التغريب: الأهداف والأساليب ج5

التغريب: الأهداف والأساليب ج5 | مرابط

الكاتب: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

2201 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين


 

 

ابتعاث المسلمين

ابتعاث المسلمين من بلدان المسلمين إلى بلدان الغرب للدراسة، وقد ظهر هذا قبل قرن ونيفًا، ظهر هذا حينما انبعث من بعض بلدان المسلمين سواءً كان من الشام أو مصر، وهي أول بلدان المسلمين بدأ فيها الابتعاث، وكذلك تونس فقد اقترنت مع مصر في هذا الأمر، وبدأ ما يسمى بإحياء المدارس الغربية، وبدأ ترجمة الأدب الغربي والسلوك الغربي والنمط الغربي، فأصبح نشر الثقافة الغربية هو الحق والصواب، وهي المدنية، وأن الإنسان إذا لبس على الطريقة الغربية فإنه على حضارة وتقدم ولو لم يكن منتجًا، تجد بعض الدول الإسلامية التي انسلخت من دينها وتعرت المرأة لا يخاطبها الغرب على أنها دول متخلفة، وإنما يخاطب الدول ولو كانت قوية اقتصاديًا ما تمسكت بدينها، ولم تسلك النمط الغربي على أنها متخلفة، وذلك لأمرين:

أن أمر الأخلاق مرتبط بالمادة، وكذلك فإن ما يخالف ذلك دليل على ارتباط الدين، والدين له أثر على حرب المادة فيما يظنون، وأن أعظم خطر على بلدان الغرب هو الدين، ولهذا يحاربونه بسائر أحواله وأنواعه، ولا يفرقون بين هذا وهذا، ولهذا من تأثر بالمدارس الغربية من المسلمين والذي احتضنته المدارس الغربية تأثروا تأثرًا مبالغًا فيه، وظهر منهم من نظر في كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأظهروا نصوصًا في ذلك وكان منهم شرعيون وقضاة ودعاة، وظهر هذا أيضًا في الشام وتونس، فإنه قد ذهب طلبة علم للابتعاث إلى بلدان الغرب، فجاءوا بالفكر الغربي، فأخذوا ينظرون إلى النصوص ويئولونها حتى تتوافق مع النمط والطريقة الغربية، فدعوا إلى خروج المرأة وعملها، ودعوا كذلك إلى اختلاطها بالرجال، ودعوا إلى ما يسمى بالمساواة بين الذكر والأنثى، وأنه لا فرق بين الرجل والمرأة، والذي دعاهم لذلك هو الانبهار بالمادة.
 
وبدأت نفوس المسلمين بدأت تتروض بعد إدراك كثير من أمور المادية، وأن المادة لا ارتباط لها بما يسمى بصحة العقائد وغيرها، وكذلك فإنه في ابتداء ما يسمى بالتغريب الفكري في ذلك الزمن لم تكن الكفة متوازنة، من جهة قوة الحق والباطل كانت الدعوة في ذلك قوية، يختلف بذلك ما يسمى بالاستعمار العسكري مع الغزو الفكري مع أطر الناس، ومنع كل مناهض لتلك الدعوة، أما في زمننا فكانت ثمة أكفة شبه متوازنة، ما يسمى بوجود وسائل الإعلام التي تدعو إلى الحق وتواجه الباطل وكذلك ما يسمى بالمحاضرات والندوات، وكذلك وسائل الإعلام سواءً كانت مرئية أو مسموعة، وما يسمى بشبكة المعلومات والانترنت التي تدعو إلى الله عز وجل، ودخلها أهل الإسلام والحق، فبينوا طرائق أهل الضلال والزيغ، وطرائق الحق.

