لا تكن حبشرطيا

لا تكن حبشرطيا | مرابط

الكاتب: د إياد قنيبي

2127 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الطائفة الحبشرطية

ما رأيك في الطائفة التالية:
 إنها طائفة من أبناء المسلمين اسمها (الطائفة الحبشرطية)..
 
ماذا تقول هذه الطائفة عن الله -عز وجل- في قاموسها؟
تقول

"الله -سبحانه وتعالى- هو الذي فرض علينا الوجود في هذه الحياة الدنيا، وفرض علينا واجبات، منعنا من محرمات، وبيده إسعادنا أو إشقاؤنا، ولكن نفوسنا تستثقل بعض الواجبات وتهوى بعض المحرمات، لذا فإن علينا أن نتعامل مع الله بموازنة، بحيث نفعل من الواجبات المقدار الذي يضمن استمرار نعم الله علينا مع أقل قدر من الثقل في نفوسنا، ونفعل -أيضًا- من المحرمات بالمقدار الذي يحقق رغباتنا لكن دون تعريضنا لقطع نِعم الله أو نزول عقابه"

 

تُرى، هل تعريف الطائفة الحبشرطية لعلاقة الإنسان بربه تعريف سليم؟
هل هكذا ينبغي أن يُسلم نفسه وعاطفته لله رب العالمين؟ هل عرفتم من هي الطائفة الحبشرطية؟
إنها في الواقع كثير من جموع العالم الإسلامي، لا يقولون ذلك بألسنتهم، لكن لسان الحال أبلغ من لسان المقال!
 
بل لعلك -وأنت تقرأ هذه الكلمات- ستجد نفسك منتسبًا ضمنيًا إلى هذه الطائفة!
 

النفسية الحبشرطية

إن هناك صفات في نفوسنا تبدو خطورتها عندما نشخصها ونعبر عنها بعبارات لا مجاملة ولا مداهنة فيها.. قد نستنكرها ونستغربها لكن الحقيقة المرة أنها موجودة في نفوسنا وبدرجات متباينة. لذا، دعونا نتعمق في تحليل النفسية الحبشرطية؛ لنرى إن كانت مختبئة في ثنايانا، ولأية درجة؟
 
إن الحبشرطي يتذاكى ويجري التجارب في تعامله مع ربه سبحانه وتعالى! ويحاول أن يصل إلى "نقطة الموازنة" التي يشبع فيها رغباته دون أن تُقطع عنه النعم الدنيوية.
 
إذا ضم إلى حياته وأدخل في "مُكتسباته" معصية وأمرًا مما حرم الله، فإنه يترقب: فإن استمرت نعم الله ولم ينزل العقاب فإنه يستنتج أنه ما زال ضمن الموازنة، ويعتبر هذا المحرم أحد المكتسبات! أشبع رغبته دون قطع النعمة.
 

يريد عودة النعم

وأما إذا أدت هذه المعصية إلى قطع نعمة من النعم أو نزول عقاب، فإنه يستنتج أنه قد تجاوز نقطة الموازنة، فيعود أدراجه ليتخلص من المحرم، ويعلن حالة الاستنفار القصوى: دعاء، بكاء، تضرع، اجتهاد، طاعات.. لماذا؟

لأنه يريد عودة النعم ودفع النقم..
 
"وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ" .. إذن: دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا.. دعاء من يريد عودة النعم "وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ".. ذو دعاء عريض.. دعاء من يريد عودة النعم.
 
والمصيبة أن نفسية الحبشرطي "تتبرمج" مع مرور الزمن على هذه الموازنة، بحيث يستقر في حسه أن النعم التي هو فيها من حقه وأنه أهل لها "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي" .. يعني أنا أستحق هذه الرحمة، أستحق هذه النعم.
 

الحب المشروط

وفقًا لهذه الموازنة، فإن الحبشرطي يحب الله تعالى طالما أنه يمكن استمرار نعمه ودفع نقمه -في نظره- بهذه الموازنة، والمد والجزر، لذلك سميناه (الحبشرطي)، أي: أنه يحب الله -عز وجل- حبًا مشروطًا، مشروطًا باستمرار النعم، مشروطًا باستمرار المصالح الدنيوية خاصة؛ فإن نفسية الحبشرطي قلما تتذكر الآخرة!
 
تصور معي الآن ماذا يحصل إن أذنب الحبشرطي ذنبًا فابتلاه الله تعالى بما يكره، فتخلص الحبشرطي من هذا الذنب كالعادة وأعلن حالة الاستنفار القصوى: تضرع، دعاء، استغار، طاعات.. لكن الله عز وجل شاء أن يستمر البلاء ويشتد!
 
