طلب المرأة المساواة

طلب المرأة المساواة | مرابط

الكاتب: عباس محمود العقاد

2244 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 فالإغضاء عن كل هذه الفوارق والذهاب إلى المساواة بين الرجل والمرأة بعد وضوح قصورها عنه وظهور نقصها بالقياس عليه، عبثٌ لا موجب له ولا يفيد.

دخل القرن الثامن عشر في أوروبا فرفع حواجز الطبقات، ونزع حوائل الهيئات، فصار الناس سواء في نظر الشريعة، وإن لم يكونوا كذلك في نظر الطبيعة. وانطلقوا يتبارون كما يتبارى الْأَكْفَاءُ، فبعد أن كان لكل طبقة زي تُعرف به، غدونا لا نميز بين أقدار الناس باختلاف أزيائهم أو تشابُه بزاتهم. وكانت المرأة بما جُبِلَتْ عليه من خليقة الغيرة أول من خطا إلى هذا المضمار، فشاقتها الزينة، وراح أدنى النساء يقلدن اعلاهن في التبرُّج والتأنُّق واقتناء المجمِّلات والمحسِّنات.

والمرأة لا ينقصها الاقتناع بوجوب اقتنائها كل ما يتمم حسنها ويجلو رونقها، فإذا قصر الرجل في إيتائها بهذه المطالب فهي في شرع الهوى بريئة من عدمه. خير لها أن تلتمس تلك النفائس والتحف عند من يحبوها إياها وهو قرير العين طيب الخاطر، فاستبيحت الأعراض، وتراخت ثقة الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وصدف الناس عن الزواج إلا القادرين الآمنين، وهم قليلون.

وجاء هذا على أثر عهدٍ فشا فيه فساد أبناء الطبقات العليا وبناتها، واتصل منها بغيرها من الطبقات، فرنق ماء حيائهم وأوهن من حفاظهم وعفافهم.

ثم تحول في ذلك القرن وجه المسألة الاقتصاية، واشتد التكالب على الأرزاق، وضاق الخناق، وأخذ الناس بالحُجزات والأطواق، فأصبح أجر العامل لا يفي بأكثر من قوته وحاجته ومأواه، فضلًا عن أن يمون به سواه، فزاد ذلك في إحجام الرجال عن الزواج، وقلَّل شيئًا فشيئًا من عدد المتزوجين والمتزوجات.

كان من هذا وذاك أن كثر بين النساء المنقطعات اللائي لا محيص لهن عن السعي لأنفسهن. فطرقن أبواب الأعمال يزاحمن عليها الرجال. ثم رأين أنه قد آن أن يساوين الرجل في الحقوق وقد حمَّلن أنفسهن واجباته ونزلن معه في هذا المجال. فصِحْن يطلبن تلك المساواة الصورية التي نالها قبلهن نساء الطبقة العليا، بحكم ثروتهن والبيئة التي هن فيها، لا بالعلم أو مساواة الرجل في القدرة والفهم.

على أن من تبين ضعف المرأة، ثم ما وُهِبَتْهُ من جمال الظاهر، ورأى كيف تحتال به على مطالبها، وتستخدمه في مآربها، وأنها لا تعدل به شيئًا من مفاخر الحياة، ولو أوتيت العلم والحكمة، أو رُزِقت الملك والعظمة؛ علم أنه حل منها محل القوة من الرجل، وأنها إنما وُهِبَتْهُ ليكون سلاحها الذي تحفظ به حياتها في هذا الوجود، لئن صدئ في هذه الأيام إفرنده، أو تثلَّم حده، فأولى بها أن تعمد إلى صقله وشحذه، من أن تصول بسلاح سواه، لا يدفع عنها أذى، ولا يرد من مصاوليها أحدًا.

