دين المؤتفكات: النسوية الجزء الأول

دين المؤتفكات: النسوية الجزء الأول | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

2651 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أول الأسس الخاصة، التي ساهمت في إظهار اللوطية مباشرة، هي النسوية Feminism، وهي مسمى عام لعقيدة وحركة أيديولوجية واجتماعية..

 

يمكن تلخيص أبرز اتجاهاتها في المعاني الآتية:

 

1- هي نظرية عامة عن طبيعة اضطهاد الرجال للنساء
2- وهي نظرية سياسية تهدف لتحرير النساء من استغلال الرجال
3- وهي حركة اجتماعية حداثية لتغيير ما يتعلق بأحوال النساء كافة، القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية
4- وهي أيديولوجيا معارضة لكافة الأشكال الفكرية والسلوكية لاضطهاد النساء ومعاداتهن (الميزوجينية)

 

مدارس النسوية

 

وللنسوية مدرستان كبيرتان، وعدة مدارس فرعية، الأولى هي النسوية الليبرالية، والثانية هي النسوية الراديكالية؛ والليبرالية منها هي الأقدم، إذ ترجع إلى نهايات القرن الثامن عشر، وقت البدايات الأولى، وكانت بالمجمل جزءا من حركة الاستنارة الليبرالية. وقد ظلت قضاياها الرئيسية هي تحقيق المساواة القانونية والسياسية مع الرجال، حتى منتصف القرن العشرين.

أما الثانية، الراديكالية، فقد اشتعلت أوراها في الستينيات، فيما يعرف بالموجة النسوية الثانية Penguins وهي جزء من الثورة الجنسية التي غمرت الغرب في ذلك الوقت، وعليه كانت أفكارها أكثر ثورية، وغضبا وتعصبا ضد الرجال. ولا يمكن القول بأن الفكر النسوي المعاصر ينتمي إلى الأولى القديمة، أكثر من الثانية الراديكالية المتعصبة.

ومأثم النسوية ووزرها الأكبر في قضية اللوطية، هو أنها فكّت ارتباط الهوية العضوية الجنسية، بالهوية المجتمعية، زاعمة أن التلازم بين هذه وتلك مصنوع مُخترع =إذ لا يلزم من وجود الأعضاء الأنثوية عند إنسان، أن يكون امرأة وسيدة، بما يحمله معنى امرأة من أفكار مسبقة مركبة عن وظيفتها ودورها الاجتماعي.

أنصت للنسوية أورسولا شوي وتدبّر قولها حين تصرخ بعبارتها الشهيرة:

 

نحن لا نولد إناثا، إنما نُجعل كذلك (شوي 1995)

 

إذن من الذي يصنع الهوية؟

 

سيفتقر فهمنا حينئذ إلى رحلة واجبة إلى غور التاريخ كي نفهم، إذ ترى النسوية المجتمع والتاريخ، في إطار الأس الأول، وهو التطور المجتمعي الشامل، على الصورة الآتية:

 

1- المجتمع مصنع هوياتنا، وهو مُشبّع بأفكار ممتدة من بداء البشرية ومفتتح الوجود الإنساني، إلى حاضرنا: ففي الأعصر الأولى لفجر تحول الإنسان من حيوان أعجمي إلى عاقل، كانت القوة البدنية هي معيار تنسيق التراتبية الاجتماعية، ولما كان الأقوى والأقدر على الصيد هو الرجل فقد قام بترتيب اجتماعي يسوّده ويجعله آمرا للكائن الأضعف، المرأة، التي شغلها برعاية الأطفال وأفسد طموحها بقصرها على الأعمال الداخلية كتجهيز مكان مبيته وتلبية شهواته.

وقد رضخت كرها المرأة، ﻷن الظروف البدائية القاسية لم تسمح لها بالمناوءة ومقارعة تلك الهيمنة وخلع نير الرق. إذن الرجل منذ مفتتح التاريخ والإنسانية لم يكن إلا مستبدا غاشما جائرًا، يستحدم توحشه وقوته العضلية لقمع المرأة المسكينة وقتل طموحاتها بتحقيق كينونة وهوية متميزة عنه ومستغنية.

