الخسائر التي نجمت عن الحروب الصليبية لم تقتصر على الصدام المسلم؛ كانت الخسارة الكبرى الأولى والأهم: خسارة فكرية نتجت عن تسميم الفكر الأوروبي ضد العالم الإسلامي عبر التصوير الإرادي المشوه والكريه لتعاليم الإسلام ومثله العليا.
فحتى يستمر الزخم الداعي لاستمرار الحرب الصليبية دمغوا الرسول بأوصاف كريه، وادعوا أنه معاد للمسيح، ووصفت ديانته بأشنع الأوصاف، وأنها منبع الشرور اللأخلاقية والانحراف والشذوذ.
وكان زمن الحروب الصليبية هو الزمن الذي أشيع فيه في أنحاء أوروبا أن الإسلام دين حس خالص وعنف وقسوة، وأنه دين طقوس لا دين تطهر من القلب، دخلت كل تلك الأفكار الشائهة عن الإسلام الفكر الغربي ولم تخرج منه بعد ذلك أبدًا، وكان أيضًا ذلك العصر الذي حول فيه متعصبو الحروب الصليبية اسم محمد، صلى الله عليه وسلم -وهو محمد، صلى الله عليه وسلم، ذاته الذي علّم المسلمين أن الإيمان بمن سبقه من الرسل من شروط الإسلام- على سبيل الذراية إلى ماهاوند.
المصدر:
- محمد أسد، الطريق إلى مكة، ص14