صفات الخوارج في السنة النبوية

صفات الخوارج في السنة النبوية | مرابط

الكاتب: الشيخ عمار الصياصنة

1095 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:

"الخوارج" من الكلمات التي كثر تردادها في الآونة الأخيرة، وإطلاقها على بعض الجماعات والتنظيمات بحق وباطل، فكان لا بد من وقفة نتبين بها صفات الخوارج كما وردت في السنة النبوية حتى ننزل كل قوم منزلتهم اللائقة بهم، حسب قربهم من هذه الأوصاف وبعدهم عنها.

ولم يأت في السنة النبوية تحذير من فرقة بعينها من فرق هذه الأمة إلا الخوارج، فقد ورد فيها أكثر من عشرين حديثا بسند صحيح، أو حسن، وما ذلك إلا لضررهم الجسيم على الأمة، والتباس أمرهم على الناس واغترارهم بهم؛ إذ ظاهرهم الصلاح والتقوى، ولأن مذهبهم ليس قاصرا على الآراء والأفكار، بل يتعدى ذلك إلى سفك الدماء.

 

فمن صفاتهم الثابتة في السنة:

 

1- صغار السن: فهم في غالبهم شباب صغار، يقل بينهم وجود الشيوخ والكبار من ذوي الخبرة والتجارب، قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثاء الأسنان)، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/287): "‏والحدث هو الصغير السن".

 

2- الطيش والسفه: فعامة الخوارج ومن يتبنى فكرهم من الشباب الذين تغلب عليهم الخفة والاستعجال والحماس، وقصر النظر والإدراك، مع ضيق الأفق وعدم البصيرة، كما جاء في الحديث المتفق عليه: (يأتي في آخر الزمان قوم، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام)، والأحلام: الألباب والعقول، والسفه: الخفة والطيش. قال النووي: "يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل"، نقله عنه الحافظ في الفتح.

 

3- الغرور والتعالي: فالخوارج يعرفون بالكبر والتعالي على عباد الله، والإعجاب بأنفسهم وأعمالهم؛ ولذلك يكثرون من التفاخر بما قدموه وما فعلوه!!

قال صلى الله عليه وسلم: (إن فيكم قوما يعبدون ويدأبون، حتى يعجب بهم الناس، وتعجبهم نفوسهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية) رواه أحمد بسند صحيح. ويدفعهم غرورهم لادعاء العلم، والتطاول على العلماء، ومواجهة الأحداث الجسام، بلا تجربة ولا روية، ولا رجوع لأهل الفقه والرأي.

 

4- الاجتهاد في العبادة: فهم أهل عبادة من صلاة، وصيام، وقراءة، وذكر، وبذل، وتضحية، وهذا مما يدعو للاغترار بهم، ولذا جاء البيان النبوي واضحا في التنبيه على هذه الصفة فيهم: (ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء) رواه مسلم.

وقال: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم) متفق عليه. وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون صلاتهم مع صلاتهم؛ فكيف بغير الصحابة؟! ولما لقيهم عبد الله بن عباس قال: "فدخلت على قوم لم أر أشد اجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل [أي غليظة]، ووجوههم معلمة من آثار السجود" رواه عبد الرزاق في المصنف.

 

5- سوء الفهم للقرآن: فهم يكثرون من قراءة القرآن والاستدلال به، لكن دون فقه وعلم، بل يضعون آياته في غير موضعها؛ ولهذا جاء وصفهم في الأحاديث: (يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم)، (يتلون كتاب الله رطبا، لا يجاوز حناجرهم)، (يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم).

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب، بل المطلوب تعقله، وتدبره بوقوعه في القلب".

وقال شيخ الإسلام: "وكانت البدع الأولى مثل بدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه" مجموع الفتاوى. ‏ولذلك قال فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: "انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين"، ذكره البخاري تعليقا.

قال ابن حجر: "كان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك" فتح الباري لابن حجر.

 

6- الكلام الحسن المنمق: فكلامهم حسن جميل، لا ينازع أحد في حلاوته وبلاغته!! فهم أصحاب منطق وجدل، يدعون لتحكيم الشريعة، وأن يكون الحكم لله، ومحاربة أهل الردة والكفر، ولكن فعالهم على خلاف ذلك!!.

كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يحسنون القيل، ويسيئون الفعل)، (يتكلمون بكلمة الحق)، (يقولون من خير قول البرية). قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: "أي يتكلمون ببعض الأقوال التي هي من خيار أقوال الناس في الظاهر، مثل: إن الحكم إلا لله، ونظائره، كدعائهم إلى كتاب الله".

 

7- التكفير واستباحة الدماء: وهذه هي الصفة الفارقة لهم عن غيرهم؛ التكفير بغير حق، واستباحة دماء المخالفين لهم، كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) متفق عليه.

وهذا "من أعظم ما ذم به النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج" مجموع الفتاوى. وسبب قتلهم لأهل الإسلام تكفيرهم لهم؛ قال القرطبي في المفهم: "وذلك أنهم لما حكموا بكفر من خرجوا عليه من المسلمين، استباحوا دماءهم". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين" مجموع الفتاوى. وقال: "ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها" مجموع الفتاوى.

والتكفير عند الخوارج له صور كثيرة: كتكفير مرتكب الكبيرة، أو التكفير بما ليس بذنب أصلا، أو التكفير بالظن والشبهات والأمور المحتملة، أو بالأمور التي يسوغ فيها الخلاف والاجتهاد، أو دون التحقق من توفر الشروط وانتفاء الموانع، ولا يعذرون بجهل، ولا تأويل، ويكفرون بلازم الأقوال ومآلاتها، ويستحلون دماء من يكفرونهم دون قضاء ولا محاكمة ولا استتابة.

