مختصر قصة التتار الجزء الثاني

مختصر قصة التتار الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: موقع قصة الإسلام

1305 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

جلال الدين والعدة لقتال التتار

وبتدمير إقليمي خراسان وخوارزم يكون التتار قد سيطروا على المناطق الشمالية ومناطق الوسط من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم إلى الغرب إلى قريب من نهاية هذه الدولة (على حدود العراق)، ولكنهم لم يقتربوا بعدُ من جنوب دولة خوارزم. وجنوب دولة خوارزم كانت تحت سيطرة جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه، وهو ابن محمد بن خوارزم الذي فرَّ منذ شهور قليلة أمام التتار، وهرب إلى جزيرة ببحر قزوين حيث مات هناك.

بدأ جلال الدين يُعِدُّ العدة لقتال التتار، وجمع جيشًا كبيرًا من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين اسمه (سيف الدين بغراق)، وكان شجاعًا مقدامًا، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل، ثم انضم إليه أيضًا ستون ألفًا من الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة في وسط وشمال دولة خوارزم بعد سقوطها. كما انضم إليه أيضًا (ملك خان) أمير مدينة هراة بفرقة من جيشه، وذلك بعد أن أسقط جنكيزخان مدينته، وبذلك بلغ جيش جلال الدين عددًا كبيرًا، ثم خرج جلال الدين بجيشه إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى (بلق)، وهي منطقة وعرة وسط الجبال العظيمة، وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، ثم جاء جيش التتار!

دارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة، وقاتل المسلمون قتال المستميت؛ فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك لها. وكان لحميَّة المسلمين وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية للمنطقة، وكثرة أعداد المسلمين، وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق، والقيادة الميدانية لجلال الدين، كان لكل ذلك أثر واضح في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار.

واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام، ثم أنزل الله U نصره على المسلمين، وانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين!! وكثر فيهم القتل، وفرَّ الباقون منهم إلى ملكهم جنكيزخان، الذي كان يتمركز في (الطالقان) في شمال شرق أفغانستان[1].

وارتفعت معنويات المسلمين إلى السماء؛ فقد وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يُهزمون، ولكن ها هو اتحاد الجيوش الإسلامية في (غزنة) يؤتي ثماره؛ لقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم شاه، مع الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق، مع ملك خان أمير هراة، واختار المسلمون مكانًا مناسبًا، وأخذوا بالأسباب المتاحة، فكان النصر.

واطمأن جلال الدين إلى جيشه، فأرسل إلى جنكيزخان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، وشعر

جنكيزخان بالقلق لأول مرة، فجهَّز جيشًا أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيش المسلم، والتقى الجيشان في مدينة (كابول) الأفغانية[2]. ومدينة كابول مدينة إسلامية حصينة تحاط من كل جهاتها تقريبًا بالجبال؛ فشمالها جبال هندوكوش الشاهقة، وغربها جبال باروبا ميزوس، وجنوبها وشرقها جبال سليمان.

ودارت موقعة كابول الكبيرة، وكان القتال عنيفًا جدًّا، أشد ضراوة من موقعة غزنة، وثبت المسلمون، وحققوا نصرًا غاليًا على التتار، بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار.

وفوق ارتفاع المعنويات، وقتل عدد كبير من جنود التتار، وإنقاذ الأسرى المسلمين، فقد أخذ المسلمون غنائم كثيرة نفيسة من جيش التتار.

كانت هذه الغنائم وبالاً على الجيش المسلم؛ روى البخارى ومسلم عن عمرو بن عوف t قال: قال رسول الله r: "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"[3].

 

فتنة المال.. وهلاك المسلمين: لقد وقع المسلمون في الفتنة!!

