خطر البدعة وأهلها

خطر البدعة وأهلها | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

636 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

خذ على الجانب الآخر المبتدع حديث ذي الخويصرة لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعدل فإنك لم تعدل!! فقال: (ويحك! ومن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا، فقال رجلٌ: ألا أقتله يا رسول الله؟ قال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) هؤلاء هم المبتدعة، وهذا جد الخوارج الذين كفروا الصحابة وخرجوا عليهم، فانظر كيف قال فيهم: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) أي: لأشرعن في قتلهم قتلًا ذريعًا كما قتل الله قوم عاد، وهذه مبالغة في تقتيلهم، ومعلوم أن دم المسلم معصوم لا يهدر إلا من الدين، فما الذي أهدر دم هذا الرجل؟ إنها البدعة.

انظركيف تكلم عن أهل المعاصي وأثبت ما أثبت في الله ورسوله مع وجود المعصية، وانظر كيف قال في أهل البدع.

 

الترهيب من البدعة

ثم أصحاب البدع يحملون أوزارهم وأوزار الذين أضلوهم، كما قال تبارك وتعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل:25] إن المبتدعة ليس عندهم علم ولا برهان، وإنما هو استحسان، شيءٌ ظنه قربة إلى الله عز وجل؛ لذلك نخرج من هذا بالقاعدة المعروفة عند أهل السنة: إن الزيادة في الخير ليست خيرًا إلا أن تكون مشروعة، وعلى هذا يخرّج كلام الإمام القرطبي عندما استنبط من قوله تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد:27] فقال: ذم الله الذين ابتدعوا الرهبانية؛ لأنهم ما استمروا عليها، فلو أنهم استمروا عليها ما ذمهم، ورددنا على هذا المعنى، لكن قال القرطبي : إن الذي ينوي خيرًا لا بد أن يتمه.

نقول: إن الذي نوى خيرًا بشرط أن يكون مشروعًا دون اللغو فيه، لأننا نقول في بدء كل خطبة: خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، إن المبتدع نصب نفسه ندًا للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يقول بلسان الحال أو بلسان المقال: إن الشريعة ما تمت، لذلك ينبغي أن نضيف شيئًا لتتميمها، وكفى به خسرانًا مبينًا أن ينصب نفسه ندًا للرسول عليه الصلاة والسلام!

ثم إن المبتدع لا تقبل توبته حتى يدع بدعته: قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله احتجر -وفي رواية-: احتجز التوبة عن صاحب كل بدعةٍ حتى يدع بدعته) رواه الإمام الترمذي وحسنه.

ولو لم يكن في الترهيب من البدعة غير هذا الحديث لكان كافيًا؛ لأنه يعبد الله عز وجل من تلقاء نفسه بغير برهان، فكأنما لم يعبد الله بشيء.

وأضف إلى ذلك أن صاحب البدعة محرومٌ من شربة الحوض، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليردن أقوامٌ على حوضي أذودهم عنه). أي: أدفعهم، وفي رواية: (ليذادن أقوامٌ عن حوضي فأقول: رب! أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقا)، أي: بعدًا لكم.

 

احتجاج الرافضة

وهذا الحديث: احتج به الرافضة -وهم الشيعة الموجودون في إيران وغيرهم- على فسق جميع الصحابة واستثنوا علي، والمقداد، وحذيفة، وعمارًا، وسلمان، فهل المقصود بهؤلاء: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟

هناك جوابان لأهل العلم:

الجواب الأول: أن المقصود بقوله: (أصحابي) هنا، هم أهل الردة الذين منعوا الزكاة وحاربهم الصحابة.

وهناك جوابٌ آخر أقوى: وهو أن لفظ (الصاحب) لا يشترط فيها المصاحبة الفعلية الحسية، بل تشمل المصاحبة ولو باتفاق المذهب مع اختلاف الزمان، ألا ترى أن أي شافعي الآن، أو حنبلي يقول: وهذا قول أصحابنا، مثلًا: كـأبي يعلى ، وابن الجوزي ، وابن عقيل ، والمروذي ، ولا يزال أصحاب المذاهب يقولون: وهذا قول أصحابنا أمثال فلان وفلان، وبينه وبين الذي سماه مئات السنين، صار صاحبًا له في الطريقة، وإن لم يصطحبا حقيقةً، فقوله عليه الصلاة والسلام: (أصحابي أصحابي) أي: الذين آمنوا به واعتنقوا دين الإسلام، وإن تباعد بهم الزمان، وإنما أقول هذا التوضيح حتى لا يلتبس في ذهن أحدٍ.

والحديث الصحيح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وددنا لو أنا رأينا إخواننا، فقالوا: يا رسول الله! أولسنا إخوانك؟ قال: لا. أنتم أصحابي، وإخواني أقوامٌ يأتون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني) فمن الممكن أن يقول بعض الناس: هؤلاء هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ونفى أن نكون أصحابه نحن معاشر المتأخرين، بل نحن إخوانه، فيقول: إذًا قوله: (أصحابي أصحابي) يدل على الصحابة.

نقول: لا. إن لفظ (الصاحب) يطلق على المعاشرة الحقيقية، وعلى الموافقة في المذهب، وإن لم تكن هناك معية ذاتية؛ لذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (أصحابي أصحابي) أي: الذين اعتنقوا دين الإسلام بعد الرسول عليه الصلاة والسلام.