وينبغي أن يعلم أن ثمة أمورًا مهمة في هذا وهو أن أخطر الدعوات إلى التغريب هي الدعوة التي تدعو إلى التغريب باسم الإسلام، وهذا كما تقدم الإشارة إليه هو البوابة التي دخل عليها التغريب في مصر والشام، فإن من ظهر في زمن التغريب في بلاد مصر كانوا قضاة، وكانوا دعاة ومفتين، فإن من دعا إلى نزع حجاب المرأة المسلمة هو قاسم أمين وقد كان قاضيًا، وكذلك فإن من كان مفتيًا وهو أول مفت بالبلاد المصرية، ولم يكن ثمة مفت قبله وهو محمد عبده، وكان مفتيًا ومشرفًا على سائر القضاة، فهو قد تكلم على هذا الأمر ودعا إلى الانخراط في الثقافة الغربية، كذلك طه حسين كان أزهريًا قد درس في الأزهر، وابتعث ثم دعا إلى الانخراط في الثقافة الغربية حلوها ومرها، وأنه لا يمكن لنا أن نتقدم إلا بالانخراط بها، فكان ثمة دعوات قوية إلى التغريب، وهذا نوع من الخلط في هذه الأمور التي ينبغي للإنسان أن يميز بين أخذ الحق من أهل الباطل، وبين الإنسان الذي يناكف الباطل بالجملة مع ما فيه من حق.
 

الاقتباس مما عند الآخرين

النبي عليه الصلاة والسلام ربما أخذ حقًا من أهل الباطل، ولكن مع اقتران ذلك بذم أهل الباطل، النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى لما قدم المدينة وجد أهل المدينة يصومون يوم عاشوراء، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نحن نصومه لأن الله عز وجل نجى فيه موسى وقومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنا أولى بموسى منكم )، لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: نصوم معكم، وإنما قال: ( نحن أولى بموسى منكم )، يعني: أنكم شيء ونحن شيء آخر، وهذا فيه إشارة إلى أنه ينبغي للمؤمن العاقل إذا وجد شيئًا يستفاد منه أنه ثمة طرق في هذا الأمر:
 
الطريقة الأولى: الاستفادة من ذلك الأمر مع بيان وجوه المفارقة بين أهل الباطل وأهل الحق، وأن الإنسان لا يجعله يخالف أهل الزيغ والضلال أنه يدع ما لديهم مما وجد عندهم من الحق.
 
الطريقة الثانية: أن الإنسان يأخذ ذلك الحق ويسكت عن بقية الباطل، وهذا من التلبيس والضلال الذي ينبغي للإنسان أن يكون على بينة منه، وعلى سبيل المثال يأتي إنسان ويمتدح مثلًا صورة من صور الطرائق الغربية ويدع ذم الغرب، وينتقي المحامد لديهم، ويقول: لدى الغرب كذا وكذا من الأمور الحسنة، ويجتنب الأمور السيئة، وهذا من الأمور التي تغري كثيرًا من الناس، ونمثل لها بالإنسان الذي لديه عقد، وهذا العقد مزيف، وفي هذا العقد حلقة من حلقاته، وجوهرة من الجواهر، وهي واحدة ضمن عقد تام، فيأتي إليها ويثني عليها في كل محفل، وهذه جوهرة وهذه جوهرة، فيسكت عن الباقي..

فإن الناس في ذلك يظنون أن الباقي قريب منها، أو على نحوها، وهذا من التدليس الذي ينبغي للإنسان العاقل أن يترفع عنه، وأن الإنسان إذا أراد أن يستفيد منها فيقول: هذه جوهرة قد جعلت بين زيف، فيبين المزيف، ويبين الحق، فإن هذا من الأمور التي تفقدها الأمة في زماننا، فكان الناس في ذلك على طرائق: طرائق يسلكون هذه الطريقة في أبواب الخلط وطرائق من تنكب طريقة أهل الباطل بما فيها من حق مما ينفع الناس في دينهم ودنياهم، وانصرف عن هذه الطريق مما جعل الأمة تتأخر في بعض أبوابها.
 
