القوامة وظلم الزوجة

القوامة وظلم الزوجة | مرابط

الكاتب: منقذ محمود السقار

2105 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

قالوا: إن القرآن ظلم المرأة حين جعل القوامة في المجتمع للرجل دون المرأة "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"

 

والجواب:

 

إن نظرة سريعة إلى المنهج الإسلامي في التعامل مع المرأة ستكشف عن القدر العظيم للمرأة في الإسلام، فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بحسن عشرة النساء، ففي حجة الوداع وأمام جموع الصحابة وقف النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال:

 

ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوانٌ عندكم... ألا إنَّ لكم على نسائكم حقًّا.  ولنسائكم عليكم حقًّا.  فأما حقُّكم على نسائكم فلا يوطئنَ فرُشَكم من تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون.  ألا وحقُّهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن

 

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحسن العشرة للنساء والصبر على ما يصدر منهن من أذى اللسان، فإن المرأة بحسب جِبِلّتها تأخذ حقها بلسانها، فقد قال صلى الله عليه وسلم

 

استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرًا

 

ولما كانت الأسرة كسائر المؤسسات المجتمعية والاقتصادية تحتاج إلى قائد يقودها، فإن القرآن جعل القوامة في الأسرة للرجل دون المرأة "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" .. فالآية تحدد صاحب المسؤولية الأولى في الأسرة، وهو الرجل، إذ أي مجتمع إنساني -صغر أم كبر- لا يخلو من قيّم مسؤول يقود من تحت ولايته بما يمتاز به عن الآخرين، ككبر سنه أو امتلاكه حصة أكبر في الأسهم أو خبرة أو أقدمية في العمل، لكن -على كل حال- لا بد من وجود مدير أو مسؤول أول أو قائد لهذه المؤسسة.

 

وفي حالتنا هذه نحن أمام أحد خيارين: إما أن تكون المسؤولية الأولى للمرأة، أو أن تكون للرجل.

 

وضع المرأة في البلدان الداعية للمساواة بين الجنسين

 

إن نظرة بسيطة تتفحص عالمنا -الذي ما فتيء ينادي ويصرخ بالمساواة العمياء بين الرجل والمرأة- لتكشف لنا عن حقيقة تميز الرجل في مختلف بلدان الداعين إلى المساواة، لذلك أسأل القارئ الكريم: كم نسبة الوزيرات إلى الوزراء في دول العالم الذي ينادي بالمساواة بين الجنسين؟ وكم نسبة الملوك والرؤساء من النساء في تلك البلاد؟ وكم نسبة نساء الدولة والبرلمان وقادة الأخزاب إلى الرجال في هذه الدولة؟

 

لا ريب أننا جميعا متفقون على تقدم الرجل -في كل هذا- على المرأة وبفارق كبير، فكيف وقع هذا عند من يدعون المساواة؟
إن الدول الإسكندنافية حققت أعلى الأرقام العالمية في تولية المرأة مناصب قيادية، لكنها لم تتجاوز نسبة ال30% لماذا؟

 

طبيعة خلق الرجل والمرأة

 

القرآن يجيبنا "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" .. نعم، لقد خلق الله الرجال لغاية، وأعطاهم من الملكات والإمكانات ما يعينهم عليها، ومن ذلك مسؤولية القيادة في الأسرة والمجتمع، ﻷنه مسؤول عن رعاية البيت ونفقته، فالزوجة درة مصانة، ليس واجبا عليها ولا مطلوبا منها أن تكدح وتشقى بالعمل لتضمن مكانا لها في بيت الزوجية، فهذا ليس من واجباتها، ولا هو متناسب مع أنوثتها وطبيعتها الحانية العاطفية التي فطرها الله عليها لتناسب مهمتها السامية في إدارة بيتها وتربية أبنائها وإعطائهم حقهم من الحنو والرعاية

 

كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.. والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها

 

والمرأة مكفولة النفقة، أمًّا كانت أو زوجة، أختا كانت أو ابنة، "يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك"، فواجب الرجل الإنفاق على الأسرة عموما، وعلى الزوجة خصوصًا، ولو كانت ذات مال ووظيفة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروفة"

 

والعلاقة الزوجية جملة متبادلة من الحقوق والواجبات، وهي قائمة على مبدأ الأخذ والعطاء "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة" وهذه الدرجة (القوامة) ليست لقعود جنس النساء عن جنس الرجال، بل تفضيل متناسب مع ما أودعه الله في الرجل من استعدادات فطرية تلائم مهمته وتتناسب مع إنفاقه على الأسرة.

