صلاة الفجر بين الصادقين والمنافقين

صلاة الفجر بين الصادقين والمنافقين | مرابط

الكاتب: د راغب السرجاني

924 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.

أما بعد:

فما أسهل أن ينطق اللسان يا إخواني ويا أخواتي بكلمة الإسلام، ما أسهل ذلك، ولكن ما أصعب أن يترسّخ الإيمان في قلب الإنسان، انظر ماذا يقول ربنا: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، كلام اللسان: وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، مشكلة حقيقية أن يختلط الحابل بالنابل، أن يختلط الصادق بالكاذب، أن يختلط المؤمن بالمنافق مشكلة خطيرة، اختلاط المنافقين بالمؤمنين يضعف الصف: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا [التوبة:47]، أي: إلا اضطرابًا وإلا ضعفًا، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:47].

لذلك فإن الله عز وجل من رحمته بالصف المؤمن أن ينقيه على الدوام، والتنقية تكون عن طريق اختبار صعب، لا يقوى على النجاح في هذا الاختبار إلا المؤمنون حقًا، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2]، أي: هل تعتقدون أيها المؤمنون أنكم ستقولون بلسانكم: آمنّا ثم لا يصدق هذا اللسان عملًا من الأعمال؟

يقول سبحانه وتعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]! تعجب كبير جدًا: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت:3]، سنة من سنن ربنا سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].

إذًا: ربنا سبحانه وتعالى سيجعل لنا اختبارات كثيرة جدًا، منها: الجهاد فهو اختبار صعب، لكن ليس مستحيلًا، ينجح فيه المؤمن، ويسقط فيه المنافق.

كذلك: الإنفاق، وحسن معاملة الناس وكظم الغيظ اختبار، وهكذا الحياة كلها اختبار من أول أيام التكليف إلى لحظة الموت، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2].

 

اختبار صعب

سنتكلم عن اختبار من الاختبارات الصعبة جدًا، فليس أي شخص ممكن ينجح فيه؛ لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذا الاختبار مقياسًا واضحًا بين المؤمن والمنافق، فهو اختبار خطير، والذي سيسقط في هذا الاختبار سيكون منافقًا بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الاختبار هذا يا إخواني ويا أخواتي هو اختبار صلاة الفجر، صلاة الفجر في جماعة للرجال، وصلاة الفجر في أول وقتها للنساء.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما - أي: لو يعلمون ما فيهما من الأجر- لأتوهما ولو حبوًا).

تخيل نفسك أنك لا تستطيع أن تمشي أصلًا كأن تكون رجلك مكسورة وليس هناك من يعينك على المشي والذهاب إلى صلاة الفجر في المسجد، فتذهب حبوًا كالأطفال؛ لأنك تعرف كمية الخير التي في هذه الصلاة.

ذنب عظيم أن يتخلف مسلم مؤمن عن صلاة الفجر في جماعة، أو عن صلاة العشاء في جماعة.

أما وقت الصبح فهو ما بين طلوع الفجر وما بين شروق الشمس، يقول لي أحد الناس: إنه سمع في برنامج من البرامج أن وقت الصبح إلى بداية وقت الظهر. قلت: سبحان الله! يعني: سيصير الوقت مفتوحًا إلى الظهر، فأين الاختبار هذا؟! نقول: الوقت يا أخي ينتهي بشروق الشمس، هذا الوقت القليل المحدود الصعب، هو فعلًا صعب ومقصود أنه يكون صعبًا.

روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)، كلام في منتهى الوضوح، والأصعب من هذا يا إخواني أن اختبار النفاق من الإيمان لا يكتفي بمجرد أن تدرك الصبح في بيتك، لا، لا بد أن تدرك الجماعة في المسجد، كما قال صلى الله عليه وسلم، وأنا أعرف أنه صعب ومقصود أنه يكون صعبًا؛ لأنه اختبار خطير، والنتيجة خطيرة كما قلنا.

أما بالنسبة للنساء فصلاتهن وإن كانت مسموحة بالمساجد إلا أنها في البيت أفضل وأكثر ثوابًا؛ للحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن).