قام سيف الدين بغراق أمير الترك، وقام أمير آخر هو ملك خان أمير مدينة هراة، قام كل منهما يطلب نصيبه في الغنائم، فحدث الاختلاف، وارتفعت الأصوات، ثم بعد ذلك ارتفعت السيوف!! وسقط من المسلمين قتلى على أيدي المسلمين، وكان ممن سقط أخٌ لسيف الدين بغراق، فغضب سيف الدين بغراق وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه الثلاثون ألف مقاتل الذين كانوا تحت قيادته!! وحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين، وأصرَّ سيف الدين بغراق على الانسحاب، فاستعطفه جلال الدين بكل طريق، وسار بنفسه إليه وذكَّره بالجهاد، وخوَّفه من الله تعالى، لكن سيف الدين بغراق لم يتذكر وانسحب بجيشه فعلاً! [4].

وانكسر جيش المسلمين انكسارًا هائلاً، لقد انكسر ماديًّا، وكذلك انكسر معنويًّا!!

ولم يفلح المسلمون في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في غزنة وكابول. وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيزخان بنفسه على رأس جيوشه ليرى هذا المسلم الذي انتصر عليه مرتين، ودبَّ الرعب والهلع في جيش المسلمين؛ فقد قلَّت أعدادهم، وتحطمت معنوياتهم، ورأى جلال الدين أن جيشه قد ضعف جدًّا، فماذا فعل؟!

لقد أخذ جيشه وبدأ يتجه جنوبًا للهروب من جيش جنكيزخان، أو على الأقل لتجنُّب الحرب في هذه الظروف، ولكن جنكيزخان كان مصرًّا على اللقاء، فأسرع خلف جلال الدين!! وبدأ جلال الدين يفعل مثلما فعل أبوه من قبل!! لقد بدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة متوجهًا إلى الجنوب، حتى وصل إلى حدود باكستان الآن فاخترقها، ثم تعمق أكثر حتى اخترق كل باكستان، ووصل إلى نهر السند الذي يفصل في ذلك الوقت بين باكستان وبين الهند، فأراد جلال الدين أن يعبر بجيشه نهر السند ليفر إلى الهند، مع أن علاقاته مع ملوك الهند المسلمين لم تكن على ما يرام، ولكنه وجد ذلك أفضل من لقاء جنكيزخان!!

وعند نهر السند فُوجئ جلال الدين وجيشه بعدم وجود السفن لنقلهم عبر النهر الواسع إلى الناحية الأخرى، فطلبوا سفنًا من مكان بعيد، وبينما هم ينتظرون السفن إذ طلع عليهم جيش جنكيزخان! ولم يكن هناك بدٌّ من القتال؛ فنهر السند من خلفهم، وجنكيزخان من أمامهم، ودارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة، حتى إن المشاهدين لها قالوا: إن كل ما مضى من الحروب كان لعبًا بالنسبة إلى هذا القتال[5]. واستمر اللقاء الدامي ثلاثة أيام متصلة، واستحرَّ القتل في الفريقين، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير ملك خان، الذي كان قد تصارع من قبل مع سيف الدين بغراق على الغنائم، وها هو لم يظفر من الدنيا بشيء، بل ها هي الدنيا قد قتلته، ولم يتجاوز لحظة موته بدقيقة واحدة. ولكن شتَّان بين مَن يموت وهو ناصر للمسلمين بكل طاقته، ومن يموت وقد تسبب بصراعه في فتنة أدت إلى هزيمةٍ مُرَّة.

وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل، وبدأ كل طرف يعيد حساباته، ويرتِّب أوراقه، ويضمد جراحه، ويُعِدُّ عدته، وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة جاءت السفن إلى نهر السند، ولم يضيِّع جلال الدين الوقت في تفكير طويل، بل أخذ القرار السريع الحاسم وهو (الهروب)!! وقفز الزعيم المسلم إلى السفينة، ومعه خاصته ومقربوه، وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند، وتركوا التتار على الناحية الغربية من نهر السند؛ فانقلب جنكيزخان على بلاد المسلمين يصبُّ عليها جام غضبه، ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر. وكانت أشد المدن معاناة هي مدينة غزنة، التي انتصر عندها المسلمون منذ أيام أو أشهر عندما كانوا متحدين، دخل جنكيزخان المدينة الكبيرة، عاصمة جلال الدين بن خوارزم فقتل كل رجالها بلا استثناء، وسبى كل الحريم بلا استثناء، وأحرق كل الديار بلا استثناء!! وتركها -كما يقول ابن الأثير- خاوية على عروشها، كأن لم تغن بالأمس[6]!!