وليس إلا غرورًا كالغرور الذي لا نصادف مثله في غير بنت حواء، يزين لها أن تقول للرجل:

أنا ربة الجمال، وصاحبة القوة فوق الجمال. أسعى سعيك وأدأب دأبك. وليس هذا كل ما عندي. بل إنك لتعمل ولا عائق لك يثنيك عمَّا أنت آخِذ فيه. أما أنا فأعمل كما تعمل، في حين أنهض بأعمال الحمل والوضع والحضانة والتربية، فأغالب عَامِلَيِ التعب والألم، وأنت تنوء بواحد منهما. ولا أراني قانعة بأن أكون مثلك، بل إني لَأَصْلَبُ منك عودًا وأشد جَلَدًا، وأجمل منظرًا وأحد ذكاء و… و…

ولا ندري بعد هذه الدعوة، أتتجاوز المرأة عمَّا فرضته على الرجال من واجب احترام الضعف فيها، أم تتقاضاهم بعده واجب احترام السيادة والسلطان؟ إن الرجل والمرأة صِنوان خُلِقَا ليعيشا معًا. ولا بد لأحدهما من ميزة على الآخر ينتظم بها أمر المعيشة بينهما. فمن تُرى يكون صاحب الميزة منهما؟


المصدر:

  1. عباس محمود العقاد، الإنسان الثاني، ص 19
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#عباس-العقاد
اقرأ أيضا
طريقة مخالفي الرسل | مرابط
اقتباسات وقطوف

طريقة مخالفي الرسل


وقد علم بالاضطرار أن الوجود لا بد له من موجد واجب بذاته غني عما سواه قديم أزلي لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم فوصفوه بما يمتنع وجوده فضلا عن الوجوب أو الوجود أو القدم وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم فوصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
817
وبدأ الانحراف يسبل إزاره | مرابط
مقالات

وبدأ الانحراف يسبل إزاره


وإذا رأى متدبر القرآن -أيضا- ما في القرآن من عناية شديدة بالتحفظ في العلاقة بين الجنسين كوضع السواتر بين الجنسين كما في قوله وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب الأحزاب من الآية:53 وحثه المؤمنات على الجلوس في البيت وقرن في بيوتكن الأحزاب من الآية:33 ونهيه عن تلطف المرأة في العبارة فلا تخضعن بالقول الأحزاب من الآية:32 ونهيه عن أي حركة ينبني عليها إحساس الرجل بشيء من زينة المرأة ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن النور من الآية:31 ونحو ذلك.

بقلم: إبراهيم السكران
669
الكلام الممدوح والمذموم عند ابن تيمية | مرابط
أبحاث

الكلام الممدوح والمذموم عند ابن تيمية


يقول ابن تيمية: والسلف لم يذموا جنس الكلام فإن كل آدمي يتكلم...فالكلام الذي ذمه السلف هو الكلام الباطل وهو المخالف للشرع والعقل. تأمل قوله كل آدمي يتكلم لتعلم أنه أراد التفريق بين مطلق الكلام وبين الكلام بالمعنى الاصطلاحي.فلا تفهم أنه أراد أن الكلام بالمعنى الاصطلاحي ليس كله مذموم بل أراد أن الكلام بالمعنى الاصطلاحي نوع يدخل هو وغيره في جنس أعم فكل آدمي يتكلم وليس كل كلام في هذا الجنس الأعم مذموم بل الذم متنزل على نوع من الكلام علم الكلام.

بقلم: ناصر آل متعب
1469
الإسلام دين لا يعرف الكهانة | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام دين لا يعرف الكهانة


الدين الإسلامي دين لا يعرف الكهانة ولا يتوسط فيه السدنة والأحبار بين المخلوق والخالق ولا يفرض على الإنسان قربانا يسعى به إلى المحراب بشفاعة من ولي متسلط أو صاحب قداسة مطاعة فلا ترجمان فيه بين الله وعباده يملك التحريم والتحليل ويقضي بالحرمان أو بالنجاة

بقلم: العقاد
744
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج3 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج3


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
734
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم


مقتطف ماتع من كتاب شفاء العليل لابن قيم الجوزية يعلق فيه على قول الله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ويبين لنا كيف أن من عقاب السيئة السيئة بعدها ومن ثواب الحسنة الحسنة بعدها ويضرب مثلا بقصة إبليس وإعراضه عن أمر ربه وكيف كانت عقوبته

بقلم: ابن القيم
1306