دور محمد علي الجزء الثالث

دور محمد علي الجزء الثالث | مرابط

الكاتب: محمد قطب

1974 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الهزيمة الداخلية 

 

لا الهزمة العسكرية وحدها تصنع هذا في الأمة ذات العقيدة، ولا التخلف العلمي والحضاري والمادي وحده يصنع ذلك، ولا حتى اجتماع الهزيمة والتخلف معا يمكن أن يؤدي إلى كل ذلك الانهيار..
 
إنما هي الهزيمة الداخلية، الناجمة من التخلف العقدي
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"
 
إن اشتراط الإيمان في الآية الكريمة لا يجئ عبثًا! فالإيمان الصحيح وحده هو الذي يحول دون الوهن والحزن في حالة الهزيمة أمام الأعداء، ويحول دون النتائج التي تترتب على الوهن والحزن، وهي الاستسلام للأعداء، والكف عن مقاومتهم والكف عن محاولة منازلتهم من جديد..
 
والاستعلاء قرين الإيمان.
 
الاستعلاء على الجاهلية والنظر إليها على أنها جاهلية ولو كانت تملك ما تملك من أدوات النصر العسكري ومن أدوات التمكن المادي في الأرض.
 
والآية الكريمة ترد المؤمنين إلى الميزان الحقيقي والمعيار الحقيقي.. فحين تكون القضية هي قضية الكفر والإيمان، فالمؤمنون هم الأعلون ولو أصابتهم هزيمة مؤقتة أو ضعف مادي مؤقت، لأن الإيمان بذاته أعلى من الكفر، أعلى منه نفسيا وروحيا وعقليا وأخلاقيا وإنسانيا بمقدار ما يعو الحق على الباطل، والمنهج الصحيح على المنهج الفاسد، والرؤية الصحيحة على الرؤية الخاطئة، والسلوك المستقيم على السلوك المعوج.
 
"أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مسقيم"

 

هذا من الوجهة النفسية والشعورية والوجدانية التي تمنع الذوبان في العدو، أو الهزيمة الروحية أمامه.

 

ومن الوجهة العملية حين يستيقن المؤمنون بأنهم هم الأعلون بالعقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح -ولو أصابتهم هزيمة مؤقتة أو ضعف مادي مؤقت- فإن هذا اليقين ذاته هو الذي يعينهم على أن يقوموا من كبوتهم، ويسترجعوا قوتهم، ويتأهبوا لمنازلة الأعداء من جديد:  
 
"الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"

 

الإيمان الصادق

 

الإيمان الصادق إذن، بمفهومه الإسلامي الصحيح، لا بالمفهوم الإرجائي ولا المفهوم الصوفي، ولا المتفلت من التكاليف الربانية، هو الذي يعصم الأمة من الهزيمة الروحية أمام الأعداء، وإسلام القياد لهم، والرضى بالتبعية لهم... فهل كان هذا الإيمان موجودا بصورته تلك حين اقتحم الصليبيون بلاد الإسلام، وطغوا فيها وأكثروا الفساد؟
 
كلا بلا شك..
 
ولو كان موجودا بصورته تلك، ألتي نزل بها من عند الله، وعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، لما حل بالمسلمين ما حل بهم مهما يكن حالهم من ضعف القوة العسكرية والتخلف في الناحية العلمية والمادية والتنظيمية.. إنما كان الإيمان كفيلا بأن يبعث الأمة لتزيل عنها ضعفها، وتستدرك تخلفها، وتقوم لمناجزة الأعداء من جديد..
 
حقيقة كان هناك إيمان من لون ما..
 
هو الذي جعل الأمة تقاوم الغزو الصليبي، وتجاهده مجاهدة إسلامية، أي تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتنظر إليه على أنه غزو من قبل الكفار لبلاد الإسلام تنبغي مجاهدته وإزالته؛ وتقاوم ما وسعتها المقاومة عملية تنحية الشريعة الإسلامية وإحلال القوانين الوضعية محلها، على أساس أن هذا كفر يخرج الأمة من الملة إلى رضيت به.
 
كما جاهدت الأمة الإسلامية في مصر حملة نابليون الصليبية، ومنعته من إحلال قانونه محل الشريعة الإسلامية، كما جاهد المسلمون في الشمال الإفريقي ضد الغزو الصليبي الفرنسي، وفي الهند ضد الغزو الصليبي الإنجليزي، وفي أندونيسيا ضد الغزو الصليبي البرتغالي ثم الهولندي.. وباختصار: في كل مكان واجهت فيه الأمة الإسلامية غزو أوربا الصليبية لبلادها.
 
