قضية اللغة العربية الجزء الأول

قضية اللغة العربية الجزء الأول | مرابط

الكاتب: محمود شاكر

2059 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

*اللغة لست عِلمًا .. بل هي شيء فوق العلم
*لغتنا في خطر داهم .. ونحن أيضًا

 

تفاصيل المؤتمر

 

دعت كلية الآداب بجامعة الإسكندرية إلى عقد مؤتمر للغة العربية، تم عقده في 30 صفر إلى 4 ربيع الأول سنة 1402 هـ "26 - 30 ديسمبر سنة 1981 م". اشترك في هذا المؤتمر نحو من ستين عضوا، يمثلون تسع عشرة كلية، تنتمي إلى عشر جامعات مصرية، وسبع جامعات عربية من السودان والسعودية ولبنان، ومعهم غيرهم من أساتذة العربية في مصر وغيرها من البلاد العربية. وكان مقرر المؤتمر الدكتور محمد مصطفى هدارة، وكيل كلية الآداب للدراسات العليا والبحوث. عدد ضخم، ولولا ما نحن فيه اليوم، لتضاعف العدد تضاعفا يذهل ويخيف!

 

تناول المؤتمر قضية ضعف العربية على ألسنة أبنائها، من أول نشأة الطفل في بيت أمه وأبيه، ثم في المرحلتين الإبتدائية والثانوية، إلى أن ينتهي من دراسته الجامعية شابا، أو رجلا على الأصح، في نحو الخامسة والعشرين من عمره، ثم يلتحق بهيئة التدريس الجامعية، أو غيرها من الهيئات والأعمال.

 

قدم أساتذة المؤتمر أربعة وأربعين بحثا .. درست في المؤتمر العام، ثم في لجانه الخمس المتخصصة، وتخللتها مناقشات طويلة كثيرة دارت بين أعضاء المؤتمر نفسه. منذ أول يوم في المؤتمر، كانت الصورة قاتمة جدًّا، ومفزعة جدًّا، وظلت كذلك حتى صدرت توصياته تحمل نذير الخطر، وتتلمس في الظلام الدامس سبيلا إلى النجاة منه. ويكفي أن تلم بمجمل الوصايا الخمس، بأبوابها الثمانية والأربعين، حتى تدرك فداحة الخطر الذي يهدد العربية، وأبناء هذا اللسان العربي:

 

فالأولى، تتعلق بمرحلة التعليم قبل الجامعي، وفيها سبعة أبواب. والثانية، تتعلق بالمناهج وطرق التدريس في الجامعة، وهي أحد عشر بابا. والثالثة، تتعلق بتكوين الطالب الجامعي، وهي سبعة أبواب. والرابعة، تتعلق بتكوين المدرس الجامعي المتخصص، وهي ثلاثه أبواب. والخامسة، وهي أخطرهن، تتضمن وصايا جامعة شاملة لكل ما في حياتنا، وهي عشرون بابا.

 

إحساس غامض مبهم ممزق، ولكنه عميق مزلزل، أستشفه من وراء هذا المؤتمر، ومن تحت أكثر ما أقرؤه أحيانا في الصحف والمجلات والكتب، وما أسمعه في الإذاعات والمجالس. إحساس يرتجف ذعرا بما أصاب العربية اليوم على ألسنة أبنائها من الضعف والخلل والتفكك.

 

العربية في خطر داهم

 

"العربية في خطر داهم"، حقيقة واقعة .. نعم. ولكنها جزء يسير من الحقيقة المفزعة الكبرى. لأن الخطر الذي يحيط بالعربية، لا يحيط بها منفصلة عن أصحابها، أصحاب اللسان العربي نفسه وراثة وانتماء، ثم هو لا يحيط بأصحاب اللسان العربي، منفصلا عن حاضرهم، ولا عن مستقبلهم في هذه الدنيا الواسعة المتصارعة، ولا عن تاريخهم العريق الغائر في أغمض الآباد المتقادمة على طول القرون ولا عن حضاراتهم الغابرة والباقية التي بسطوها على أوسع رقعة من الأرض، من أقصى المغرب غربا، إلى جوف الصين شرقا، ومن قلب أوروبا شمالا إلى أطراف القارتين الإفريقية والآسيوية جنوبا، واستقرت فيها عشرات من القرون، تضئ ثم تكمن ثم تضئ.

 

"العربية في خطر داهم"، جزء يسير من الحقيقة المفزعة الكبرى، ولكنه الجزء المهدد الذي ينهار البناء كله بانهياره فإذا انهار، أصبح الحاضر كله، والمستقبل كله، ركاما وأطلالًا وملاعب يستبيحها من يشاء بما يشاء كما يشاء.

 

ومع أن هذا هو ما تجده مستكنا في صريح الدعوة إلى هذا المؤتمر وفي وصاياه، فإنه انعقد أياما ثم انفض، وتلقته بعض أجهزة الإعلام خبرا ضئيلا ينشر ثم يطوى، وكأنه كان لغوًا لا يحرك ساكنًا، ولا يثير أحدا، ولا ينذر بخطر، ولا يستحق أن ينال أسطرا قلائل من الآلاف المؤلفة من الأسطر التي تحوزها مشاكل الاقتصاد والإسكان والمرور، أو كرة القدم على الأقل. وهذا وحده نذير بشرّ لا يعلم إلَّا الله مداه.

