شبهة حول تحريم المعازف

شبهة حول تحريم المعازف | مرابط

الكاتب: فهد بن صالح العجلان

2348 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

أصل الشبهة:

هل القول بتحريم المعازف وعدم الاعتداد بخلاف من خالف فيها هو من (الغلو في التحريم) عند بعض العلماء المعاصرين، نظرًا لما في هذه الطريقة من (إنكار اعتبار الخلاف) كما يقرر بعض الناس؟


فهو يقول:
 
لا إشكال في التحريم لأنه قول اجتهادي، إنما الإشكال في عدم اعتبار الخلاف، لما فيه من غلو في التحريم، وتعطيل لاعتبار الخلاف السائغ؟

 

قول أهل العلم

الواقع أن هذا القول ليس قولًا خاصًا ببعض العلماء المعاصرين، فالقول بتحريم المعازف وعدم الاعتداد بخلاف من خالف فيها هو قول عامة أهل العلم، فهم لا يفتون بالتحريم فقط، بل ينصون معه على عدم اعتبار خلاف من خالف فيها، فخلاف المعازف هو عندهم من قبيل الخلاف غير السائغ.

ولهذا حكى كثير من العلماء إجماع العلماء على حرمة المعازف، وهؤلاء الأعلام الذين حكوا الإجماع لم يكن خافيًا عليهم أن بعض العلماء قد يجيز ذلك، وإنما دافع الإجماع عدم الاعتداد بهذا الخلاف، إما لكونه مسبوقًا بإجماع من قبلهم، أو لشذوذه ونكارته.

 

كما أن علماء المذاهب والمحققين من أهل العلم كانوا يجرون أحكام المعصية على المعازف، ولم يكن يتعاملون مع المعازف تعاملهم مع مسائل الخلاف السائغ، فتجد في كتب المذاهب الاربعة جميعًا تقرير إتلاف آلات الملاهي، وسقوط تضمينها، ومنع المجاهرة بها، وتعزير أصحابها، والحكم بالفسق وسقوط الشهادة، وغيرها، وهي نقول شهيرة لا يحتاج طالب العلم المبتدئ لذكرها، بما يعني أن الفقهاء لم يكن يقررون التحريم فقط، بل يرون القول بخلافه لا اعتبار له.
بل تجد في كلام كثير منهم أقوالًا شديدة في حق مستحل المعازف، ولو كانت المسألة في نظرهم من الخلاف السائغ لما ساغ اطلاق مثل هذه العبارات.
كما أن ذكر المعازف يأتي في كتب الفقهاء المتقدمين ضمن المعاصي والمنكرات ولا يذكر ضمن الخلاف السائغ.

 

إذن، فالمعازف في فتيا عامة الفقهاء محرمة، ولا يرون الخلاف فيها سائغًا، فهي ليست طريقة جديدة لبعض المعاصرين، بل هو مسلك عامة الفقهاء، فإذا كانت هذه الطريقة غلوًا وتشددًا، فهذا طعن في الحقيقة في عامة الفقهاء المتقدمين والمتأخرين قبل أن يكون طعنًا في بعض الفقهاء المعاصرين، وهذه من الآثار السيئة التي تثمرها الخصومات المعاصرة، أن يتحمس بعض الناس في نقد بعض المعاصرين في اجتهاداتهم وقد يكون في انتقاداه لهم ما هو حق، لكن رهق الخصومة يدفع لتجاوزات يلزم منها النيل من قدر أهل العلم كافة بوصف قولهم بأنه غلو في التحريم، أو أن يلوم بعض المعاصرين على ما هو حق أو سائغ من كلامهم بسبب وقوعهم في أخطاء أو اجتهادات غير سائغة.

 

والتهاون في إطلاق أوصاف الغلو والتشدد والتطرف هي طريقة صحفية مستهلكة في زماننا، والعاقل البصير لا يعبأ بها، لكنها أصبحت تؤثر على قطاع كبير من الناس –من حيث يشعر أو لا يشعر- نظرًا لكثافة الضخ الإعلامي المصاحب لها.
ومن السهل هنا أن أضع عشرات المواعظ في أهمية العدل والموضوعية والوسطية، وأن أذكِّر الآخرين بكثير من الآداب والأخلاق، لكن التحدي الحقيقي هو في الالتزام العملي التام بها، وأما الكلام فيحسنه كل أحد.

 

الأمر الثاني:

 

إذا كان صاحب هذا الكلام حريصًا على الالتزام باعتبار الخلاف، وإذا كان يلوم بعض المعاصرين على عدم اعتداده بالخلاف وأن هذا غلو وتشدد، فهو في الحقيقة قد وقع فيما نهى عنه، فتحريم المعازف وعدم الاعتبار بخلاف من خالف هو في أقل أحواله قول معتبر، واختيار فقهي شهير وله أدلته، بل هو يستند في عدم الاعتبار للخلاف إلى أقوى مما يستدل به من يجيز المعازف، وحجم الخلاف فيه أقوى بكثير من حجم من خالف، فإذا كان الشخص صادقًا في اعتبار الخلاف فلماذا لا يعتبر بخلافهم؟ ولماذا يصف قولهم بالغلو والتشدد ويلغي اعتباره؟

 

فإذا كان الشخص يستند إلى قاعدة مراعاة الخلاف على حسب أصولها الشرعية واعتبارها الفقهي فلا بد أن يراعي خلاف من لا يعتد بخلاف المعازف، خاصة أنه قول عامة علماء الخلف والسلف، وأما إذا أعملها وفق الطريقة الصحفية فإنه سيقع في مثل هذا التناقض، فيبالغ في الإنكار بدعوى التمسك بمبدأ اعتبار الخلاف، في نفس الوقت الذي لا يلتزم هو نفسه بإعمال هذا المبدأ.