سوف يعتمل في نفسية الحبشرطي تساؤل (لقد أديت ما علي أن أفعله، فلماذا لم يفعل الله تعالى المتوقع منه؟)
 
وفقًا لعادة الموازنة التي تكرست في نفسية الحبشرطي فإن من حقه عندما يتخلص من المعصية ويجتهد في الطاعات أن يُرفع البلاء ويعود المصروف اليومي الذي يأخذه من الله -عز وجل- فإذا حصل خلاف المتوقع فإن محبته المشروط لله -عز وجل- سوف تنهار! ولا عجب أن تنهار لأنها أسست على شفا جرف هار، وانبنت على فهم متشوه لعلاقة الإنسان بربه سبحانه وتعالى.
 
إذا على أي شيء نبني حبنا لله عز وجل حتى لا نهار هذا الحب في أية لحظة من لحظات حياتنا؟!
 
هذا ما نناقشه في المقال القادم "ابن حبك لله على أسس سليمة".
 
 
خلاصة هذه المحطة:
 

انظر في نفسك إن كنت حبشرطيًا
تشرط محبتك لله باستمرار النعم الدنيوية

 


 

المصدر:

د. إياد قنيبي، حسن الظن بالله، ص20

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إياد-قنيبي #حسن-الظن-بالله
اقرأ أيضا
الأعمال تشفع لصاحبها | مرابط
مقالات

الأعمال تشفع لصاحبها


الأعمال تشفع لصاحبها عند الله وتذكر به إذا وقع في الشدائد قال تعالى عن ذي النون فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون وفرعون لما لم تكن له سابقة خير تشفع له وقال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل قال له جبريل آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.

بقلم: ابن القيم
400
البحث عن السعادة | مرابط
تفريغات

البحث عن السعادة


ألا تريد الراحة في الدنيا! لعلك بحثت عنها فلم تجدها إنك لن تجدها في الملايين ولن تحصل عليها في القصور أو في السيارات الفاخرة ولا عند النساء ولا بالأرصدة ولا في بلاد الإباحية والخنا والفجور لن تجدها إلا بين دفتي المصحف لن تحصل عليها إلا في آخر الليل في السحر إذا قمت وصليت بها ركعتين لن تراها إلا وأنت تطوف حول البيت

بقلم: نبيل العوضي
378
الزهد: بين ما نؤمن به وما نعيشه | مرابط
فكر

الزهد: بين ما نؤمن به وما نعيشه


هل تريد أن نستمتع بالدنيا بدرجة من الرفاه والعلو؟ هل تريد أن تمتلك الدنيا بيديك وفي جيبك وتزهو يمنة ويسرة؟ قد لا يكون هذا حراما إذا أخذت حيطتك من الحرام والعلو في الأرض. لكن عليك أن تقر بمنزلة أخرى هي خير من منزلتك فأنت تنكرها. أنت تنكر أن يكون بعض الزهد هو هجر متاع الدنيا وعدم تملكه من الأساس. وبناء عليه تقول لتصرفات بعض الزهاد: إنهم متنطعون.. متشددون.. يحرمون زينة الله التي أخرج لعباده..

بقلم: خالد بهاء الدين
371
فرية ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر: رد على عدنان إبراهيم ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات

فرية ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر: رد على عدنان إبراهيم ج1


ادعى الدكتور عدنان أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ضرب عمار بن ياسر رضي الله عنه بقدمه في محاشه أي عورته حتى كان عمار لا يحتبس بوله واستدل على ذلك بما رواه ابن شيبة في تاريخ المدينة الجزء الثالث وطبعا نعلم جميعا ما لدى الدكتور عدنان من خلط وحقد يمرره بشكل ناعم في حلقاته وفي هذا المقال يناقش أبو عمر الباحث هذه الشبهة ويرد عليها

بقلم: أبو عمر الباحث
4594
كيف أقرأ ختمتي التدبرية في رمضان؟ | مرابط
مقالات

كيف أقرأ ختمتي التدبرية في رمضان؟


لا تمل .. لن تجد المعاني التدبرية منذ اللقاءات الأولى مع الآيات.. صاحب القرآن بحب .. ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه شمروا .. جددوا النوايا و اشحذوا الهمم ولا تنسو الدعاء لأنفسكم بأن يفتح الله على بصيرتكم وقلوبكم .. وقل رب زدني علما

بقلم: د. عبد المحسن المطيري
819
سنة الله في إهلاك الظالمين والمكذبين | مرابط
تفريغات

سنة الله في إهلاك الظالمين والمكذبين


وكانت سنة الله عز وجل في إهلاك الظالمين السابقين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهلكهم بخارقة وكان المؤمنون لا يرفعون سيفا ولا يشتبكون في قتال فلما حدثت هذه الخطورة على بيت الله الحرام طبقت هذه السنة الإلهية حتى في غياب المؤمنينولكن مع بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيرت طريقة الإهلاك فقد كان الظالمون في السابق يهلكهم الله بخوارق وأما في رسالة الإسلام فالسنة هي: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم محمد:7

بقلم: د راغب السرجاني
583