ويجدر بالذكر أن نشير إلى أنه في جملة الذين أمسك بهم جنكيزخان من أهل المدن كان أطفال جلال الدين بن خوارزم، وقد أمر جنكيزخان بذبحهم جميعًا. وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه. روى البيهقي بسند صحيح رواته ثقات إلا أنه من مراسيل أبي قلابة رحمه الله، أن رسول الله r قال: "كُنْ كَمَا شِئْتَ، كَمَا تُدِينُ تُدَانُ"[7].

وبذلك حقق جنكيزخان حُلمًا غاليًا، ما كان يتوقع أن يكون بهذه السهولة، وهذا الحلم هو احتلال أفغانستان!!

وبذلك يكون التتار قد وصلوا من الصين إلى كازاخستان ثم أوزبكستان ثم التركمنستان ثم أفغانستان ثم إيران ثم أذربيجان ثم أرمينيا ثم جورجيا، وقد اقتربوا جدًّا من العراق، كل هذا في سنة واحدة!! في سنة 617هـ/ 1220م.

أما في عام 618هـ/ 1221م فقد دخل التتار مراغة، ثم فكَّروا في غزو مدينة (أربيل) في شمال العراق؛ فخشي الخليفة العباسي الناصر لدين الله أن يعدل التتار عن مدينة أربيل لطبيعتها الجبلية، فيتجهون إلى بغداد بدلاً منها؛ فبدأ يفيق من السبات العميق الذي أصابه في السنوات السابقة، وبدأ يستنفر الناس لملاقاة التتار في (أربيل) إذا وصلوا إليها، وأعلنت حالة الاستنفار العام في كل المدن العراقية، وبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهُّز.

ولكن الخليفة العباسي الناصر لدين الله لم يستطع أن يجمع إلا ثمانمائة رجل فقط!! لم يكن الناصر لدين الله خليفة، وإنما كان (صورة) خليفة، أو (شبح) خليفة. ولم يستطع قائد الجيش (مظفر الدين) طبعًا أن يلتقي بالتتار بهذا العدد الهزيل، فانسحب بالجيش، ومع ذلك -سبحان الله- فقد شعر التتار أن هذه خدعة، وأن هذه هي مقدمة العسكر، فليس من المعقول أن جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد على ثمانمائة جندي فقط؛ ولذلك قرروا تجنُّب المعركة وانسحبوا بجيوشهم.

لقد كان التتار يقدِّرون إمكانيات العراق بأكثر من الحقيقة بكثير، ومن ثَمَّ فقد آثروا ألا يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر، واستبدلوا بذلك ما يُعرف (بحرب الاستنزاف)، وذلك عن طريق توجيه ضربات خاطفة موجعة للعراق، وعن طريق الحصار الطويل المستمر، وأيضًا عن طريق عقد الأحلاف والاتفاقيات مع الدول والإمارات المجاورة لتسهيل الحرب ضد العراق في الوقت المناسب؛ لذلك فقد انسحب التتار بإرادتهم ليطول بذلك عمر العراق عدة سنوات أخرى.