 

بل إن عدم اعتبار الخلاف السائغ –لو سلمنا ان المعازف من هذا النوع- هو أهون من الحكم على مذهب عامة أهل العلم في التحريم وعدم اعتبار خلاف من خالف بأنه من قبيل الغلو في التحريم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المعازف
اقرأ أيضا
قصص السلف ليست خيالية | مرابط
اقتباسات وقطوف

قصص السلف ليست خيالية


بعض الناس إذا سمع ما يذكر عن السلف عن سلف هذه الأمة من عبادة وتلاوة لا يصدق ويقول: هذا ضرب من الخيال هذا ليس بصحيح هذه مبالغات لكن لو جربه مرة لنفسه وجد الأمر ميسورا ويوجد الآن -ولله الحمد- من يعان على ذلك ويقرأ القرآن في ثلاث في الأيام العادية فضلا عن أيام المواسم موجود مع أنه يؤدي جميع ما عليه ما هو إنسان عاطل المسألة مسألة توفيق وتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة لا أكثر ولا أقل ومن التجأ إلى الله بصدق أعانه أعانه على أمور دينه ودنياه.

بقلم: د. عبد الكريم خضير
260
سماع كتب السنة واكتساب اللغة | مرابط
لسانيات

سماع كتب السنة واكتساب اللغة


من أعظم ما يعين على اكتساب اللغة سماع الكلام الفصيح المعرب وما ضعفت لغتنا وكثر لحننا إلا عندما قل سماعنا له. وقد كان العربي لا يلحن لأنه لا يسمع اللحن فلما خالط الأعاجم دب إليه اللحن وسقط الاحتجاج بكلامه ولذلك احتج علماء اللغة بشعراء الحاضرة إلى منتصف القرن الثاني لأنهم اختلطوا بالأعاجم أما شعراء البادية فاحتجوا بشعرهم إلى منتصف الرابع.

بقلم: ياسر المطيري
374
إشكالية المصطلح النسوي 2 | مرابط
اقتباسات وقطوف النسوية

إشكالية المصطلح النسوي 2


إن مشكلة كثير من المصطلحات النسوية المتداولة أنه يتم التفكير بها داخل نظام الثقافة الغربية وأدواتها فهي منتوج غربي في النهاية وتزداد الصعوبة في المصطلحات ذات البعد الديني كمصطلح الحجاب أو مصطلح القوامة وغيرها حيث ينطلق الغرب من توصيف مفاهيمها من منطلقه الفلسفي في تفسير الدين تفسيرا اجتماعيا وهو النظرة السائدة في الغرب إلى حد ما فيتم النظر تباعا لهذه المصطلحات الدينية المتعلقة بالمرأة بمنظار علم الاجتماع فقط

بقلم: د خالد بن عبد العزيز السيف
770
بين منزلتين.. الشك واليقين | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين منزلتين.. الشك واليقين


ما أكثر ما نجد في الكتب الفكرية من يفخم شأن الشك وعدم الحسم.. ويقزم اليقين واليقينيات.. بل ويطالبون أن يتخلص الخطاب الديني من اليقين! ولذلك تجدهم يكثرون من ترداد مقولة إلى المزيد من طرح الأسئلة! فيفرحون بالأسئلة ولا يكترثون كثيرا بحسم الإجابات! لأن الإجابة تعني الالتزام بأمر ما.. والسؤال المفتوح يجعل الخيارات متاحة دوما لما هان على النفس والتذت به.. والهوى المتغير ألذ من الالتزام بموقف..

بقلم: إبراهيم السكران
233
العجيبة الثامنة ج1 | مرابط
فكر مقالات

العجيبة الثامنة ج1


المكتبة الإسلامية هي عجيبة العجائب ذهب جلها ولم يبق منها إلا قلها وهذا الذي بقى هو الأقل الأقل وهو على ذلك شيء عظيم ففي مكتبات إسطنبول كما نقلوا أكثر من مئتي ألف مخطوطة جلبها العثمانيون من العواصم العربية والإسلامية وفي شمالي إفريقيا مئتا ألف مخطوط في مكتبات القيروان وفاس وحواضر الشمال الإفريقي المسلم وفي مصر ثمانون ألف مخطوط وفي موريتانيا واليمن وغيرهما

بقلم: علي الطنطاوي
802
أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج2 | مرابط
فكر

أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج2


يبدو أن موضوع مقاصد الشريعة يحظى باهتمام بالغ في الساحات العربية خصوصا بعد أحداث سبتمبر فالسياسيون اهتموا به لتمرير أجندتهم السياسية والإعلاميون تمسكوا بها لتبرير مخالفة الإعلام للشريعة وكثير من الدعاة تمسك بها من أجل المزيد من المكتسبات سواء لدى عامة الناس أو لدى شرائح الملأ وتولت مقاصد الشريعة مع ظاهرة الخروج عن مألوف الشريعة المعهود لدى المسلمين بحجة نبذ التقليد والعمل بالدليل مهمة تمرير لبرلة الإسلام وعصرنته وكان أخطر ما في الأمر تبني شرائح إسلامية عديدة لهذا الفكر الأصولي الفقهي فكانوا...

بقلم: الدكتور هيثم بن جواد الحداد
1958