الطريقة الثالثة: وهي الطريقة الضعيفة وهم الذين حاولوا أن يأخذوا شيئًا ويدعوا شيئًا، وترددوا في بعض الأمور، ولكنه بصوت ضعيف، لا يمكن أن يوصل حقًا إلى سائر الناس، وهذا الصوت ينبغي أن يظهر ببيان الحق وبيان الباطل حتى ينقطع التلبيس عند دعاة الضلال والزيغ، وذلك أن كثيرًا من التغريبيين الذين يدعون المجتمعات المسلمة على سبيل الخصوص إلى الدخول إلى الطريقة الغربية أنهم يلومون أهل الإسلام ويقتنصون جملة من كلام المسلمين أنهم ما استفادوا من كذا، ويحاربون كذا، ويحرمون كذا، فلا يظهر من كلام أهل العلم إلا المنع، فينبغي أن يظهروا مع المنع القبول لبعض الخير الذي ينفع الناس، فيقول: هذا الأمر هو أمر خيرٍ ينبغي أن يؤخذ ويستفاد منه، وهذا الشر ينبغي أن يرد، ويذكر الشر بعينه وخصوصه، وحتى يكون الناس على بينة منه، وحتى لا يقع الخلط في هذا الأمر، وقد استغل أعداء الملة والدين ذلك الخلط الذي وجد عند كثير من أهل الصلاح، والعامة أيضًا في الخلط في هذا الأمر وجد من يخلط في قبول الحق، ويحمل جملة من الحق على بعض الباطل؛ حتى يلتبس عليه وعلى غيره.
 

النظر إلى المصالح والمفاسد

لهذا وجب على أهل الإسلام أن ينظروا إلى المصالح والمفاسد، وأن يدققوا فيهما؛ لأن العالم الحق هو الذي يميز بين درجات الخير ودركات الشر، وهذا هو العالم الذي يوفقه الله عز وجل، وليس العالم الذي يميز بين الخير والشر فقط، الذي يميز بين الخير والشر هذا من جملة العوام، أما الذي يميز بين الدرجات أن هذه أولى من هذه، وهذه إذا اقترنت بهذه فإن هذه أولى منها.
 
كذلك من دقائق معرفة الأحوال أن يعرف الإنسان مآل الشيء، فقد يكون الشيء خيرًا، ولكن مآله إلى شر، وقد يكون الشيء شرًا ولكن مآله إلى خير، ونحن نرى في زمننا هذا أن أعظم ما يواجه به الباطل هو وسائل الإعلام، والبعد عن وسائل الإعلام بالكلية في نشر الخير ومواجهة الباطل هذا من أظهر وجوه التقصير في زماننا الذي ينبغي للإنسان أن يستغلها قدر إمكانه ووسعه ببيان الحق للناس مع التمسك بالهدي والتمسك بالحق، ومهما وجد المخالفين له في بيان الحق، سواءً بالتنديد بقوله، أو ما يسمى بالغلو أو التشدد أو مخالفة الحضارة أو التمدن أو التخلف، أو نحو ذلك.

فهذه أوصاف قد وصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يأتي إلى رؤساء القبائل ويعرض نفسه في نواديهم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يأتي إلى الصفا وعن يمينه وشماله الأصنام عند الكعبة، وكان يدعو كفار قريش إلى الحق، ويأتي إليهم في نواديهم وفي أعيادهم وفي مجتمعاتهم ونحو ذلك، وكان ربما أدى عبادته والأصنام عن يمينه وشماله وهو يستقبل في ذلك الكعبة، فلكل مرحلة طريقها، فينبغي للإنسان أن يسلك في ذلك الطريق الذي يوصل إلى الحق المحض، شريطة ألا يجامل في دين الله جل وعلا، فهو إن أمسك في موضع لمصلحة فإنه يجب عليه أن يبين في موضع آخر، حتى لا يغلب على الإنسان الخوف من الباطل، وكذلك اضمحلال الحق وانطفاء جذوته في قلب الإنسان، فإنه إذا انطفأت جذوة الحق من قلب الإنسان انساق خلف الباطل من حيث لا يشعر، وبدأ الحق يضمحل في قلبه حتى لم يجد له هيبة.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الطريفي #التغريب
اقرأ أيضا
الحقيقة الكبرى الناظمة للقرآن | مرابط
مقالات

