يا شباب العرب

يا شباب العرب | مرابط

الكاتب: مصطفى صادق الرافعي

1064 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

يقولون: إن شباب العرب شيخوخة الهمم والعزائم، فالشبَّان يمتدُّون في حياة الأمم، وهم ينكمشون.

وإنَّ اللهو قد خفَّ بهم حتى ثقلت عليهم حياة الجدِّ، فأهملوا الممكنات فرجعت لهم كالمستحيلات.

وإنَّ الهزل قد هوَّن عليهم كلَّ صعبةٍ فاختصروها؛ فإذا هزؤوا بالعدو في كلمة، فكأنما هزموه في معركة....

وإنَّ الشابَّ منهم يكون رجلًا تامًّا، ورجولةُ جسمه تحتجُّ على طفولة أعماله.

ويقولون: إن الأمر العظيم عند شباب العرب ألا يحملوا أبدًا تبعة أمر عظيم.

ويزعمون أن هذا الشباب قد تـمَّت الألفةُ بينه وبين أغلاطه، فحياته حياة هذه الأغلاط فيه.

وأنه أبرع مقلِّد للغرب في الرذائل خاصة؛ وبهذا جعله الغرب كالحيوان محصورًا في طعامه وشرابه ولذاته.

ويزعمون أنَّ الزجاجة من الخمر تعمل في هذا الشرق المسكين عمل جنديٍّ أجنبي فاتح...

ويتواصَوْن بأنَّ أولَ السياسة في استعباد أمم الشرق، أن يترك لهم الاستقلال التام في حرية الرذيلة...

ويقولون: إنه لا بدَّ في الشرق من آلتين للتخريب: قوة أوربا، ورذائل أوربا.

يا شباب العرب! مَنْ غَيْرُكم يُكذِّب ما يقولون ويزعمون على هذا الشرق المسكين؟

مَنْ غيرُ الشباب يضع القوة بإزاء هذا الضعف الذي وصفوه؛ لتكون جوابًا عليه؟

مَنْ غيركم يجعل النفوس قوانينَ صارمة، تكون المادة الأولى فيها: قَدَرْنا لأننا أردنا؟

ألا إن المعركةَ بيننا وبين الاستعمار معركةٌ نفسية، إن لم يقتل فيها الهَزْلُ قتل فيها الواجب!

والحقائق التي بيننا وبين هذا الاستعمار إنما يكون فيكم أنتم بحثها التحليلي، تكذب أو تصدق.

الشباب هو القوة؛ فالشمس لا تملأُ النهار في آخره كما تملؤه في أوله.

وفي الشباب نوع من الحياة تظهر كلمة الموت عنده كأنها أختُ كلمة النوم.

وللشباب طبيعةٌ، أولُ إدراكها الثقة بالبقاء، فأول صفاتها الإصرار على العزم.

وفي الشباب تصنع كل شجرة من أشجار الحياة أثمارها، وبعد ذلك لا تصنع الأشجار كلها إلا خشبًا...

يا شباب العرب ! اجعلوا رسالتكم: إما أن يحيا الشرق عزيزًا، وإما أن تموتوا .

أنقذوا فضائلنا من رذائل هذه المدنية الأوربية، تنقذوا استقلالنا بعد ذلك، وتنقذوه بذلك.

إن هذا الشرق حين يدعو إليه الغرب، {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}. [الحج: 13].

لَبئس المولى إذا جاء بقوته وقوانينه، ولَبئس العشير إذا جاء برذائله وأطماعه.

أيها الشرقي ! إنَّ الدينار الأجنبيَّ فيه رصاصةٌ مخبوءة، وحقوقنا مقتولةٌ بهذه الدنانير.

أيها الشرقي! لا يقول لك الأجنبي إلَّا ما قال الشيطان: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}. [إبراهيم: 22].

يا شباب العرب! لم يكن العسيرُ يَعسُر على أسلافكم الأولين، كأنَّ في يدهم مفاتيح من العناصر يفتحون بها.

أتريدون معرفة السرِّ؟ السرُّ أنهم ارتفعوا فوق ضعف المخلوق، فصاروا عملًا من أعمال الخالق.

غلبوا على الدنيا لما غلبوا في أنفسهم معنى الفقر، ومعنى الخوف، والمعنى الأرضي.

وعلَّمهم الدين كيف يعيشون باللذات السماوية التي وضعت في كلِّ قلب عَظَمَتَه وكبرياءه.

واخترعهم الإيمان اختراعًا نفسيًّا، علامته المسجلةُ على كلٍّ منهم هذه الكلمة: لا يَذِلُّ.

حين يكون الفقر قلة المال يفتقر أكثر الناس، وتنخذل القوة الإنسانية، وتهلك المواهب.

ولكن حين يكون فقر العمل الطيب، يستطيع كل إنسان أن يغتني، وتنبعثُ القوةُ، وتعملُ كلُّ موهبة.

وحين يكون الخوف من نقص هذه الحياة وآلامها، تفسِّر كلمةَ الخوف مائةُ رذيلة غيرِ الخوف.

 ولكن حين يكون من نقص الحياة الآخرة وعذابها، تصبح الكلمة قانون الفضائل أجمع.

هكذا اخترع الدين إنسانَه الكبيرَ النفسِ الذي لا يقال فيه: انهزمت نفسه.

