تبريرات عدنانية

تبريرات عدنانية | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

1178 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

التحاكم إلى الاستبشاع

ويدفع عدنان كل نص يعارض كلامه الذي يرى أنه يعلو فوق كل اجتهاد تارة بالتضعيف وأخرى بالتأويل، ويبرر تأويله فيقول "هل نحن بحاجة إلى أن نُذكّر أن الهم الكامن وراء سلوك هذا المسلك التأويلي هو تبرير ذلك الاستثناء المحرج من القاعدة الكلية المشيدة -على عدد كبير من النصوص- المقررة لحرية الاعتقاد والضمير، وهو استثناء دموي، لا يتمثل في مجرد حظر ممارسة حرية اختيار المعتقد، لكن في قتل من يتجرأ على فعل ذلك" (1)

فهو هنا يتحاكم إلى الاستبشاع! كونه دمويًا! هل هذا فعل من يريد الحق؟ أن يستبشع شيئًا فيرده، وهل هذا إلا كقوله تعالى "فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ" فاستعظموا أن يكون بشرًا واستبشعوا أن يكون أتباعه من ضعفاء القوم!

 

الحرية من موانع العقوبات!

وإن جعل الحرية مانعا من موانع العقوبات هو من مواضع المغالطات، فلما يقال: لماذا لا تقع العقوبة على فاعل المعصية الفلانية؟ هل يقال: ﻷنه حر!، هذا تخليط، وإعادة صياغة لموضع السؤال نفسه، إذ لما يقال: (فاعل المعصية) يعني هذا بأنه حر، وإلا لم ينسب إليه الفعل وهو لم يختر حصوله، بل ينسب إلى من أكرهه على الفعل، ولكن لما نسب إليه الفعل قيل هو فاعله، والصحيح أن الحرية شرط لوقوع العقوبات، وليست مانعا لها.

فمن أُكره على معصية لا تقع عليه العقوبة! بخلاف ما لو كان حرا مختارا كمن اغتصب فتاة، يعاقب هو لا هي، فلما كانت العقوبة تقع مع الحرية، لم يصح معارضة عقوبة بوجود حرية!

 

التحاكم إلى الحق الطبيعي

ويتحاكم عدنان إلى (الحق الطبيعي) لتسويغ الردة على أنها عمل عادي فيقول "إنها عمل عادي يعكس استعمال الإنسان لحق من حقوقه الطبيعية في اختيار دينه ومعتقده" (2)

ويشرح هذا الحق الطبيعي بقوله "حال تكوينية، يجد كل إنسان تصديقها من نفسه، ولا يصح تجاوزها، فتجاوزها لا يمكن أن يتم إلا بممارسة ضرب من ضروب الطغيان والاضطهاد بحق الآخرين، وهذه الحال هي التي تسمى بالقانون الطبيعي، وقوامه مجموعة القوانين الثابتة التي يكشف عنها العقل الإنساني ولا يخترعها، ويجب على المشرّع أن يستلهمها فيما يصدره من تشريعات، إذ بقدر ما يراعيها تكون تشريعاته أدنى إلى العدالة. وبموجب القانون الطبيعي تثبت للإنسان الحقوق المعروفة بالحقوق العامة" (3)

وهنا يحسن اقتباس قول برترند راسل في نقد هذا التحاكم "أما الاعتقاد بالطبيعة وبما هو طبيعي فهو مصدر لكثير من الأخطاء.. وكثير من العادات التي أصبحت تبدو (طبيعية) كانت في الأصل غير طبيعية.. فلا يحسب أحد الآن أن العظم المحطّم يمكن رأبه بالسلوك الطبيعي، وأكل الطعام المطهي هو غير طبيعي، وكذلك تدفئة البيوت" (4)

فما هو معيار الطبيعي وغير الطبيعي، وهل يلزم من كون الشيء طبيعيًا أن يكون حقًا وصوابًا! ورغم أن عدنان سبق أن تحدث عن "إنجازات الإنسان تلك التي كان سيختار استبقاءها والتخلي عما عداها في حال فُرض عليه ذلك.. على نحو قطع معه مع المواريث المرّة"(5)، إلا أنه هنا يتحدث عن الحق الطبيعي، في حين أن بليخانوف يرى مثلا أن النظرية الماركسية في الاقتصاد السياسي تقدمية أكثر من الحق الطبيعي، يقول "الاقتصاد السياسي يلعب في الوقت الراهن... دورًا يضاهي في أهميته الحق الطبيعي في القرن الثامن عشر" (6)

