فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها تحكم فيه وتتصرف بما تريد; وهو في الظاهر سيدها لأنه زوجها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها لا سيما إذا درت بفقره إليها وعشقه لها، وأنه لا يعتاض عنها بغيرها.. فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم.. فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن؛ فإن من استعبد بدنه واسترق لا يبالي إذا كان قلبه مستريحا من ذلك مطمئنا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص. وأما إذا كان القلب -الذي هو الملك- رقيقا مستعبدا متيما لغير الله، فهذا هو الذل والأسر المحض والعبودية لما استعبد القلب.. فالحرية حرية القلب، والعبودية عبودية القلب، كما أن الغنى غنى النفس. قال النبي، صلى الله عليه وسلم: ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس، وهذا لعمري إذا كان قد استعبد قلبه صورة مباحة؛ فأما من استعبد قلبه صورة محرمة: امرأة أو صبيا، فهذا هو العذاب الذي لا يدان فيه [يعني: لا حيلة فيه]، وهؤلاء من أعظم الناس عذابا وأقلهم ثوابا؛ فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقا بها مستعبدا لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى.. "
المصدر:
- شيخ الإسلام ابن تيمية، مجموع الفتاوى (10/185-186)