ولهذا قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، " فشبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه؛ من شدة سرعة خروجه لقوة الرامي، لا يعلق من جسد الصيد بشيء". عمدة القاري. وفي صحيح مسلم: (هم شر الخلق والخليقة)، وعند أحمد بسند جيد: (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)، قال ابن حجر: "وفيه أن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية" فتح الباري.

 

8- اتخاذهم شعارا يتميزون به عن سائر الناس: ولهم في كل عصر وزمان شعار يتميزون به، وقد يكون هذا الشعار في الراية، أو لون اللباس، أو هيئته، أو غير ذلك.

وقد كان شعارهم في زمن علي بن أبي طالب حلق شعر رؤوسهم، كما أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (سيماهم التحليق). رواه البخاري. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28/ 497): "وهذه السيما سيما أولهم كما كان ذو الثدية؛ لا أن هذا وصف لازم لهم". وقال القرطبي: "(سيماهم التحليق) أي: جعلوا ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا، وشعارا ليعرفوا به" المفهم.

 

والحمد لله رب العالمين

 


 

المصدر:

موقع الدرر السنية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الخوارج
اقرأ أيضا
عن الولاء والبراء | مرابط
اقتباسات وقطوف

عن الولاء والبراء


مقتطف لشيخ الإسلام من مجموع الفتاوى يتحدث عن الولاء والبراء ووجوب الموالاة في الله والمعاداة فيه كما أنه يقف على نقطة هامة وهي وجود الظلم هل هو حائل دون الولاء الحقيقة أن الظلم لا يمنع الولاء ولا يقطع الموالاة الإيمانية وهذا ما يناقشه شيخ الإسلام

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1263
من مناظرات الإمام الشافعي | مرابط
مناظرات تفريغات

من مناظرات الإمام الشافعي


والشافعي رحمه الله كانت أخلاقه عالية جدا وقال عنه ولده: ما سمعت أبي يناظر أحدا قط فيرفع صوته وكان من خلقه أنه يحب أن تكون الغلبة لخصمه وكان يقول: ما عرضت الحجة على أحد فقبلها إلا عظم في عيني ولا عرضتها على أحد فردها إلا سقط من عيني. ويقول: ما ناظرت أحدا قط على الغلبة -ما دخلت في مناظرة مع أحد لكي أتغلب عليه- وإنما لكي يتبين الحق. وكان يقول: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ. وهذه مرتبة لا يصل إليها الإنسان بالسهولة مطلقا. وقال: ما ناظرت أحدا قط إلا على النصيحة.

بقلم: محمد المنجد
1056
لماذا تسقط الحضانة عن الأم إذا تزوجت؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

لماذا تسقط الحضانة عن الأم إذا تزوجت؟


الحضانة مثلها مثل أي حكم شرعي في نظام الشريعة لها فلسفة اجتماعية مهمة مرتبطة بزيادة التماسك الاجتماعي في الأمة.. بل في أمور الزواج والطلاق والنفقة والحضانة هذه العلة أوفر وتأكيد التماسك أظهر.. الحضانة مبنية على الشفقة والصبر على تربية الصغير ولذلك يقدم في الحضانة الأقرب فالأقرب لوفور شفقته كلما قرب من الطفل فمن تدلي من النساء للطفل عن طريق الأبوين تقدم على من تدلي عن طريق أحدهما ومن تدلي له عن طريق الأم تقدم على من تدلي عن طريق الأب..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
421
الموقف من العلوم العقلية | مرابط
فكر مقالات

الموقف من العلوم العقلية


إن الموقف الشرعي من تلك العلوم العقلية -وخاصة علم الفلسفة والكلام- هو الذم والقبيح والتحريم لأنها علوم متضمنة لمناقضة الشريعة أو مخالفة في كثير من موادها إما في الأدلة أو في المسائل. ولأجل هذا فإنه لا يجوز شرعا أن يحكم عليها بمدح مطلق ولا بدعوة مطلقة لدراستها ولا تنشر الكتب المؤلفة فيها ولا تروج موادها بمسالك مطلقة وإنما يوصى بها في حالات مخصوصة تغلب فيها جانب المصلحة على جانب المفسدة

بقلم: د. سلطان العميري
201
أثر نظرية التطور على الدين | مرابط
اقتباسات وقطوف

أثر نظرية التطور على الدين


مقتطف من كتاب ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث للدكتور سلطان العميري يتحدث فيها عن أثر نظرية دارون على الدين حيث كان لهذه النظرية أثر بليغ وخطير على العقل الغربي بأجمعه ونتيجة لذلك التأثير جعل روبرت داونز كتاب أصل الأنواع لدارون مندرجا ضمن قائمة الكتب التي غيرت وجه العالم

بقلم: سلطان العميري
501
الوسائل المعينة على القراءة النافعة ج1 | مرابط
تفريغات

الوسائل المعينة على القراءة النافعة ج1


أمة الإسلام مكلفة بالقراءة فهي مخاطبة في أول سورة أنزلت على نبيها محمد صلى الله عليه وسلم بأن تقرأ فهي ضرورية وليست هواية وللقراءة الصحيحة النافعة ضوابط ووسائل ومجالات لا بد للمسلم من معرفتها حتى تكون قراءته نافعة وبين تفريغ لجزء من محاضرة الدكتور راغب السرجاني ويدور حول الوسائل المعينة على القراءة النافعة

بقلم: راغب السرجاني
1693