معركة الحجاب الجزء الأول

معركة الحجاب الجزء الأول | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

2288 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الخطبة الأولى

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 
أما بعد:

 

أهمية الحجاب:

 

فقد قال في كتابه العزيز: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" (الأحزاب: 36)، وإن مما قضى به الله  ورسوله هذا الحجاب الذي فرضه -تعالى- على نساء المؤمنين، وخاطبهن باسم الإيمان دليلًا على ارتباطه به، "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ" (النور: 31)، وقال: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ" (الأحزاب: 59)، فهذا الارتباط بين الإيمان وبين إدناء الجلباب، وعدم إبداء الزينة، وهذا الحجاب طهارة كما قال -تعالى-: "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" (الأحزاب: 53)، حجاب اللباس، وحجاب الجدار، حجاب يحجبها إذا ما أراد أن يخاطبها بالمعروف.
 
عباد الله: إنه عفاف للمرأة، والله يحب العفاف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف.
 
جعل الله الحور العين مقصورات في الخيام، غير متبرجات حتى في الجنة، "وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ" (ص: 52) "حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ" (الرحمن: 72)، بل إن لها حجابًا ولو أن خمارها خرج إلى الدنيا لأضاء ما بين المشرق والمغرب، وكذلك فإن الله -تعالى- قال: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ" (الأحزاب: 59)، أي: ليعرف الحجاب بالكامل، والإدناء من أعلى إلى أسفل كما هو في لغة العرب، ليعرف أنهن عفائف، فلا يؤذين من قبل الفساق، بأي قول أو فعل..

لأن المرأة إذا بالغت في التستر والتحجب لم يطمع فيها الفساق، أما إذا خرجت بشعر مكشوف، ووجه مزين، وعباءة مخصرة، وألوان، وزينة، وطيب، وفتحات في هذه الثياب طمع فيها الفساق؛ لأنها تبرجت أمامهم، تزينت أمامهم، أخرجت زينتها أمامهم، فما معنى ذلك عند الفساق؟ أنه يطمع فيها، فلذلك يسيرون وراءها، ويحاولون الاتصال بها، وهكذا ترمى الأرقام لهذه المجموعة من النساء المتصفات بهذه الصفة من التهتك والتبرج والسفور، بينما لو كانت مغطاة كاملة التغطية كما قال -تعالى-: يُدْنِينَ، الإدناء من أعلى شيء إلى الأسفل، لم يظهر منها شيء، فإن الفساق لا يطمعون بها، هذا في الغالب والعادة، ولذلك قال: "ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ"، بأنهن عفائف، "فلا يؤذين"، بأي قول أو فعل من الفساق.
 
وقد ذكر الله -تعالى- الرخصة للقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينه، لكن ما هو الأفضل؟ قال: "وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ" (النور: 60)، ما معنى يستعففن؟ أي: تبقي عليها جلبابها وحجابها، فإذًا سمى الحجاب عفاف، ما قال: وإن يتجلببن، أو أن يحتجبن، قال: وإن يستعففن، فارتباط بين الحجاب وبين العفاف، إنه أمر واضح.
 
 إنه ستر، والله -تعالى- حيي ستير يحب الحياء والستر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه يعلى ابن شداد ابن أوس.
 
وقال عز وجل مبينًا منته على عباده: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ" (الأعراف: 26)، "يواري سَوْآتِكُمْ": إذًا هذا اللباس يغطي العورات، وعورة الرجل مناسبه له، وعورة المرأة في الشريعة كل منهما له عورة تناسبه أمام الآخرين، وكذلك فإن الحجاب حارس الحياء، ألم تسمع إلى قول عائشة -رضي الله عنها- وهي تقول: "كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، ولما دفن عمر ما دخلته إلا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر"، وليس هذا على سبيل الوجوب، ولكن الحياء الذي تتصف به المرأة المسلمة كان هذا لعائشة حتى في هذه الحال بعد موت عمر، ما كان في شيء إلا زانه.
 
قال -تعالى- في صفة البنت الصالحة بتربية الرجل الصالح: "فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ" (القصص: 25)، قال المفسرون: مستترة، ليست بِسَلْفَع، لا خراجة ولاجة، وإنما جاءت تضع درعها على وجهها استحياء، "تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ".
 
وإن الغيرة على نساء المؤمنين اقتضت من عمر أن يتمنى ويسأل الله أن ينزل الحجاب، قلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر و الفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله الحجاب.

 

نزع الحجاب سنة شيطانية:

 

إن الحجاب إذًا يا عباد الله! مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقضية الأخلاق في هذا الدين، وصادر مصدرًا وثيقًا من رب العالمين، والوحي المنزل من السماء، ومرتبط ارتباطًا أساسيًا بالإيمان، وكذلك فإن الشيطان يريد أن ينزع الحجاب، ويريد أن ينزع اللباس، ويريد أن تظهر العورات، "فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ۝ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا" (طه: 117 - 121).
 
