نورُ الطريق يظهر عند أول خطوة تسلُكها..
والله لا أستطيع إحصاء الرسائل التي تأتيني يوميا:
كيف أبدأ في حفظ القرآن، ولماذا، ومتى، وأين، ومع مَن؟
كيف أبدأ في طلب العلم؟ ما المراحل والخُطط والكتب والطبعات وكيف أدرس وأحفظ وأُراجِع؟
كيف أبدأ في الرياضة.. كيف أُنقص وزني؟
كيف أربي أولادي ومتى وأين؟
يسألون عن كل تفصيلية، كل مرحلة، كل عائق، كل وسيلة.. ويُكررون السؤال، فإن انتهينا من (سلسلة الأسئلة) يبدأ في طرح إشكالات: فإن حصل كذا.. فماذا؟ ولو كذا فماذا؟ كل ذلك دون أن يبدأ فعليًا، قبل أن يخطو خطوة.. و أعرف كثيرا جدا من الشباب منذ سنواتٍ لم يسألوا في [داخل العلم] ومسائله، بل يكتفون بالسؤال [من الخارج] ((عن العلم وخُططه وبرامجه ومراحله وكتبه ونُسخه .. وكيف أبدأ، وكيف أستمر ..))
يريد قبل أن يبدأ خطة شافية كافية تامّة تأخذه من المَهد إلى اللّحد ! ولا يدري أن كل إنسانٍ إنما يكتب خُطتَه لنفسه بيده حينما يبدأ فعليًا في العمل على الأرض بعد طريقٍ من العمل والتجربة والسعي والصواب والخطأ
باختصار: من ينوي العملَ تكفيه إشارة وتوجيه لينطلق ثم يعرف التفاصيل شيئا فشيئا بقدر ما يحتاجه في كل مرحلة، وكلُّ طريق يسلكه يُسلّمُ لما بعده تلقائيا، ومن يُماطِل فلن تكفيه خُطط الدُّنيا لأنه ((مُماطِل)) وهذا هو عملُه، وسيبقى يخترع حُججا لعدم البدء: إما ضعف التصور أو ضعف الأدوات أو قلة الإمكانات أو عدم الجو المناسب إلى أن ينتهي عمره وهو ما يزالُ يُخطط!
ابدأ واستعن بالله
ويكفي أنك تسعى، يكفي أنك مشغولٌ عن الشرّ وسيظهرُ لك نُور الطريق عندما تبدأ في السَّير فيه، وهذا ما عِشتُه بنفسي:
كم مرةً أكون في موقفٍ (أريد أُلقي كلمةً أو نصيحةً أو درسًا أو دورةً أو أمرًا بمعروف أو الصلاة بسورة طويلة بالناس في التراويح) ويُصيبني خوفٌ، وتردّدٌ، وقلقٌ وتُحدّثني نفسي كثيرا بعدم الإقدام، وأختلاق الأعذار للهروب، وتُخوِّفُني من الخطأ والإخفاق= ومَا أن أكسر حاجز القلق باسم الله والدّعاء والفقر إليه من كل وجهٍ إلا وينطلق لساني وبدني في العمل بما لم أكن أتصور من الفتح
ثم يكون ذلك العملُ بوابةً لسلسلة أعمال لم تكن تخطر على بالي، ولم يكُن عندي أدواتُها فتجتمع شيئا فشيئا.
فعلمتُ:
- أن نورَ الطريق يظهر عند أول خطوة تسلُكها
- وأن أعظم ما تجنيه من الإقدام كسرُ الحاجز الوهمي الذي يمنعك من ظهور قدراتِك، ويحبس مواهبَك ويُعطّل إمكاناتك
- وأن الخَيرَ الذي تشرعُ فيه هو بوابةٌ لخيرٍ جديد
- وأن أسوأ احتمالات الإقدام خيرٌ ألف مرة من راحةِ الهروب من المسؤولية
- وأن النفس إنْ رأتْ مِنك الجِدَّ طاوَعتْك، وإن تهاونتَ معها فهي أمّارةٌ بالسوء
- وأنّ إرادةً تتعثّرُ في طريق الخير أفضلُ من عزيمةٍ استحكمتْ في الرجوع عنه
- وأنّ الله يزيدُ الذين اهتدوا هدى