وفي طريق الانسحاب قام التتار باجتياح همذان وأردويل، ثم اقتربوا من تبريز، وكان التتار قد رضوا سابقًا بالمال والثياب والدواب من صاحبها المخمور (أوزبك بن البهلوان)، ولم يدخلوها لأنهم جاءوا إليها في الشتاء القارس، أما الآن وقد تحسن الجو وصفت السماء، فلا مانع من خيانة العهود ونقض المواثيق. ولكنهم -في طريقهم إلى تبريز- علموا بأمر قد جدَّ على هذه البلدة، لقد رحل عنها صاحبها المخمور أوزبك بن البهلوان، وتولى قيادة البلاد رجل جديد هو شمس الدين الطغرائي، وكان رجلاً مجاهدًا يفقه دينه ودنياه، فقام رحمه الله يحمِّس الناس على الجهاد وعلى إعداد القوة، وقوَّى قلوبهم على الامتناع، وحذرهم عاقبة التخاذل والتواني، وعلمهم ما عرفوه نظريًّا ولم يطبقوه عمليًّا في حياتهم على الإطلاق: علمهم أن الإنسان لا يموت قبل ميعاده أبدًا، وأن المسلمين مهما تنازلوا للتتار فلن يتركوهم، إلا إذا احتمى المسلمون وراء سيوفهم ودروعهم، أما بغير قوة فلن يُحمى حق على وجه الأرض.

وتحركت الحميَّة في قلوب أهل تبريز، وقاموا مع قائدهم البارِّ يحصنِّون بلدهم، لقد تجهز القوم -وللمرة الأولى منذ زمن- للجهاد!!

وسمع التتار بأمر المدينة، وبحالة العصيان المدني فيها، وبحالة النفير العام، سمعوا بدعوة الجهاد، والتجهُّز للقتال، سمع التتار بكل ذلك، فماذا فعلوا؟ لقد أخذ التتار قرارًا عجيبًا!!

لقد قرروا عدم التعرض لتبريز، وعدم الدخول في قتال مع قوم قد رفعوا راية الجهاد في سبيل الله!! لقد ألقى الله الرعب في قلوب التتار -على كثرتهم- من أهل تبريز على قلتهم[8].

لقد نُصِر رسول الله r بالرعب مسيرة شهر، وكذلك يُنصر بالرعب كل من سار على طريقه r. فكانت هذه صورة مشرقة في وسط هذا الركام المظلم، ورحم الله شمس الدين الطغرائي الذي جدَّد الدين في هذه المدينة المسلمة (تبريز).

مرَّ التتار بمدينة البيلقان؛ فوضعوا فيها السيف في رمضان 618هـ/ 1221م، ثم اتجهوا إلى مدينة كنجة؛ فلجأ أهلها إلى سلاح الجهاد، واستعدوا له كما فعلت تبريز؛ فألقى الله U في قلوب التتار الرعب منهم؛ فتركوا البلد على حالها ورحلوا عنها، واتجهوا لغزو داغستان والشيشان، وقاموا كعادتهم بتدمير كل شيء في هذه البلاد، وقتلوا معظم من وجدوه في طريقهم، وكانت أشد المدن معاناة من التتار هي مدينة شَمَاخِي المسلمة (في داغستان الآن) [9].

مرت السنوات والجرئم التترية تزيد حتى جاءت سنة 622هـ/ 1225م، وفيها خفَّت قبضة التتار؛ فظهر من جديد جلال الدين بن خوارزم شاه، الذي ذهب يتحالف مع الأمير سعد الدين بن دكلا ضد أخيه غياث الدين بن خوارزم شاه!! [10].

وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس من جنوبه إلى الشمال محاربًا أخاه غياث الدين، حتى وصل إلى غرب إيران، وأصبح قريبًا من الخلافة العباسية. وكانت العلاقات القديمة بين مملكة خوارزم والخلافة العباسية متوترة جدًّا، ووجد جلال الدين في نفسه قوة، ووجد في الخلافة ضعفًا، فأعلن الحرب على الخلافة العباسية، هذا وجيوش التتار قابعة في شرق إيران!! ولا عجب؛ فقد كان جُلُّ الزعماء في تلك الآونة مصابين بالحول السياسي. ودخل جلال الدين بجيشه إلى البصرة، وحاصرها مدةَ شهرين، ثم تركها واتجه شمالاً ليمر قريبًا من بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وخاف الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه؛ فحصن المدينة وجهَّز الجيوش لدفع جلال الدين، ولكن لم يكتف بذلك بل ارتكب فعلاً شنيعًا مقززًا؛ إذ إنه أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين!! [11]  سبحان الله!!

