دور محمد علي الجزء الثالث

دور محمد علي الجزء الثالث | مرابط

الكاتب: محمد قطب

2104 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

الهزيمة الداخلية 

 

لا الهزمة العسكرية وحدها تصنع هذا في الأمة ذات العقيدة، ولا التخلف العلمي والحضاري والمادي وحده يصنع ذلك، ولا حتى اجتماع الهزيمة والتخلف معا يمكن أن يؤدي إلى كل ذلك الانهيار..
 
إنما هي الهزيمة الداخلية، الناجمة من التخلف العقدي
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"
 
إن اشتراط الإيمان في الآية الكريمة لا يجئ عبثًا! فالإيمان الصحيح وحده هو الذي يحول دون الوهن والحزن في حالة الهزيمة أمام الأعداء، ويحول دون النتائج التي تترتب على الوهن والحزن، وهي الاستسلام للأعداء، والكف عن مقاومتهم والكف عن محاولة منازلتهم من جديد..
 
والاستعلاء قرين الإيمان.
 
الاستعلاء على الجاهلية والنظر إليها على أنها جاهلية ولو كانت تملك ما تملك من أدوات النصر العسكري ومن أدوات التمكن المادي في الأرض.
 
والآية الكريمة ترد المؤمنين إلى الميزان الحقيقي والمعيار الحقيقي.. فحين تكون القضية هي قضية الكفر والإيمان، فالمؤمنون هم الأعلون ولو أصابتهم هزيمة مؤقتة أو ضعف مادي مؤقت، لأن الإيمان بذاته أعلى من الكفر، أعلى منه نفسيا وروحيا وعقليا وأخلاقيا وإنسانيا بمقدار ما يعو الحق على الباطل، والمنهج الصحيح على المنهج الفاسد، والرؤية الصحيحة على الرؤية الخاطئة، والسلوك المستقيم على السلوك المعوج.
 
"أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مسقيم"

 

هذا من الوجهة النفسية والشعورية والوجدانية التي تمنع الذوبان في العدو، أو الهزيمة الروحية أمامه.

 

ومن الوجهة العملية حين يستيقن المؤمنون بأنهم هم الأعلون بالعقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح -ولو أصابتهم هزيمة مؤقتة أو ضعف مادي مؤقت- فإن هذا اليقين ذاته هو الذي يعينهم على أن يقوموا من كبوتهم، ويسترجعوا قوتهم، ويتأهبوا لمنازلة الأعداء من جديد:  
 
"الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"

 

الإيمان الصادق

 

الإيمان الصادق إذن، بمفهومه الإسلامي الصحيح، لا بالمفهوم الإرجائي ولا المفهوم الصوفي، ولا المتفلت من التكاليف الربانية، هو الذي يعصم الأمة من الهزيمة الروحية أمام الأعداء، وإسلام القياد لهم، والرضى بالتبعية لهم... فهل كان هذا الإيمان موجودا بصورته تلك حين اقتحم الصليبيون بلاد الإسلام، وطغوا فيها وأكثروا الفساد؟
 
كلا بلا شك..
 
ولو كان موجودا بصورته تلك، ألتي نزل بها من عند الله، وعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، لما حل بالمسلمين ما حل بهم مهما يكن حالهم من ضعف القوة العسكرية والتخلف في الناحية العلمية والمادية والتنظيمية.. إنما كان الإيمان كفيلا بأن يبعث الأمة لتزيل عنها ضعفها، وتستدرك تخلفها، وتقوم لمناجزة الأعداء من جديد..
 
حقيقة كان هناك إيمان من لون ما..
 
هو الذي جعل الأمة تقاوم الغزو الصليبي، وتجاهده مجاهدة إسلامية، أي تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتنظر إليه على أنه غزو من قبل الكفار لبلاد الإسلام تنبغي مجاهدته وإزالته؛ وتقاوم ما وسعتها المقاومة عملية تنحية الشريعة الإسلامية وإحلال القوانين الوضعية محلها، على أساس أن هذا كفر يخرج الأمة من الملة إلى رضيت به.
 
كما جاهدت الأمة الإسلامية في مصر حملة نابليون الصليبية، ومنعته من إحلال قانونه محل الشريعة الإسلامية، كما جاهد المسلمون في الشمال الإفريقي ضد الغزو الصليبي الفرنسي، وفي الهند ضد الغزو الصليبي الإنجليزي، وفي أندونيسيا ضد الغزو الصليبي البرتغالي ثم الهولندي.. وباختصار: في كل مكان واجهت فيه الأمة الإسلامية غزو أوربا الصليبية لبلادها.
 
ولكن هذا الإيمان كان قد اعتراه ما بيناه من قبل من الفكر الإرجائي، والاتجاه الصوفي، والتفلت من التكاليف، فضلا عن تحوله عند العامة إلى مجموعة من الخرافات ومجموعة من التقاليد.. لذلك لم يصمد طويلا للغزو، رغم بسالة المقاومة التي أبداها في جهاده.. فلما انهار كان انهياره عنيفًا غير معهود من قبل.. وانهارت معه الأمة وأسلمت نفسها للتيار.