وهذا متسق مع النظرة الماركسية في التقدم، فنظرية الحق الطبيعي بنظرهم نظرية مثالية قديمة، خدمت البرجوازية في القرن السابع بعشر والثامن عشر، جاء في الموسوعة الفلسفية وهي من وضع لجنة من العلماء والأكاديميين السوفياتيين بإشراف: روزنتال ويودين: "القانون الطبيعي: نظرية عن قانون مثالي لا يتوقف على الحالة موضع النظر، ويؤخذ على أنه مستمد من العقل وطبيعة الإنسان، وقد وضعت أفكار القانون الطبيعي في الأزمنة القديمة (عند سقراط وأفلاطون إلخ) وقد عد القانون الطبيعي في العصور الوسطى ضربًا من ضروب قانون الله (انظر توما الأكويني)، وجرى تناول الفكرة على نطاق واسع في فترة الثورات البرجوازية الغربية (القرنان السابع عشر والثامن عشر) واستخدم دعاة هذا القانون الرئيسيون (جروتيوس وسبنوزا ولوك وروسو ومونتسكيو وهولباخ وكانط وراديشيف هذا المصطلح لنقد الإقطاع وتأكيد أن المجتمع البرجوازي أمر طبيعي، وأمر معقول" (7)

إنهم يرون الحق الطبيعي نظرية مثالية، ساهمت في نقد الإقطاع لخدمة البرجوازية، ثم أضحت البرجوازية رجعية بعد النظرية الماركسية، ويفترض عندهم عدم العودة إلى المواريث المرة بتعبير عدنان.

فإن كانت الإنجازات البشرية في صعيد الفلسفة بما فيها الأخلاقية أمر متطور، فعدنان رجعي بهذه النظرة كونه يتحاكم إلى أفكار قديمة تجاوزتها كثير من الفلسفات العصرية بنظر أتباعها أو من يصحح نقدها، وإن كان يرى أن الصواب لا يشترط أن يكون حديثًا فعلام إذن التعليل بكونها منجزات بشرية يختار استبقاءها وقطع المواريث المرة.

على أن عدنان نفسه يقول في نفس الرسالة "الإنسان بطبيعته لا ينزع إلى الانفتاح والتسامح قدر نزوعه إلى الانغلاق والتعصب" (8) فإن كان الإنسان في طبيعته ينزع إلى ما لا يراه عدنان صوابًا، إذًا لا يصح أن يصف شيئًا بكونه حقًا لكونه طبيعيًا، ولا يمهل عدنان غزله حتى ينقضه.

يقول الجاحظ "ليس قولنا (طُبع الإنسان على حب الإخبار والاستخبار) حجة له على الله، ﻷنه طُبع على حب النساء ومُنع الزنى، وحُبب إليه الطعام ومُنع من الحرام" (9)

 

حجج رد الإجماعات

ويتفتق وعي عدنان عن حجج في رد الإجماعات، ومن ذلك لا يرى أي دليل على التفريق بين الكفر الأصلي والكفر الطارئ فيقول "ضلال الاثنين يدخل في عموم الضلال فالضلال العارض كالأصلي" (10)

فيقال: على منطق عدنان، لا فرق بين الكفر الأصلي والطارئ، ولا فرق بين من لا يريد الزواج وبين من تزوج متى قال: لا أريد الزواج انتهينا، وحاله وقتئذ كحاله قبل الزواج. ثم واحد لا يريد أن يبيع، وباعك ثم عاد في بيعه فحاله نفس الحال الأول.

يذكرني هذا بأحد الطرفاء، سأله أحد الناس: لماذا لا تمارس الرياضة؟ فرد عليه: ألست تتعب بعد كل جولة؟
قال: نعم، قال: وبعدها ترتاح؟ّ! قال: نعم، قال: فأنا مرتاح من البداية، إذن لا فائدة من الرياضة.