 

أمر محزن أن تبلغ الاستهانة بشأن اللغة هذا المبلغ. موقف لا مثيل له في تاريخ أمم العالم، لأنه يخالف طبيعة الإنسان الذي ميزه الله من سائر خلقه باللغة والبيان، في قصة طويلة معقدة، منذ دب على الأرض أبونا آدم، عليه السلام، وتكاثر أبناؤه حتى عمروا وجه الأرض، واختلفت ألسنتهم وألوانهم، وصاروا شعوبا وقبائل وأممًا تتعارف وتتناكر على مر آلاف مؤلفة من السنين.

 

ضعف في اللغة يستشرى جيلا بعد جيل، واستهانة بما يصيب اللغة تتفاقم جيلا بعد جيل. موقف فريد مناقض للطبيعة، تقفه أمة العرب ومن ينتمون إليهم بالدين الواحد والحضارة الواحدة، أو باللسان الواحد والحضارة الواحدة وإن خالفوهم في الدين. كيف تم هذا كله؟ لابد من تفسير لما حدث كيف حدث، وإلاّ فلا علاج لعلة لا يعرف الطبيب أسبابها ولا نشأتها ولا تاريخها، وكفى بالطبيب جهلًا أن يعالج أعراض الداء، والداء في مكمنه حي طليق مسيطر مستبد.

 


 

المصدر:

  1. محمود محمد شاكر، جمهورة المقالات، ص1196
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الاختلاط.. وأهل الاختلاط | مرابط
مقالات أبحاث المرأة

الاختلاط.. وأهل الاختلاط


ويكفي المنصف أنه لا يعلم عالم على مر قرون الإسلام الخمسة عشر قال بجواز الاختلاط في المجالس والتعليم وكنت طالبا للإنصاف وتحصل لي أكثر من مائة عالم وفقيه عبر تلك القرون يقطعون بعدم الترخيص فيه بل رأيت منهم من يسقط عدالة فاعله

بقلم: عبد العزيز الطريفي
297
المجتمعات الافتراضية والانفصال عن الواقع | مرابط
اقتباسات وقطوف

المجتمعات الافتراضية والانفصال عن الواقع


مقتطف من كتاب المجتمعات الافتراضية بديلا عن الاقعية للكاتب بهاء الدين مزيد يوضح فيه كيف تؤدي المجتمعات الافتراضية أو مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك إلى انخلاع جذور الناس من العالم الواقعي تماما وكيف تحدث الازدواجية بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي

بقلم: بهاء الدين مزيد
574
حقوق المال في الإسلام | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

حقوق المال في الإسلام


وضح لنا ديننا الواجبات المالية توضيحا تاما مجملا ومفصلا فأمرنا بأداء الحقوق المالية والإنفاق مما رزق الله وأثنى على القائمين بها وذم المانعين لها أو لبعضها وفصل ذلك فذكر الأموال التي تجب فيها الزكاة من الحبوب والثمار والمواشي والعروض والنقود وذكر شروطها ونصبها ومقدار الواجب منها ولمن تدفع للمصالح المحتاج إليها وللمحتاجين

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1193
تدمير الحضارة سنة الغزاة | مرابط
تاريخ

تدمير الحضارة سنة الغزاة


بينما كان فريق من التتار يعمل على قتل مسلمي بغداد وسفك دمائهم اتجه فريق آخر من التتار لعمل إجرامي آخر عمل ليس له مسوغ إلا أن التتار قد أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري في بلاد المسلمين لقد شعر التتار بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم الديني منها والدنيوي

بقلم: د راغب السرجاني
481
المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج2 | مرابط
تفريغات

المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج2


أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقدر إيمانا كاملا مفصلا وعقيدتهم في الإيمان بالقدر عقيدة واضحة وبينة وهم ينهون ويأمرون بالإمساك عن مسائل القدر إذا كان الخوض فيها بغير منهاج الشرع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب وقال: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم وهذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح

بقلم: عبد الرحيم السلمي
445
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الأول ج2 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الأول ج2


الأساس الأول الذي بنيت عليه أمة الإسلام والذي بنيت عليه الأمم الأخرى في زماننا وفي الأزمان السابقة هو أساس العلم وبغيره لا تقوم أمة ونتميز نحن المسلمين بأن عندنا العلم الحياتي نعظمه ونجله وكذلك العلم الشرعي الذي أوحى به ربنا سبحانه وتعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ونزل في كتاب الله عز وجل وفي سنة حبيبنا صلى الله عليه وسلم فهذا تفتقده الأمم الأخرى فتجد معايير الأخلاق والعقيدة والآداب عندهم مختلة بينما عندنا صحيحة فنحن نتساوى معهم في العلوم الحياتية إن أردنا لكننا نسبقهم وبمراحل لا مقارنة ب...

بقلم: د راغب السرجاني
674