ولكن هذا الإيمان كان قد اعتراه ما بيناه من قبل من الفكر الإرجائي، والاتجاه الصوفي، والتفلت من التكاليف، فضلا عن تحوله عند العامة إلى مجموعة من الخرافات ومجموعة من التقاليد.. لذلك لم يصمد طويلا للغزو، رغم بسالة المقاومة التي أبداها في جهاده.. فلما انهار كان انهياره عنيفًا غير معهود من قبل.. وانهارت معه الأمة وأسلمت نفسها للتيار.

 


 

المصدر:

  1. محمد قطب، واقعنا المعاصر، ص191
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محمد-علي
اقرأ أيضا
من أخلاق الكبار: أحمد بن حنبل | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: أحمد بن حنبل


الإمام أحمد بعدما أوذي هذا الأذى لم يفتح ملفات من الأحقاد وسجلات من العداوة فلان هو المتسبب وفلان هو الذي سعى في الموضوع وفلان خذلني وفلان قصر في حقي وفلان لم يسع في خلاصي من أسر هؤلاء وفلان ما زارني بعد السجن وفلان صدرت منه بعض الكلمات التي لربما يفهم منها أنه كان مباركا لهذا العمل راضيا به لم يفتح شيئا من هذا إطلاقا ولم ينقل لنا التاريخ عن الإمام أحمد - رحمه الله - على طول ترجمته كلمة واحدة تدل على أنه وقف عند نفسه.

بقلم: خالد السبت
354
انشراح الصدر وأسبابه | مرابط
تعزيز اليقين

انشراح الصدر وأسبابه


وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب لا يعرفه إلا من له حس به وكلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن فرؤيتهم قذى عينه ومخالطتهم حمى روحه

بقلم: ابن القيم
313
حول تكريم المرأة في الإسلام | مرابط
المرأة

حول تكريم المرأة في الإسلام


قل هو شرع الله والله لم ينزل شرعه على ذوقك! بل لا تؤمنين إلا إذا كان هواك تبعا لما جاء به محمد! لا تقل لها أن القيمة التي تود النسوية رفعك لها هي موجودة في الإسلام لا بل الإسلام هو أعلى قيمة عليك أن تحرصي عليها كي ترفعي لا أنك قيمة باهضة والإسلام والنسوية يتنافسان على الظفر باتباعك عبر الإغراء بمفهوم التكريم

بقلم: باسم بشينية
300
ضغط اللحظة الراهنة | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

ضغط اللحظة الراهنة


كان القلق ناتجا من هبوب موجة استنكارات عنيفة من المثقفين الغربيين عن حال المعجزات التي ما عادت جذابة للعقل الغربي فهي لديهم أقرب لفكر الخرافات والأساطير التي تجاوزها الزمان فما عادت مستساغة في زمن تأليه العقل وتقديس الفكر المادي التجريبي غدت معه المعجزات مادة تندر واستهجان من رجالات الغرب هذا المزاج الغربي صاحبه حال إلحاد وجحود عن الدين لدى أوساط كثير من المثقفين المسلمين بما عزز في وعي كثير من المؤلفين ضرورة تقديم خطاب عقلاني مناسب يحفظون فيه الدين الإسلامي من سياط النقد الغربي ويحمون شباب...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1883
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج2 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج2


وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يقول: العابد الذي يعبد الله على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح من أجل هذا قدم الصالحون العلماء ورفعوا قدرهم بصرف النظر عن النسب وعن الشكل وعن السن وعن القبيلة لا توجد اعتبارات لهذه الأشياء مطلقا في عرف الفاهمين العلماء هم أعلى الأمة لا سلطان ولا صاحب مال ولا أي شيء آخر أعلى من العلماء

بقلم: د راغب السرجاني
576
ماذا يعلمك القرآن؟ | مرابط
تعزيز اليقين

ماذا يعلمك القرآن؟


يعلمك القرآن أن التميز يصنع الأعداء حتى من أقرب الناس إليك كما في قصة يوسف فإياك أن تدخل معارك مع حاسديك مهما كنت قادرا على الانتصار فالحاسد مشروعه إيقافك ونجاحه في أن تلتفت إليه ولذلك حدد هدفك بوضوح وكل معركة ليست على جبهة هذا الهدف لا تلتفت إليها.

بقلم: د. نايف بن نهار
311