 

هل القوامة تعني التفرد بالقرار؟

 

وقوامة الرجل على المرأة والأسرة لا تعني تفرده بالقرار، فها هو صلى الله عليه وسلم أكمل الرجال وسيدهم يستشير أم سلمة في مسألة تتعلق بالأمة لا بالأسرة فحسب، فقد أمر أصحابه يوم الحديبية أن يحلقوا رؤوسهم ويحلوا من عمرتهم؛ ليعودوا إلى المدينة المنورة، فكرهوا ذلك ولم يقم منهم أحد، فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة:

يا نَبِيَّ اللَّهِ، أتُحِبُّ ذلكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ كَلِمَةً، حتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ حتَّى فَعَلَ ذلكَ؛ نَحَرَ بُدْنَهُ، ودَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذلكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا، وجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا

 

سؤال لدعاة مظلومية المرأة

 

بقي أن نهمس في آذان أصحاب هذه الأبطولة، فنسألهم: من القيم على الأسرة في كتابكم الرجال أم النساء؟ وما رأيكم في قول بولس: الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل، ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل" وهذا النص وأمثاله يفيد قوامة الرجل، ويفيد أيضًا ما لا نقبله، ونراه إزراء بالمرأة التي لم تخلق للرجل، فهي ليست كسائر ما سخره الله لنا من متاع، بل هي كالرجل مخلوقة لعبادة الله وعمارة الأرض بمنهجه تبارك وتعالى.

 


 

المصدر:

  1. تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، د. منقذ محمود السقار، ص266
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
آثار العالمانية في الغرب: نهاية الإنسان | مرابط
فكر مقالات العالمانية

آثار العالمانية في الغرب: نهاية الإنسان


مثلت العالمانية علامة فارقة في تاريخ الغرب إذ نقلته من عصر السلطان الكنسي إلى عصر سلطان العالم المادي والفجوة بين العصرين هائلة حتى لا يكاد يربط الزمن الأول بالزمان الآخر كثير لكنهما يشتركان في التيه بعيدا عن حقيقة الإنسان وجوهر حاجته إلى ما يروي غلته والنظر عن كثب في حال الغرب المتعلمن في زمن ما بعد الحداثة يكشف أن الآلة الدعائية الخارجية للغرب وآلة التجميل لأقنانه في بلاد المسلمين قد نقلا عن عمد صورة تكاد تكون عديمة الصلة بالعالمانية الغربية وأدوائها القاتلة

بقلم: د سامي عامري
2590
التاريخ الهجري وهوية الأمة | مرابط
مقالات

التاريخ الهجري وهوية الأمة


فالواجب على المسلمين الثبات على تاريخهم الهجري والاعتزاز به فلا نؤرخ أيامنا وليالينا إلا به فهذا ما اختاره الله تعالى لنا وبنيت عليه كثير من أركان الإسلام وشرائعه العظام كرمضان والحج والعدد والكفارات وغيرها وفي ذلك من المصالح الدينية والدنيوية ما لا تخفى على ذوي العلم والبصيرة.

بقلم: د. عبد الله بن عمر الدميجي
529
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم


مقتطف ماتع من كتاب شفاء العليل لابن قيم الجوزية يعلق فيه على قول الله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ويبين لنا كيف أن من عقاب السيئة السيئة بعدها ومن ثواب الحسنة الحسنة بعدها ويضرب مثلا بقصة إبليس وإعراضه عن أمر ربه وكيف كانت عقوبته

بقلم: ابن القيم
1307
معركة الحجاب الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين تفريغات المرأة

معركة الحجاب الجزء الأول


يبدو أن هدم الأسرة المسلمة يأتي ضمن أولويات أعداء الدين فالأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع وهي التي تخرج للأمة الإسلامية أجيال النصر والبناء ولما كان استهداف الأسرة ضمن أهم الأولويات حاول أولياء الشيطان أن يفسدوا المرأة بأي شكل ممكن وقضية الحجاب من ضمن القضايا التي أثيرت في عالمنا العربي بإيعاز داخلي وخارجي أرادوا جميعا نزع الحجاب عن المرأة والحط من شأنه وإجبار النساء على السفور والتبرج والانحلال حتى يفسد ركن هام من أركان الأسرة وفي هذه المحاضرة للشيخ محمد صالح المنجد استعراض للقضية

بقلم: محمد صالح المنجد
2392
ويلك آمن | مرابط
فكر مقالات

ويلك آمن


هذه هي الحضارة الأوربية الحديثة قد انتهت بالناس إلى خلق هذا الإشكال الدائم الذي لا يحل وساقت الناس إلى مرعى من الشك وبيء كلما ازدادوه غذاء زادهم بلاء فلا ينتهي من ينتهي إلا إلى هلكة تدع فكرة الحياة خرافة عظيمة قد اتخذت لها أسلوبا تتجلى فيه فكان أبلغ أسلوب وأفظع أسلوب هذا الإنسان الذي يحمل من رأسه قنبلة حشوها المادة المتفجرة التي تهلكه وتهلك ما يطيف به أو يقاربه فلا هو ينتفع بنفسه ولا ينتفع العالم به

بقلم: محمود شاكر
2477
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
811