لكن التتار كانوا مشغولين ببسط سيطرتهم في المناطق الشاسعة التي احتلوها، فلم يحدث بينهم وبين جلال الدين قتال إلا في أواخر سنة 622هـ/ 1225م، واستثمر جلال الدين هذه الفترة في بسط سيطرته على المناطق المحيطة ببغداد، ثم شمال العراق ثم منطقة شمال فارس، وبدأ يدخل في أذربيجان وما حولها من أقاليم إسلامية.

ثم بسط جلال الدين سيطرته على مملكة الكرج النصرانية بعد أن أوقع بهم هزيمة فادحة، واصطلح مع أخيه غياث الدين صلحًا مؤقتًا، وأدخله في جيشه، ولكن كان كل واحد منهما على حذر من الآخر[12].

وبذلك بلغ سلطان جلال الدين من جنوب فارس إلى الشمال الغربي لبحر قزوين، وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أنها مليئة بالقلاقل والاضطرابات، إضافةً إلى العداءات التي أورثها جلال الدين قلوب كل الأمراء في الأقاليم المحيطة بسلطانه بما فيهم الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وسياسة العداوات والمكائد والاضطرابات هي السياسة التي ورثها جلال الدين عن أبيه محمد بن خوارزم، وتحدثنا عنها من قبلُ، ولم تأت إلا بالويلات على الأمة، وليت المسلمين يفقهون.

وجاءت سنة 624هـ/ 1226م تحمل معها خبر موت جنكيزخان الطاغية الذي بنى خلال فترة حكمه مملكة واسعة من كوريا في الشرق إلى فارس في الغرب، بناها على جماجم البشر وأشلائهم، وخاصةً من المسلمين، وقد مات عن اثنين وسبعين عامًا[13].

وبموت جنكيزخان هدأت الأمور نسبيًّا في هذه المنطقة، واحتفظ التتار بما ملكوه من بلاد المسلمين

إلى وسط إيران تقريبًا، بينما كان جلال الدين يبسط سيطرته على المناطق الغربية من إيران والمناطق الغربية من بحر قزوين، وكأن كل طرف قد رضي بما يملك، وآثر الاحتفاظ بما يعتقد أنه حق له.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. ابن الأثير: الكامل 10/422.
  2. السابق نفسه، الصفحة نفسها.
  3. البخاري: كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها (6061)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق (2961)، والترمذي (2462)، وابن ماجه (3995).
  4. ابن الأثير: الكامل 10/422، 423.
  5. السابق نفسه 10/423.
  6. السابق نفسه، الصفحة نفسها.
  7. مصنف عبد الرازق، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ، 11/178، رقم الحديث (20262). قال الشيخ الألباني: ضعيف. انظر حديث رقم (2369) في ضعيف الجامع.
  8. ابن الأثير: الكامل 10/414، 415.
  9. السابق نفسه 10/415، 416.
  10. السابق نفسه 10/450، 451.
  11. د/مصطفى طه بدر: محنة الإسلام الكبرى ص67.
  12. ابن الأثير: الكامل 10/449، 450.
  13. د/فؤاد عبد المعطي الصياد: المغول في التاريخ، دار النهضة العربية، بيروت، 1980م، 1/136-138.