الحقيقة الكبرى الناظمة للقرآن


يحدثك القرآن عن ظاهرة المصائب والأضرار التي تصيب الإنسان في حياته الشخصية وبالرغم من أن الله شرع لنا اتخاذ الأسباب كالأدوية للشفاء من المرض والتماس الرزق لرفع الفقر إلا أن القرآن يكثف دائرة الضوء على أمر آخر أهم وهو أن يرتبط الفؤاد بالله سبحانه وتعالى وهو يصارع هذه البلاءات

بقلم: إبراهيم السكران
342
المعرفة بحاسة البصر | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف

المعرفة بحاسة البصر


المعرفة بحاسة البصر معرفة يتساوى فيها الإدراك كما يتساوى إدراك الآلة وإدراك الحيوان فهل هذه هي المعرفة التي تليق بالإنسان المسئول عن ضميره الباحث عن هدايته المترقي بسعيه واجتهاده؟ وهل يطلبون أن يتساوى الناس في مدركات الضمير وحدها أو يطلبون أن يتساووا في مدركات الحواس وملكات الأجسام والأفهام ومقادير الأعمار والأيام

بقلم: عباس محمود العقاد
299
أعمال القلب وأعمال الجوارح | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

أعمال القلب وأعمال الجوارح


إن الله تعالى رب القلوب والألسن وليس رب القلوب فقط والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب وهذا الحديث يفسد كل دعوى يدعيها بعض الناس إذا نصحته في أمر من الأمور مما أتى الله به قال لك: التقوى هاهنا وهي كلمة حق أريد بها باطل والكلمة قد تكون حقا في مدلولها العام لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنى باطلا

بقلم: ابن عثيمين
424
من أكثر ما يعينك على الشكر | مرابط
اقتباسات وقطوف

من أكثر ما يعينك على الشكر


من أكثر ما يعينك على الشكر تذكر سابق حالك.. يمكن أن تسمي ذلك بذكريات النعمة. هذا الشارع الذي تمشي فيه الآن بسيارتك كنت تمشي فيه في الحر الشديد أو البرد الشديد على رجليك ربما لا تجد أجرة الحافلة أو تجدها ولكن المشي أرفق بك من ركوبها.

بقلم: محمد سالم بحيري
275
أبو بكر الصديق والدعوة إلى الإسلام | مرابط
تاريخ

أبو بكر الصديق والدعوة إلى الإسلام


ولعل منشأ هذا الحب العميق للإسلام عند الصديق رضي الله عنه هو الإخلاص الشديد في قلبه فالعمل المخلص لا يرتبط بوجود أشخاص أو هيئات أو ظروف إنما هو مرتبط بالله جل وعلا وبالتالي فالإخلاص يدفع صاحبه إلى العمل الدءوب في كل الأوقات وبالحماسة نفسها وهذا ما دفع الصديق رضي الله عنه إلى أن يبقى على هذه الروح في حمل الرسالة حتى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وإلى موته هو شخصيا رضي الله عنه فقد ظل يحمل هم الدعوة ويتحمل مسئولية الإسلام وكأنه ليس على الأرض مسلم غيره

بقلم: د راغب السرجاني
1356
المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج1 | مرابط
تفريغات الديمقراطية

المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج1


السبب في فرح الغرب بالديمقراطية واعتباره أنها من أعظم مفاخر الإنسانية هو: أنه استطاع بها تجاوز المجتمع والنظام الإقطاعي ليعطي الشعوب حق التعليم والانتقال من مكان إلى مكان وحق العمل وحق الانتقاد وحق التفكير وحق الانتخاب وحق المشاركة السياسية وغيرها من الحقوق

بقلم: عبد الرحيم السلمي
635