 

مشكلة تخلف معظم المسلمين عن صلاة الفجر

 

للأسف الشديد إن ضياع صلاة الفجر مشكلة شديدة الشيوع في أوساط المسلمين رجالًا ونساءً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا أتكلم عن حقائق في شرع الله عز وجل، أتكلم عن نصوص محكمة يا إخواني ليس فيها لبس، أتكلم عن أمور لا يوجد فيها اختلاف، بل أجمع العلماء عليها، قد يقول قائل: لكن أنا فعلًا لا أستطيع القيام للفجر، بالنسبة لي مستحيل، أقول له: كيف يكون في حقك مستحيلًا، ولا يكون في حق غيرك مستحيلًا؟!

تعالوا نفكر معًا، أولًا: يقول الله عز وجل في كتابه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فهل صلاة الصبح في هذا التوقيت تكليف أم ليست تكليفًا؟ هي تكليف، وفرض أم ليست فرضًا؟ هي فرض، على كل المؤمنين أم على طائفة معينة من المؤمنين؟ على كل المؤمنين، والله عز وجل يعلم الوسع أو لا يعلمه؟ يقينًا يعلمه، ومع ذلك كلفك بصلاة الصبح في هذا التوقيت.

إذًا: لا ينفع عقلًا ولا شرعًا لمسلم يؤمن بحكمة الله عز وجل وبعلم الله وبعدل الله أن يدعي أنه لا يستطيع تنفيذ تكليف من تكاليف الله عز وجل، هذا أول أمر.

الأمر الثاني: عشت في أمريكا فترة، وكنت أذهب لصلاة الفجر في المسجد وأرجع منه الساعة السادسة صباحًا، وكنت أجد الطريق السريع مليئًا بالسيارات عن آخره في الساعة السادسة صباحًا، وهؤلاء الناس كلهم من نصارى ويهود وملاحدة، وهؤلاء استيقظوا في ميعاد الفجر؛ لكي يذهبوا إلى دنياهم وإلى أعمالهم، كل هؤلاء الناس استطاعت أن تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة؛ لكي تخرج الساعة السادسة صباحًا إلى شغلها.

وهناك أناس آخرون كنت أراهم في الشوارع وأنا في طريقي لصلاة الفجر، يعني: قبل الفجر، فهؤلاء هم أصحاب الرياضة، تجدهم يجرون في الشارع في الهواء النقي في ذلك الوقت، وهناك أناس قبل أن تذهب إلى العمل تخرج كلابها للفسحة؛ لأن الكلب يقعد محبوسًا في البيت من الساعة السادسة صباحًا أو السابعة صباحًا إلى الساعة السادسة أو السابعة في الليل، فصاحب هذا الكلب يستيقظ قبل الفجر لكي يفسح الكلب، لكي يجعله يستنشق هواء لطيفًا ونظيفًا.

فالأمريكي نصرانيًا كان أو يهوديًا أو ملحدًا يستيقظ قبل الفجر لأجل الكلب، وبعض المسلمين، أو كثير من المسلمين، أو دعوني أقول بصراحة: معظم المسلمين لا يستيقظون لله عز وجل، هذه مأساة يا إخواني، ثم أنت شخصيًا، يا ترى لو عندك موعد طائرة أو قطار الساعة السادسة صباحًا ستستطيع أن تستيقظ وتذهب في الموعد، أم ستقول: إن إمكانياتك البشرية لن تسمح؟!

يا ترى لو ظروف عملك تضطرك أنك تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة صباحًا ستستطيع أن تستيقظ، أم ستعتذر كل يوم لرئيسك في العمل وتقول له: والله ظروفي صعبة لا أستطيع؟

أقول لك بصراحة: يا ترى لو أن شخصًا سيعطيك ألف جنيه في ميعاد الفجر يوميًا لمدة سنة هل ستستيقظ أم لا؟ ستستيقظ لتأخذ الألف جنيه؛ لأنك ستحصل خلال السنة على ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه، افرض أنك في آخر السنة مت وأنت تارك وراءك ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه وليس معك ولا صلاة فجر في قبرك، أو أنك مت وليس لديك ولا جنيه ومعك ثلاثمائة وخمسة وستون صلاة فجر في القبر معك أيهما أفضل لك؟ فكر بصدق وأجب بصدق، فهل يا ترى ستستيقظ للمال أم ستستيقظ للفجر؟

