها بغض النظر عن الدوافع النبيلة التي قد تحركها

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2356
أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الثاني ج1 | مرابط
تفريغات

أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الثاني ج1


ومسألة ذهاب الصالحين هي من أشراط الساعة التي يدخل فيها ذهاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبض العلم فإنه لا يمكن أن يوجد علم مع عدم وجود الصالحين الذين يقومون به وقبض الصالحين لازم لظهور الجهل وعدم العدل أيضا ومن الأصول ظهور الفتن في الناس ولازم ظهور الفتن ظهور الزنا وشرب الخمر والجهل والهرج وهو القتل وغير ذلك

بقلم: عبد العزيز الطريفي
829