طلب المرأة المساواة

طلب المرأة المساواة | مرابط

الكاتب: عباس محمود العقاد

2102 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 فالإغضاء عن كل هذه الفوارق والذهاب إلى المساواة بين الرجل والمرأة بعد وضوح قصورها عنه وظهور نقصها بالقياس عليه، عبثٌ لا موجب له ولا يفيد.

دخل القرن الثامن عشر في أوروبا فرفع حواجز الطبقات، ونزع حوائل الهيئات، فصار الناس سواء في نظر الشريعة، وإن لم يكونوا كذلك في نظر الطبيعة. وانطلقوا يتبارون كما يتبارى الْأَكْفَاءُ، فبعد أن كان لكل طبقة زي تُعرف به، غدونا لا نميز بين أقدار الناس باختلاف أزيائهم أو تشابُه بزاتهم. وكانت المرأة بما جُبِلَتْ عليه من خليقة الغيرة أول من خطا إلى هذا المضمار، فشاقتها الزينة، وراح أدنى النساء يقلدن اعلاهن في التبرُّج والتأنُّق واقتناء المجمِّلات والمحسِّنات.

والمرأة لا ينقصها الاقتناع بوجوب اقتنائها كل ما يتمم حسنها ويجلو رونقها، فإذا قصر الرجل في إيتائها بهذه المطالب فهي في شرع الهوى بريئة من عدمه. خير لها أن تلتمس تلك النفائس والتحف عند من يحبوها إياها وهو قرير العين طيب الخاطر، فاستبيحت الأعراض، وتراخت ثقة الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وصدف الناس عن الزواج إلا القادرين الآمنين، وهم قليلون.

وجاء هذا على أثر عهدٍ فشا فيه فساد أبناء الطبقات العليا وبناتها، واتصل منها بغيرها من الطبقات، فرنق ماء حيائهم وأوهن من حفاظهم وعفافهم.

ثم تحول في ذلك القرن وجه المسألة الاقتصاية، واشتد التكالب على الأرزاق، وضاق الخناق، وأخذ الناس بالحُجزات والأطواق، فأصبح أجر العامل لا يفي بأكثر من قوته وحاجته ومأواه، فضلًا عن أن يمون به سواه، فزاد ذلك في إحجام الرجال عن الزواج، وقلَّل شيئًا فشيئًا من عدد المتزوجين والمتزوجات.

كان من هذا وذاك أن كثر بين النساء المنقطعات اللائي لا محيص لهن عن السعي لأنفسهن. فطرقن أبواب الأعمال يزاحمن عليها الرجال. ثم رأين أنه قد آن أن يساوين الرجل في الحقوق وقد حمَّلن أنفسهن واجباته ونزلن معه في هذا المجال. فصِحْن يطلبن تلك المساواة الصورية التي نالها قبلهن نساء الطبقة العليا، بحكم ثروتهن والبيئة التي هن فيها، لا بالعلم أو مساواة الرجل في القدرة والفهم.

على أن من تبين ضعف المرأة، ثم ما وُهِبَتْهُ من جمال الظاهر، ورأى كيف تحتال به على مطالبها، وتستخدمه في مآربها، وأنها لا تعدل به شيئًا من مفاخر الحياة، ولو أوتيت العلم والحكمة، أو رُزِقت الملك والعظمة؛ علم أنه حل منها محل القوة من الرجل، وأنها إنما وُهِبَتْهُ ليكون سلاحها الذي تحفظ به حياتها في هذا الوجود، لئن صدئ في هذه الأيام إفرنده، أو تثلَّم حده، فأولى بها أن تعمد إلى صقله وشحذه، من أن تصول بسلاح سواه، لا يدفع عنها أذى، ولا يرد من مصاوليها أحدًا.

وليس إلا غرورًا كالغرور الذي لا نصادف مثله في غير بنت حواء، يزين لها أن تقول للرجل:

أنا ربة الجمال، وصاحبة القوة فوق الجمال. أسعى سعيك وأدأب دأبك. وليس هذا كل ما عندي. بل إنك لتعمل ولا عائق لك يثنيك عمَّا أنت آخِذ فيه. أما أنا فأعمل كما تعمل، في حين أنهض بأعمال الحمل والوضع والحضانة والتربية، فأغالب عَامِلَيِ التعب والألم، وأنت تنوء بواحد منهما. ولا أراني قانعة بأن أكون مثلك، بل إني لَأَصْلَبُ منك عودًا وأشد جَلَدًا، وأجمل منظرًا وأحد ذكاء و… و…