 


 

المصدر:

  1. محمد قطب، واقعنا المعاصر، ص191
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محمد-علي
اقرأ أيضا
تجربة محاكم التفتيش الأوروبية على الشواطئ الإسلامية | مرابط
تاريخ

تجربة محاكم التفتيش الأوروبية على الشواطئ الإسلامية


شكلت المكائد الأوروبية للنيل من المسلمين والتنكيل بهم وتهجيرهم من الأندلس بداية موجة صليبية ثانية بعد الموجة الصليبية الأولى التي شنتها على بلاد الشام ومصر القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين فحقد الإسبان والبابوية على المسلمين والرغبة في الانتقام منهم في الأندلس بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 1492م جعلهم يؤسسون ما سمي في الأدبيات التاريخية بمحاكم التفتيش التي حاولوا نقل تجربتها من مدن الأندلس إلى شواطئ شمال إفريقيا المسلمة في المراحل اللاحقة فما هي محاكم التفتيش

بقلم: علي محمد الصلابي
2370
العجيبة الثامنة ج2 | مرابط
فكر مقالات

العجيبة الثامنة ج2


المكتبة الإسلامية هي عجيبة العجائب ذهب جلها ولم يبق منها إلا قلها وهذا الذي بقى هو الأقل الأقل وهو على ذلك شيء عظيم ففي مكتبات إسطنبول كما نقلوا أكثر من مئتي ألف مخطوطة جلبها العثمانيون من العواصم العربية والإسلامية وفي شمالي إفريقيا مئتا ألف مخطوط في مكتبات القيروان وفاس وحواضر الشمال الإفريقي المسلم وفي مصر ثمانون ألف مخطوط وفي موريتانيا واليمن وغيرهما

بقلم: علي الطنطاوي
889
أصول الأصول: مراجعة لكتاب غمرات الأصول | مرابط
مناقشات

أصول الأصول: مراجعة لكتاب غمرات الأصول


إذا كانت العروض قواعد تنظم الشعر وعلم أصول الفقه قواعد تنظم النظر في الفقه الشرعي فإن هذا الكتاب الصادر حديثا في معرض الكتاب 1435ه يطمح أن يكون مساهمة في بناء القواعد التي تنظم النظر في علم أصول الفقه ذاته فهو بمثابة بحث في علم أصول أصول الفقه ولذا وبغض النظر عن الترجيحات الداخلية للمؤلف التي قد يخالف بعضها القارئ إلا أن فكرة الكتاب والشواهد العزيزة التي وقع عليها المؤلف واستخرجها من بطون الموسوعات الأصولية ووظفها ببراعة تجعله كتابا نسيج وحده

بقلم: إبراهيم السكران
2309
الاعتراف بالذنب | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاعتراف بالذنب


اعتراف المذنب بذنبه مع الندم عليه توبة مقبولة قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه وفي دعاء الإستفتاح الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح به: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت

بقلم: ابن رجب
818
عمارة النفوس بالله | مرابط
مقالات

عمارة النفوس بالله


لقد جبلت النفوس البشرية على التعلق بالدنيا والغفلة عن الآخرة لذلك جاءت آيات القرآن فجعلت الأصل في الخطاب الدعوي ربط الناس بالآخرة والتبع هو التأكيد على أهمية إعداد القوة هذه نزعة ظاهرة في القرآن والسنة ووصايا السلف.. ولكن للأسف جاءتنا خطابات دعوية مادية أرهقتها مواجهة التغريب فانكسرت وتشربت ثقافة الخصم ذاته وصارت منهمكة في تذكير الناس بالدنيا وجعلت التبع هو الآخرة.. خطابات لم تعد تستحي أن تقول مشكلة المسلمين في نقص دنياهم لا نقص دينهم! ولكن لا يزال ولله الحمد- من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهد...

بقلم: إبراهيم السكران
374
وسلسلت الشياطين: لماذا لم ينقطع الشر؟ | مرابط
أباطيل وشبهات فكر

وسلسلت الشياطين: لماذا لم ينقطع الشر؟


إن شياطين الإنس الذين أفرغوا رمضان من مضمونه ومعناه الديني قد نجحوا -بالفعل- في تحويله إلى مجرد فلكلور شعبي.. فأصبح رمضان يعني العزومات والحلويات والمسلسلات وبرامج المقالب والترويع رمضان يعني الفوازير واللقاءات التليفزيونية التي لا يستفيد منها المشاهد أي شيء سوى معرفة بعض التفاصيل الخاصة عن حياة الممثلين والفنانين رمضان يعني الفوانيس والأنوار والزينة والسهرات الرمضانية والخيام الترفيهية والحفلات المختلطة وغير ذلك من المظاهر الاحتفالية.. كل هذا في مجمله يشكل فلكلورا شعبيا

بقلم: محمود خطاب
577