فصاحب البدعة محروم من شربة الحوض؛ ثم إن صاحب البدعة ملعون لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث فيها - أي: في المدينة- أو آوى مُحْدِثًا -والـمُحدث: المبتدع- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

ثم إن صاحب البدعة مردود الشهادة باتفاق العلماء؛ لأنه مخروم العدالة، فأي شيء بقي للمبتدع؟! ما بقي له دينٌ ولا دنيا؛ لذلك ينبغي للمسلم إذا أراد أن يتقرب إلى الله عز وجل أن يسأل أهل العلم، هل الذي سأفعله قربة إلى الله تبارك وتعالى أم لا؟!

ربما يسأل سائل فيقول: إن العوام يسألون من ليسوا من أهل العلم؛ فيحسنون لهم البدع، أعليهم وزرٌ في ذلك؟ لأن غالب القرى والأرياف المسيطرا عليها قديمًا ولا زال فيها فلول الصوفية، فيحسنون لهم البدعة؛ فهل هؤلاء العوام عليهم وزرٌ في ارتكابهم لهذه البدع؟

نقول: إن الرجل إذا ظن في رجلٍ أنه من أهل العلم وهو جاهلٌ بسمت العالم، لكن بذل وسعه في البحث عمن يظن أنه من أهل العلم، فوافق ظنه مبتدعًا من المبتدعة فأفتاه بتحصيل بدعة ما، فعبد الله بها أنه مأجورٌ على ذلك.

وأنا ذكرت قيدًا مهمًا في الكلام وهو: أن يكون ليس له هوى، وبذل الوسع في السؤال عمن يظن أنه من أهل العلم، وبهذا فعل الذي عليه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] فأهل الذكر عنده فلانٌ وفلان، وقد يصادف أنهم من المبتدعة، فلا لوم عليه إذا فعل الذي أمر به في حدود إمكانياته.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#البدعة #الحويني
اقرأ أيضا
الكتاب المعجز الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين

الكتاب المعجز الجزء الأول


ولو عدنا ثانية إلى الفرض بأن القرآن من تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنشائه لتبين لنا استحالة هذا الفرض بمجرد النظر في نظم القرآن وأسلوبه ومقارنته مع أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المدون في كتب السنة والحديث ليقيننا أنه لا يمكن لأديب أن يغير أسلوبه أو طريقته في الكتابة بمثل تلك المغايرة التي نجدها بين القرآن والسنة ولو شئنا أن نضرب لذلك مثلا فنقارن بين بيان القرآن وأسلوبه وبين كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلاهما كلام بليغ لكن شتان بين كلام الباري وكلام عبده

بقلم: د منقذ السقار
758
بالمساواة يتحقق العدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

بالمساواة يتحقق العدل


المساواة هي الشعار البراق اللامع الذي يرفعه الكثير من الناس ويقدمونها كأنها قيمة مثالية عليا متى تحققت صلح الواقع وبالتالي فلا يحق لأحد معارضتها أو إنكارها ولكن الحقيقة أن هذا الشعار البراق هو محض وهم فالمساواة ليست دائما حسنة ومن هنا يقف بنا المقال عند قيمة العدل وقيمة المساواة للتفريق بينهما وفهم ميدان عمل كل واحد منهما

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2123
معرفة الحق أولا أم الرد على الشبهات؟ | مرابط
فكر

معرفة الحق أولا أم الرد على الشبهات؟


معرفة الحق بدلائله وبراهينه حتى يطمئن إليه القلب وتسكن إليه النفس مقدم على معرفة ما قد يعارضه من الشبهات وكيف يكون الرد عليها إذ لا يمكن دفع الباطل إلا بما تدل براهين الحق على بطلانه ومن عكس الأمر فأشغل نفسه بالشبهات قبل أن يكون قد حصل له التمكن من اليقين بالحق فيخشى عليه أن يضطرب حاله حتى لا يعود يدري ما الحق ولا كيف يدفع ما وقع له من الشبهات.

بقلم: عبد الله القرني
340
القيمة الاجتماعية لأفكار القرآن | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

القيمة الاجتماعية لأفكار القرآن


إذا أردت أن تشهد العبقرية الاجتماعية للتشريع الإسلامي عليك أن تتوقف أمام أزمة الخمر في المجتمع العربي قبل وبعد الإسلام وترى كيف تم التدرج في تحريمها بداية من العامل النفسي وصولا إلى التحريم الصارم ثم تقارن كل هذا بمحاولة أمريكا في القرن الماضي للتغلب على أزمة الخمر في مجتمعها وترصد الفوارق الشاسعة بين الطريقتين وهذا بالضبط ما يقدمه المقال

بقلم: مالك بن نبي
2069
خطر الكسل المعرفي | مرابط
مقالات ثقافة

خطر الكسل المعرفي


كثير من الشباب لديه كسل معرفي رهيب فتراه يبادر إلى تبني أفكار كثيرة بمجرد أن يسمع بكلمة دليل أو عقل!! ولو كلف نفسه بالبحث قليلا أو بسؤال عدد من أهل الخبرة لأدرك بأن كثيرا مما يسمى دليلا وعقلا هو مجرد كلام فارغ لا قيمة له.

بقلم: د. سلطان العميري
417
المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج2 | مرابط
تفريغات الديمقراطية

المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج2


تناحر الأحزاب وتشاحنها فإن الديمقراطية تسمح بتكوين أحزاب وهذه الأحزاب تشحذ همم الناس على ترشيحها وقد تصل إلى السلطة وقد لا تصل إليها وهذا يفرق وحدة المسلمين والله عز وجل قد أمر بالوحدة والألفة فقال الله عز وجل وإن هذه أمتكم أمة واحدة المؤمنون 52 وأمر سبحانه وتعالى بالاجتماع على كلمة سواء ونهى عن التفرق والاختلاف فتكوين الأحزاب بهذه الطريقة هو تفريق لوحدة الأمة

بقلم: عبد الرحيم السلمي
639