يا شباب العرب ! كانت حكمةُ العرب التي يعملون عليها: اطلُب الموتَ تُوهَب لك الحياة.

والنفس إذا لم تخشَ الموتَ كانت غريزة الكفاحِ أولَ غرائزها تَعْمل.

وللكفاح غريزةٌ تجعلُ الحياةَ كلَّها نصرًا؛ إذ لا تكون الفكرة معها إلا فكرةً مقاتلة.

غريزة الكفاح يا شباب، هي التي جعلت الأسد لا يُسمَّنُ كما تسمن الشاة للذبح.

وإذا انكسرتْ يومًا فالحجر الصَّلْد [الصلب] إذا تَرَضْرَضَتْ [تكسرت] منه قطعة كانت دليلًا يكشف للعين أن جميعه حجرٌ صلد.

يا شباب العرب ! إن كلمة(حقي) لا تحيا في السياسة إلا إذا وضع قائلها حياته فيها.

فالقوة القوة يا شباب ! القوة التي تقتُل أولَ ما تقتل فكرةَ الترَفِ والتخنُّث.

القوة الفاضلةُ المتساميةُ التي تضع للأنصار في كلمة (نعم) معنى نعم.

القوة الصارمة النفَّاذة التي تضع للأعداء في كلمة (لا) معنى لا.

يا شباب العرب اجعلوا رسالتكم: إما أن يحيا الشرق عزيزًا، وإما أن تموتوا.

 


 

المصدر:

مصطفى صادق الرافعي، وحي القلم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العرب
اقرأ أيضا
المال في نظر الإسلام | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

المال في نظر الإسلام


إن كثيرا من الدعاة اليوم لا يفهمون هذه القضية فهم يظنون أن المسلمين ينبغي أن يتركوا المال ويكونوا فقراء بينما نجد أقواما آخرين يتركونهم ويذهبون إلى الدنيا والأمر ليس كذلك ولا كذلك فالأمر كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وليس هناك من خير إلا وقد دل الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عليه

بقلم: عمر سليمان الأشقر
563
تحريف المراد من أمية النبي | مرابط
أباطيل وشبهات

تحريف المراد من أمية النبي


من الشبهات التي يروجها البعض حول أمية الرسول أن أصل هذه التسمية ترجع إلى نسبته إلى مكة وهي أم القرى أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يقرأ ويكتب بثلاث وسبعين لسانا وإليكم الرد على هذه الشبهة في مقال موجز.

بقلم: قاسم اكحيلات
236
هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الأول | مرابط
تاريخ فكر مقالات

هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الأول


في حياة الشعوب كثير من المنعطفات التي غيرت مسار التاريخ صعدت بها إلى الأعلى أو هبطت بها إلى الأسفل والتاريخ -في نهاية الأمر- ليس إلا رجل وموقف وعبر سلسلة من الرجال والمواقف يكتب التاريخ أحداثه لذا فنحن قادرون على رسم التاريخ وأن نورث لأبنائنا تاريخا خيرا من الذي ورثناه عن أجدادنا فلقد ورثنا عنهم من الخبرة مالم يتوفر لهم كما سنورث أبناءنا من الخبرات ما يجعلهم قادرين على أن يورثوا أولادهم تاريخا خيرا مما ورثوه منا كل ذلك شريطة أن يتولى رسم المسار رجال يؤمنون بالتعايش بين بني الإنسان فيتصرفون...

بقلم: راغب السرجاني
1258
مفهوم العبادة | مرابط
اقتباسات وقطوف

مفهوم العبادة


وأما العبادة الخاصة وهي العبادة الشرعية وهي التذلل لله سبحانه وتعالى شرعا فهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى القائمين بأمره ثم إن منها ما هو خاص أخص وخاص فوق ذلك فالخاص الأخص كعبادة الرسل عليهم الصلاة والسلام

بقلم: ابن عثيمين
293
قضية اللغة العربية الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات لسانيات

قضية اللغة العربية الجزء الأول


ضعف في اللغة يستشرى جيلا بعد جيل واستهانة بما يصيب اللغة تتفاقم جيلا بعد جيل موقف فريد مناقض للطبيعة تقفه أمة العرب ومن ينتمون إليهم بالدين الواحد والحضارة الواحدة أو باللسان الواحد والحضارة الواحدة وإن خالفوهم في الدين كيف تم هذا كله لابد من تفسير لما حدث كيف حدث وإلا فلا علاج لعلة لا يعرف الطبيب أسبابها ولا نشأتها ولا تاريخها وكفى بالطبيب جهلا أن يعالج أعراض الداء والداء في مكمنه حي طليق مسيطر مستبد

بقلم: محمود شاكر
2035
الفرق بين النسخ والتخصيص | مرابط
تعزيز اليقين فكر

الفرق بين النسخ والتخصيص


لقد أدى التشابه بين النسخ والتخصيص ببعض العلماء إلى إنكار وجود النسخ في الشريعة الإسلامية واعتبروا كل ما قيل بنسخه أنه من باب التخصيص وعلى عكس هؤلاء اعتبر آخرون التخصيص نسخا فأدخلوا في باب النسخ صورا كثيرة من صور التخصيص لذا وجب بيان الفروق بين النسخ والتخصيص

بقلم: ناصر عبد الغفور
2374