لو كان العري يا عباد الله جمالًا لجعله الله في الجنة، لو كان العري زينة لجعلة الله في الجنة، لكن قال لآدم: "إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى"، إذًا العري شيء سيء، وكذلك الجوع يعذب النفس، وكان لآدم وزوجه لباس في الجنة مع أنها زوجته، لكن لها لباس، ولما أكلا من الشجرة المعصية تسببت في هتك الستر وسقوط اللباس، "وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ" (الأعراف: 21)، وحلف لهما بالله، وما أكذب إبليس حتى وهو يحلف، "فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا" (الأعراف: 22)، بدت السوءات عند ارتكاب المعصية، فسارع إلى ستر العورة، "وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ" (الأعراف: 22).
 
وهكذا امتن الله على آدم، "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا" (الأعراف: 26-27)، فإذًا نزع اللباس والتعري خطة شيطانية أرادها الشيطان، وأراد التوصل إليها بإيقاع آدم وحواء بهذه المعصية، ولذلك فإن هذا التعري الذي يريدونه اليوم من خطة خبيثة في بعض الأماكن، وبالصراحة الوقحة في أماكن أخرى، أن ينحسر شيئًا فشيئًا نقاب بفتحتين واسعتين، ثم نصف الوجه يكشف وتضع لثامًا، ثم يزال اللثام وتكشف الوجه، ثم ينحسر الحجاب عن مقدمة شعر الرأس، ثم إلى نصف الرأس، ثم يزال الشعر، وينحسر عن اليدين، وينشمر عن القدمين والساقين، وهكذا ليتوصلوا في النهاية إلى شارع العراة، وأندية العراة، وحفلات العراة، وأفلام العراة، وأغاني العراة، وكذلك يفعلون، هذه خطة إبليس التي بدأها منذ زمن بعيد، منذ بداية هذه البشرية، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما.

 


 

المصدر:

  1. https://almunajjid.com/speeches/lessons/670
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#قضية-الحجاب #المرأة
اقرأ أيضا
قصة الله محبة وموقف الأناجيل منها ج2 | مرابط
فكر مقالات

قصة الله محبة وموقف الأناجيل منها ج2


نيران سانت المو: هى الوهج الذى يلازم التفريغ الكهربى البطىء من الجو إلى الأرض وهذا التفريع المطابق لتفريغ الفرشاة المعروف فى تجارب معامل الطبيعة يظهر عادة فى صورة رأس من الضوء على نهايات الأجسام المدببة التى على غرار برج الكنيسة وصارى السفينة أو حتى نتوءات الأراضى المنبسطة وتصحبها عادة ضوضاء طقطقة وأزيز

بقلم: محمد الغزالي
903
صيد الخاطر | مرابط
مناقشات

صيد الخاطر


أعدت قراءة صيد الخاطر في الأسابيع الماضية بشكل متقطع. ولكن بتمعن أو بالأحرى بعين أخرى غير تلك التي قرأت الكتاب قبل سنوات عين جديدة نسبيا وبأسئلة جديدة أكثر راهنية وأقل تجريدا. وصيد الخاطر لابن الجوزي من الكتب التي تستحق التكرار في مراحل عمرية مختلفة. وهو يقدم للقارئ خلاصات علمية وحصيلة تجارب وتأملات وخبرات حياتية شديدة الأهمية.

بقلم: عبد الله الوهيبي
203
وما أدراك ما يوم عرفة! | مرابط
مقالات

وما أدراك ما يوم عرفة!


وها قد بلغك الله الكريم يوم عرفة.. وما أدراك ما يوم عرفة.. ما أشرف هذا اليوم وما أعظمه وأوسع فضله.. يوم بعامين من الأجر والغفران يكفر الله بصيامه ذنوب عام مضى وعام مقبل.. اليوم الذي ما رؤى الشيطان أحقر ولا أذل ولا أصغر منه فى ذلك اليوم إلا في يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وأعنى يوم بدر..

بقلم: محمد علي يوسف
290
كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج2


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1000
التقدمية والرجعية | مرابط
فكر مقالات

التقدمية والرجعية


وإذا كان في هذا العصر تقدم العلم وازدهار الحضارة فإن فيه الحروب المدمرة والقنابل المبيدة والتهتك والفساد وفي هذا العصر تركنا اليهود يسلبوننا قطعة من قلب بلادنا ويستأثرون بها دوننا ويشردون أبناءها حتى يتفرقوا فوق كل أرض وتحت كل نجم وقبل ألف سنة كان أسلافنا يركبون الإبل لا يعرفون السيارات ولا الطيارات ويعيشون على السرج ومصابيح الزيت ولكنهم كانوا سادة الدنيا وكانوا أعز الأمم

بقلم: علي الطنطاوي
1425
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم


مقتطف ماتع من كتاب شفاء العليل لابن قيم الجوزية يعلق فيه على قول الله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ويبين لنا كيف أن من عقاب السيئة السيئة بعدها ومن ثواب الحسنة الحسنة بعدها ويضرب مثلا بقصة إبليس وإعراضه عن أمر ربه وكيف كانت عقوبته

بقلم: ابن القيم
1216