ولا ندري بعد هذه الدعوة، أتتجاوز المرأة عمَّا فرضته على الرجال من واجب احترام الضعف فيها، أم تتقاضاهم بعده واجب احترام السيادة والسلطان؟ إن الرجل والمرأة صِنوان خُلِقَا ليعيشا معًا. ولا بد لأحدهما من ميزة على الآخر ينتظم بها أمر المعيشة بينهما. فمن تُرى يكون صاحب الميزة منهما؟


المصدر:

  1. عباس محمود العقاد، الإنسان الثاني، ص 19
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#عباس-العقاد
اقرأ أيضا
مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة | مرابط
تعزيز اليقين

مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة


من محاسن تشريع الزكاة رعاية نفوس الأغنياء وعدم إضرارهم في أموالهم. فعلى عكس ما قد يظنه البعض أن أحكام الزكاة تراعي حق الفقراء فقط فإن الشريعة توازن بين حقوق المستحقين وحقوق أصحاب المال.

بقلم: أحمد عبد السلام
292
الكتاب المعجز الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين

الكتاب المعجز الجزء الأول


ولو عدنا ثانية إلى الفرض بأن القرآن من تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنشائه لتبين لنا استحالة هذا الفرض بمجرد النظر في نظم القرآن وأسلوبه ومقارنته مع أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المدون في كتب السنة والحديث ليقيننا أنه لا يمكن لأديب أن يغير أسلوبه أو طريقته في الكتابة بمثل تلك المغايرة التي نجدها بين القرآن والسنة ولو شئنا أن نضرب لذلك مثلا فنقارن بين بيان القرآن وأسلوبه وبين كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلاهما كلام بليغ لكن شتان بين كلام الباري وكلام عبده

بقلم: د منقذ السقار
799
الوقاية بالغض من البصر | مرابط
تفريغات

الوقاية بالغض من البصر


إن الشارع قد منع إتيان أماكن الفساد والمحرمات بالإضافة إلى ذلك وأمر بغض البصر عند دخول الأسواق وغيرها من المجامع التي فيها مظنة النظر إلى ما حرم الله أو شيء من انكشاف العورات. ونحن اليوم ما أحوجنا إلى غض البصر أمام هذا الكم الهائل من الأجساد التي تعرت عما أوجب الله ستره والتي كشفت بقصير أو ضيق أو شفاف أو برقع فاتن أو نقاب واسع أو عيون قد غشاها الكحل ونحو ذلك من وسائل الفتنة!

بقلم: محمد صالح المنجد
273
الإطراق الأخير | مرابط
فكر مقالات

الإطراق الأخير


إنسان هذا العصر منهمك في دوامة الحياة اليوميةأصبح الواحد منا كأنه ترس في دالوب المهام والتفاصيل الصغيرة التي تستلمك منذ أن تستيقظ صباحا حتى تلقيك منهكا فوق سريرك في أواخر المساء دوام مضني ورسالة جوال ورسالة إيميل وتعليق فيسبوكي وخبر تويتري ومقطع يوتيوبي وتنقل بين الفضائيات وصراخ منبهات في طرق مكتظة وأعمال مؤجلة كلما تذكرتها قرصك الهم الخ الخ

بقلم: إبراهيم السكران
785
الارتباط بالله | مرابط
فكر مقالات اقتباسات وقطوف

الارتباط بالله


قد تظل الأمة سليمة من الظاهر- جيلا أو جيلين أو ثلاثة بينما التحلل الخلقي يسري في كيانها خفيا كالسوس فيتعذر على الشخص العادي أو الشخص المنجرف بطبعه وراء اللذات أن يصدق أن تحلله هو وهو فرد واحد- أو أن الجريمة العابرة التي يرتكبها خلسة في الظلام يمكن أن تؤثر في خط سير المجتمع وتؤدي إلى انهياره

بقلم: محمد قطب
2656
بالمساواة يتحقق العدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

بالمساواة يتحقق العدل


المساواة هي الشعار البراق اللامع الذي يرفعه الكثير من الناس ويقدمونها كأنها قيمة مثالية عليا متى تحققت صلح الواقع وبالتالي فلا يحق لأحد معارضتها أو إنكارها ولكن الحقيقة أن هذا الشعار البراق هو محض وهم فالمساواة ليست دائما حسنة ومن هنا يقف بنا المقال عند قيمة العدل وقيمة المساواة للتفريق بينهما وفهم ميدان عمل كل واحد منهما

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2144