 

2- لكن ذلك لم يكن أقبح ما صنع الرجل، بل ما أتى بعد ذلك أفحش: فقد عمم الذكور، ثم ورّثوا للنساء من بعدهم ذلك التنظيم المجتمعي، حيث لا تكون الأنثى فيه إلا مسترقة مهانة ذليلة، ومن هنا أصبحت هوية الذكور من الأطفال هي (رجال)، وأصبحت هوية الإناث (نساء). لتوضيح المعنى أكثر فإن الرجل مثلا هو صناعة مجتمعية متوارثة، يتدرب عليها الصغار منذ التنشئة الاجتماعية والأسرية الأولى، فيتم تدريب الذكور على القتال والصيد وقهر المرأة والتسلط عليها والإيمان بالتفوق الذكري بحق الطبيعة والمرأة هي الأخرى ليست إلا صناعة مجتمعية متوارثة، تتدرب عليها الإناث منذ الولادة ويتم فيها غسل أدمغتهن وتلقينهن أن وظيفتهن هي الخضوع لسيادة الرجل وتسلطه وإنفاذ أوامره وقبول هذا الجور، والترحيب بالدور المجتمعي الذي تؤديه كل امرأة من تنظيف منزل إلى إعداد طعام وتربية أطفال.

 

3- ثم جاءت تاريخا بعد ذلك المرحلة الثالثة، القرار وخلع القداسة:
فبالتأطير الديني، أدخل الرجل مفاهيمه في الأديان التي اخترعها أو صاغها، وزعم أن الإله هو الآمر بتلك التراتبية والصورة المجتمعية والأدوار المسبقة = فتقدّس هذا التنظيم المجتمعي الجائر وترسخ إيمان النساء به، وتهيبن مخالفته حتى اتهمن كل من لا تضبط دورها الاجتماعي المرسوم بالشذوذ والنشوز، أي أن المرأة أصبحت أول أعداء الأنثى؛ بمكر الرجل التاريخي السرمدي والذي لم يتوقف لحظة.

 

4- ثم تطورت المجتمعات وتقدم التاريخ وجاء عصر كسر أغلال الأديان والخرافات وكل ما اخترعه الرجل ومجتمعه الذكوري البطريركي، جاء عصر طلب المساواة الكاملة بين الجنسين.

 

5- لكن المساواة الحقيقة لن تكون إلا بإنهاء الهيئة الأولى من الجذور، إنها ربط الرجل بالذكر، والمرأة بالأنثى = فلا يٌشكل الطفل بناء على تصنيفه الجنسي (ذكر وأنثى) إنما يشكل هو ذاته، وتُعزز فيه قيم الحرية، وأن لا فارق بين الجنسي؛ فإن أرادت الأنثى أن تقوم بالدور الاجتماعي الذي اعتاد الناس على اعتباره من أدوار الذكور هُلل لها، فهي ثائرة على التخلف والأفكار الرجعية البدائية المتوارثة، وإذا أراد الذكر أن يمارس أدوارا اجتماعية ارتبطت بالأنثى فحيهلا!

 

هذا مجمل التصورات النسوية عن التاريخ والمجتمع والهوية، وهو يختلف حدة في التفصيل بين نسوية وأخرى، ويختلف كذلك في اتهام الرجل ذاته ومن ثم قصده بالعداء الملتهب لطبيعته النتنة، كما يظهر في النسوية الراديكالية، أو اتهام المجتمع وتنظيمه واعتبار فعال الرجل لم تكن إلا توارثا ناتجا عن عدم فهم الوضع المتخلف، كما يظهر في النسوية الليبرالية.

 

فلسفة الجندر

 

لكننا نخلص بما يلزمنا في ذلك المبحث، بالمبدأ الأول الذي يدور عليه حديثنا: وهو فلسفة الجندر التي أنتجتها هذا الكلام!

 

إن الجندر هو النوع الاجتماعي، نوع مصنوع، والرجل والمرأة هما تعريفان جندريان، أما التعريفات الجنسية البيولوجية فهي (الذكر والأنثى) = وهذا منفك عن ذلك، ووظيفة الثورة النسوية التحررية تغيير الرؤى المجتمعية عن الجندر، وتطويرها حتى الوصول للمساواة الكاملة، فتأتي يوتوبيا المساواة الجندرية الكاملة.

 

إن المجتمع هو العدو، وهو موطن العمل الرئيس للنسوية، فهو خالق الجندر، توهما منه أن الجندر يساوي الجنس البيولوجي للمولود = أما الحقيقة فعلى خلاف ذلك، إذ أن جنس المولود لا دلالة له، ولا تُملأ دلالات الجنس البيولوجي بالأفكار المسبقة المصنوعة إلا ببقايا أعصر الأديان والتخلف من ثقافة ذكورية قمعية.