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #صلاة-الفجر
اقرأ أيضا
هل تعلم النبي القرآن من بحيرا وورقة بن نوفل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات تعزيز اليقين

هل تعلم النبي القرآن من بحيرا وورقة بن نوفل


من أبرز الأباطيل والشبهات التي أثارها أعداء الدين قديما وحديثا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلم هذا القرآن من بحيرا الراهب وورقة بن نوفل وأخذ عنهما هذا العلم وبثه بين العرب أي أن القرآن ليس وحيا من عند الله وإنما يندرج تحت علم أهل الكتاب والرد على هذا الزعم بسيط وميسور جدا فما حفظه التاريخ وما وصلنا من أخبار ومن قرائن الأحوال يثبت عكس ذلك وهو ما يوضحه الكاتب منقذ السقار في هذا المقال

بقلم: د منقذ محمود السقار
8672
العلاج بالطاقة وقانون الجذب | مرابط
مقالات

العلاج بالطاقة وقانون الجذب


المعالجون بالطاقة الكونية وقانون الجذب والتأمل واليوجا وقوانين الاستحقاق هؤلاء لصوص آخرة يسرقون آخرتك ويدعونك لعبادة العجل الذهبي.. فهم يغرونك ببريق الدنيا ولذة الدنيا وتضخيم هوى نفسك ويسلبون في المقابل آخرتك يجعلون منك إلها صغيرا تغير الأقدار وتصنع الاستحقاق.

بقلم: د. هيثم طلعت
832
الطرق الصوفية: جسور للاستعمار | مرابط
اقتباسات وقطوف

الطرق الصوفية: جسور للاستعمار


يبدو أن الاستعمار الفرنسي استفاد كثيرا من الطرق الصوفية التي كانت منتشرة في الجزائر بل وأرسى عليها قواعده واستعان بها في بسط سلطانه على بلدان المسلمين وبين يديكم مقتطف من آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والذي عاش التجربة بنفسه ورأى ذلك ووصفه باستفاضة في مواضع مختلفة

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
560
مختصر قصة الأندلس الجزء الخامس | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة الأندلس الجزء الخامس


سلسلة مقالات مختصرة تطوف بنا حول الأندلس لنعرف قصتها من البداية حتى النهاية من الفتح إلى السقوط سنعرف كل ما دار من أحداث بين لحظة الفتح والصعود ولحظة الانهيار والأفول والهدف من ذلك أن ندرك ونعي تاريخنا بشكل جيد وأن نتعلم منه حتى نبني للمستقبل

بقلم: موقع قصة الإسلام
1575
توهم معارضة الأحاديث الصحيحة لما هو أرجح منها | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

توهم معارضة الأحاديث الصحيحة لما هو أرجح منها


من بين آلاف الأحاديث الصحيحة التي لم يتعرض لها المشككون في السنة بالإنكار أو الاعتراض نجد أن نسبة النصوص التي أثاروا شبهات حولها لا تكاد تتجاوز 2 من مجموعها ولكنهم يجعلون هذه النسبة الضئيلة سببا في إسقاط ما بقي من الأحاديث الصحيحة وسبب استشكالهم لهذه الأحاديث يعود إلى اعتقادهم أنها تعارض ما هو أرجح منها ثبوتا أو دلالة فيتوهمون تعارضها مع القرآن أو مع سنة أصح منها أو مع العقل أو مع الحس والتجربة أو مع الذوق والأخلاق ثم يردونها بسبب هذا التوهم من المعارضة ويتجاوزون القدر المشكل إلى ما وراءه و...

بقلم: أحمد يوسف السيد
1343
معارضة الوحي بالعقل: ميراث الشيخ أبي مرة | مرابط
اقتباسات وقطوف

معارضة الوحي بالعقل: ميراث الشيخ أبي مرة


مقتطف من كتاب الصواعق المرسلة لابن قيم الجوزية يدور حول معارضة الوحي بالعقل ويقف بنا أمام القياس العقلي المركب في قول إبليس أنا خير منه والفاضل لا يسجد للمفضول والاحتجاج بأنه مخلوق من نار بينما آدم مخلوق من طين أي من خلق من نار خير ممن خلق من طين

بقلم: ابن القيم
855