ويقال: الكفر من المحارب والمسالم يدخل في عموم الضلال،  إذا على منطقه لا فرق بين المحارب والمسلم بجامع دخولهما في عموم الوصف بالضلال.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. حرية الاعتقاد، ص1074
  2. حرية الاعتقاد، ص872
  3. حرية الاعتقاد، ص1125
  4. بحوث غير مألوفة، برتراند راسل، ص107
  5. حرية الاعتقاد، ص36
  6. المؤلفات الفلسفية، جورج بليخانوف، ترجمة فؤاد أيوب، ص337
  7. الموسوعة الفلسفية، وضع لجنة من العلماء الأكاديميين السوفياتيين، ص372
  8. حرية الاعتقاد، ص1246
  9. رسائل الجاحظ، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ص145حرية الاعتقاد، ص911

 

المصدر:

يوسف سمرين، تناقضات منهجية: نقد رسالة د. عدنان إبراهيم للدكتوراة، ص36

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#عدنان-إبراهيم
اقرأ أيضا
هل الحجاب يتعارض مع أناقتي في المناسبات؟ | مرابط
المرأة

هل الحجاب يتعارض مع أناقتي في المناسبات؟


التأنق والأناقة التي أفهمها تعني التزين ومواكبة الموضة والألوان والاتجاهات المنتشرة في الملبس فتلبس في الصيف كذا وتلبس في الشتاء كذا وتضع اكسسوارا بالصورة الفلانية وتلف الطرحة بالطريفة كذا وكذا .. كل هذه الأمور لا تلزم المسلمة في شيء ما دامت تخالف الركن الركين في زي المرأة المسلمة وهو: الستر.

بقلم: محمد حشمت
397
الميزان المقلوب الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

الميزان المقلوب الجزء الثاني


فقد ورد في بعض الأحاديث: أن رجلا مر بالرسول صلى الله عليه وسلم فسأل صحابيا عنده: ما تقول في هذا -وكان رجلا وجيها في قومه وصاحب مال وله مكانة في نفوس أهل الدنيا- فقال: هذا حري إن خطب أن يزوج وإن شفع أن يشفع ثم مر رجل آخر فقير فسأله عنه فقال: هذا حري إن خطب ألا يزوج وإن شفع ألا يشفع فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل ذاك أو كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه

بقلم: عمر الأشقر
842
مرحلة ما قبل الزواج: تحدي الشهوات | مرابط
مقالات

مرحلة ما قبل الزواج: تحدي الشهوات


نحن نعيش في زمن ربما لم يمر على البشرية منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى يومنا هذا زمن مثله من ناحية طبيعة انتشار الشهوات وبواعثها والتفنن في الدعوة إليها بشتى صور الدعاية والإعلامن حتى صارت الإباحيات صنعة متكاملة لها أهلها ومنتجوها وممثلوها وشركاتها ومصانعها ومخرجوها ومروجوها وأصبحت تجارة ضخمة تدخل أموالا طائلة على عرابيها.

بقلم: أحمد يوسف السيد
452
قوة العرب المعطلة | مرابط
فكر مقالات

قوة العرب المعطلة


بالإسلام يلم الشرق شعثه ويستعيد قوته وتنمو فيه أخلاق الرجولة ويتأهل لمشاركة الأمم في حمل عبء الحضارة واحتلال المحل الشريف من صف القيادة وإذا دبت في الإسلام روح الحياة فعاد إلى ما كان عليه من صفاء وبهاء وصراحة في عصر السعادة وفي أيام التابعين- فستجد فيه الإنسانية دواءها من أوصابها وسيتقي به البشر طغيان القوميات الذي يتمخض بمذبحة جهنمية تحترق بها الأرض

بقلم: محب الدين الخطيب
1603
السمة المركزية الغائبة | مرابط
تفريغات تعزيز اليقين

السمة المركزية الغائبة


كان الإنسان يفتش دائما ويقرأ ويطالع في سيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: ما هو المعامل الإيماني ما هو المكون العقدي ما هو الشيء الذي وجد عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم غائب عند أبناء المسلمين بحيث لو استطعنا أن نعزز من هذه القيمة في نفوسنا استطعنا أن نخلق حالة من حالات الحصانة من الذوبان في المعطى الحضاري الغربي كيف يستطيع الإنسان أن يحصن نفسه من ضغط هيمنة النموذج الثقافي الغربي؟

بقلم: عبد الله العجيري
351
تشوش دور المرأة | مرابط
المرأة

تشوش دور المرأة


قبل فترة وجدت نفسي في مجموعة على الفيس بوك للنساء فكلما دخلت واحدة لتعرف عن نفسها تسرد إنجازاتها في دراستها وعملها إلى أن دخلت واحدة على استحياء لتقول أنها خجلة لكونها لا تملك ما تحدثنا عنه سوى أنها أم وربة منزل! لقد تحول دور المرأة تحولا شوه دورها وشوه تلك المخرجات التي بتنا نراها أولادا بلا تربية وبيوتا بلا ترتيب وطناجر فخمة دون استعمال وصارت إحداهن تطبخ للكاميرة لا لأولادها.

بقلم: د. مؤمنة العظم
273