 

من هنا نترك النسوية لندخل في مرحلة جديدة بدأت من حيث انتهت النسوية: مرحلة فلسفة الجندر.

 


 

المصدر:

  1. عمرو عبد العزيز، دين المؤتفكات، ص7
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #الجندرية
اقرأ أيضا
هل منع النبي عليا من التعدد؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل منع النبي عليا من التعدد؟


النبي ﷺ لم يمنع عليا من التعدد إنما منعه من أن يعدد من امرأة معينة وفرق بين الأمرين. لذا قال النبي ﷺ: لا تجتمع بنت رسول الله ﷺ وبنت عدو الله عند رجل واحد فهو منع من اجتماع ابنته بابنة عدوه لا منع علي من التعدد. وبين أن اجتماعها مع ابنته سيكون فتنة لها في دينها فقد قال ﷺ: وأنا أتخوف أن تفتن في دينها

بقلم: قاسم اكحيلات
254
نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين تفريغات

نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل


ومنهج أهل السنة والجماعة في قضايا الإيمان والتوحيد أن الإيمان قول وعمل واعتقاد وهذا خلافا للمرجئة فالإيمان بإجماع أهل السنة والجماعة: تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان والإيمان قول وعمل القول باللسان فإذن قول القلب وعمل القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح الإيمان حقيقة مركبة من هذه الأشياء الأربعة وفي هذا المقال بيان لحقيقة الإيمان وخلاف المرجئة فيه

بقلم: محمد صالح المنجد
1355
الأطفال وجناية الشهرة | مرابط
مقالات

الأطفال وجناية الشهرة


من الظواهر المؤلمة التي ظهرت مؤخرا ظاهرة شهرة الأطفال وإبرازهم وجعلهم ممن يشار إليهم بالبنان وممن تلاحقهم الأضواء والفلاشات وهذه ظاهرة سيئة لها تبعاتها الخطيرة على الطفل وعلى مستقبله في هذه الحياة. والأدهى والأمر تصنيف ذلك على أنه نجاح وتوفيق وتحقيق هدف ونموذج ينبغي أن يحتذى فيكون ميزان النجاح بعدد المتابعين وكثرة لظهور أمام الفلاشات وهذا وربي من المفاهيم المغلوطة التي ينبغي أن تصحح.

بقلم: د. طلال الحسان
305
الانتصار للحق أم للنفس؟ | مرابط
مقالات

الانتصار للحق أم للنفس؟


وهاهنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو أن كثيرا من أئمة الدين قد يقول قولا مرجوحا ويكون مجتهدا فيه مأجورا على اجتهاده فيه موضوعا عنه خطؤه فيه ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله بحيث أنه لو قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ولا انتصر له ولا والى من وافقه ولا عادى من خالفه وهو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه وليس كذلك

بقلم: عبد الله القرني
361
وقاحة الأدب | مرابط
فكر مقالات

وقاحة الأدب


نحن لا نشك في حقيقتين ظاهرتين متمايزتين متحزبتين بطبيعة الفطرة الإنسانية الاجتماعية: فالحقيقة الأولى: هي مطالب الفرد لنفسه ورغباته وأمانيه وأحلامه والحقيقة الأخرى: هي مطالب الجماعة المكونة من الأفراد على اختلاف نزعاتهم في أنفسهم وخاصتهم وكل عمل فردي لا يكاد يفلت أثره في الجماعة وتوجيهه في الحياة الاجتماعية عامة إلى جهة بعينها وخاصة إذا كان مرد أعمال الأفراد إلى قاعدة عامة تطلق لهم من الحرية ما يجعل أعمال الفرد استقلالا على طريقة المصلحة الفردية التي لا تحترم قيود الجماعة

بقلم: محمود شاكر
1242
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات

موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني


كانت المحطة الثانية في تكريس مبدأ الإعلاء من شأن العقل وتحكيمه على نصوص السنة هي ظهور الاستشراق كاتجاه فكري يعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة وحضارة العرب والإسلام بصفة خاصة والمستشرقون هم علماء من الغرب اعتنوا بدراسة الإسلام واللغة العربية وكذلك لغات الشرق وأديانه وآدابه ويرى بعض المؤرخين أن بداية الاستشراق كانت مع بداية الاستعمار في العصر الحديث قبيل القرن التاسع عشر بينما يرى بعضهم الآخر أن الاستشراق أقدم من ذلك حيث يرون أن بدايته كانت مع اشتغال الغرب بترجمة الكتب العربية

بقلم: الشبكة الإسلامية
1235