 

المصدر:

موقع قصة الإسلام

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التتار
اقرأ أيضا
من حياة عمر بن عبد العزيز ج1 | مرابط
تفريغات

من حياة عمر بن عبد العزيز ج1


ملأ الأرض عدلا بعد أن كادت تملأ جورا إيه يا عمر قد عشت عمرك زاهدا في كل ما جمع البشر أتعبت من سيجيء بعدك في الخلافة يا عمر بعد كل صلاة ينادي مناديه: أين الفقراء أين المحتاجون فيقدم لهم الطعام والأموال فلا والله ما تنساه البطون الجائعة ولا الأكباد الظمأى ما دام في الأرض بطن جائعة أو كبد ظمأى

بقلم: خالد الراشد
456
الإمبريالية النفسية | مرابط
فكر مقالات

الإمبريالية النفسية


الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية هي الرؤية المهيمنة على المجتمعات الغربية وعلى الإنسان الغربي في علاقته مع بقية أعضاء المجتمع أو مع أعضاء أسرته أو حتى مع نفسه فهو حينما يبني بيتا يخضعه تماما لعملية الترشيد المادية حيث يبنيه بهدف الإتجار فيه وتحقيق الربح ثم يتركه بعد بضع سنين وكأن المنزل والسلعة لا فرق بينهما وهو حين يدخل في علاقة مع أنثى لا يبحث عادة عن الطمأنينة وإنما يحاول تعظيم اللذة وتتحول العلاقة العاطفية إلى علاقة غزو وهو إنسان بسيط ذو بعد واحد دائم التنقل والترحال لتحقيق الربح و...

بقلم: عبد الوهاب المسيري
1213
ومن يعش عن ذكر الرحمن | مرابط
اقتباسات وقطوف

ومن يعش عن ذكر الرحمن


تفسير بديع لشيخ الإسلام ابن تيمية مقتطف من كتاب منهاج السنة لقول الله عز وجل ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين يوضح لنا معنى يعش وكيف أنها تتضمن معنى الإعراض وتوحي بوجود نظر يخالف حالة العمى التام ولكنه نظر ضعيف لا ينفع وهذا حال أهل الضلال

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2121
الديمقراطية في ميزان الإسلام | مرابط
فكر مقالات الديمقراطية

الديمقراطية في ميزان الإسلام


الديمقراطية هي في الأصل كلمة لاتينية مكونة من شقين وهما demos وتعني الحكم أو السلطة و kratos وتعني الشعب وبذلك فإن الديمقراطية هي حكم أو سلطة الشعب ويقصد بها حكم الشعب بواسطة الشعب أو من خلال اختيار الشعب لمن ينوب عنه في الحكم ويمكن القول بأن تداول كلمة الديمقراطية في أوروبا ازداد منذ القرن السابع عشر وخاصة في القرن الثامن عشر وذلك من خلال ازدهار الليبرالية السياسية أما بالنسبة للعرب فلم تدخل كلمة الديمقراطية اللغة العربية إلا من خلال الغرب في أواخر القرن التاسع عشر

بقلم: مجموعة كتاب
820
شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج2


هذه دراسة نقدية تبرز أهم الشبهات التي أثارها الحداثيون العرب حول تدوين السنة النبوية وما يتعلق به ولقد حاولت ذكر أبرز الشبهات المتداولة حديثا بين أوساط الحداثيين والعقلانيين وبينت بطلان هذه الشبهات معتمدا في ذلك على جملة من الأدلة العقلية والنقلية ومستعينا بأقوال جملة من أهل العلم ممن درسوا هذه الشبهات وبينوا زيفها متتبعين في ذلك سقطاتهم ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها والله الموفق والمستعان وعلى نبيه الصلاة السلام

بقلم: شنوف عبدالهادي
1721
فضائل سورتي الفلق والناس | مرابط
تفريغات

فضائل سورتي الفلق والناس


فمعلوم أن التعوذ هو الالتجاء وهو أيضا نوع من أنواع الرقية والدعاء فيكتفي الإنسان بذلك فتكون حينئذ رقية وتكون كذلك أيضا تعوذا من الجان وكذلك أيضا تعوذا من العين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان ويتعوذ من العين فلما نزلت اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما

بقلم: عبد العزيز الطريفي
3923