إن من أهم ما يوقف الناظر المتأمل على محاسن الإسلام وجماله وبهائه وتميزه؛ هو النظر في البراهين المثبتة لصحته ومقارنتها ببراهين أي فكرة أخرى على وجه الأرض؛ إن دين الإسلام قد جاء مبرهنا على صحة كل أصوله ببراهين قوية متعددة متنوعة، وهذا ما لا تجده في أي دين آخر، ولا في أي توجه أو تيار أو مذهب أو طائفة.
فاسلك ما شئت من سبل البحث عن براهين صحة سائر الأديان وانظر إلى أصولها ومدى استقامة الدليل على إثباتها، ثم اعمل مثل ذلك في الإسلام، فلن تجد أي عناء في الحكم بترجيح الإسلام على ما سواه.
وإذا أردنا أن نحدد قضية من أصول القضايا الدينية لتكون مثالا للكلام السابق، فلننظر إلى قضية إثبات صحة الكتب السماوية، ففي الإسلام نجد أن البراهين التي يثبت بها علماء المسلمين صحة نسبة القرآن -من جهة البلاغ- إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وصحة نسبته -من جهة المصدر- إلى الله تعالى تفوق الحصر وتعيي العادين، بل إنك تجد في النوع الواحد من الأدلة المثبتة لصحة القرآن مؤلفات كثيرة وتحريرات بديعة وبراهين قاطعة، مثل ما كتبه العلماء المتقدمون في باب إعجاز القرآن كالخطابي والجرجاني والباقلاني وغيرهم كثير، بل لو لم يكن في ذلك إلا كتاب النبإ العظيم لمحمد عبد الله دراز لكفى، مع العلم بأن باب الإعجاز القرآني ليس إلا بابا واحدا من أبواب الاستدلال على صحة القرآن الكريم، وكذلك الأمر في المؤلفات التي كتبت في حفظه وجمعه وتواتره وقرائه ونقلته.
وإذا قارنت ذلك بأشهر كتاب سماوي آخر، وهو ما يعرف بالكتاب المقدس فستجد مفارقة عظيمة في إثبات النص الأصلي وحفظه.
وكذلك لو انتقلت إلى الإطار اللاديني فإنك إذا نظرت إلى البراهين التي يستدلون بها على صحة أصولهم فستجد إفلاسا عجيبا؛ فإن غاية ما لديهم في باب الإثبات نظريات مختلفة متضاربة لا تكاد تثبت على شيء محدد، وجمهور عملهم إنما هو متوجه إلى باب النفي وهدم معتقدات الآخرين، ببث الشبهات والإشكالات والاعتراضات، وأما المنظومة الإثباتية فهي هشة، وكثير من الملحدين أصلا ليس لديهم إثبات، بل غاية ما لديهم النفي، فهم يتغذون على الشبهات، ودينهم إذا لم يأكل من رمم الشبهات فإنه لا يمكن أن يكون شيئا مذكورا.
والحاصل أن هذه القضية المنهجية من أبرز محاسن الإسلام الكبرى التي تثبت صحته، وإذا ثبتت صحته فيمكننا أن نثبت محاسنه التفصيلية من نصوصه وأخباره.
المصدر:
أحمد بن يوسف السيد، محاسن الإسلام: نظرات منهجية، ص27