الهروب عن النص إليه

الهروب عن النص إليه | مرابط

الكاتب: فهد بن صالح العجلان

779 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

مخالفة النص أم الفهم؟

إن أردتَ الظفر بالمعنى والحجَّة الأكثر حضورًا لدى خصوم النص الشرعي في كافة قضاياهم التي يصادمون بها النصوص والأحكام الشرعية، فهي - بجدارة - الحجة والبيان القائل: (هي مخالفة لفهم معيَّن للنص الشرعي وليست مخالفة لذات النص الشرعي). وقد تصاغ بأشكال فنية مختلفة، لكن مفعولها إنما يتحرك حين يستشعر أن ثمة تخطيًا أو تعديًا لنص شرعي ما.

 

طبيعة الأحكام الشرعية

1 - لو كان الأمر متعلقًا بالأحكام الشرعية الاجتهادية أو الخلافية أو حتى ما يحتمل وجهًا أو تأويلًا، لكان هذا أمرًا مقبولًا ومستساغًا؛ فما زال العلماء والمجتهدون يختلفون في أحكام الشريعة ويتنازعون وجوه الدلالة وأوجه الترجيح بين الأحكام، وكُتُبُ الشريعة حافلة – من ذلك - بتراث معرفيٍّ ضخم، بل هذا المجال هو المجال الأوسع والأرحب في الشريعة الإسلامية؛ فمدارك الظنون ومساحة الاجتهاد هي أوسع دائرةً وأرحب مجالًا في الشريعة من القطعيات والأحكام الظاهرة.

غير أن الأمر قد تجاوز هذا كله، وأصبح كثير من خصوم النص ينطلق في أحكامه من واقع عصره، ودَافِع هواه وعقله، من غير أن يلتفت للنص الشرعي أو ينظر في دلالته، ثم إذا خَلَص إلى الرأي الذي شاء وشعر بأنه مصادم للنص الشرعي استلَّ تلك المحفوظة المألوفة ورفعها في وجه كل محتسب أو ناصح: (لا أخالف النص وإنما أخالف فهمًا معيَّناًَ للنص).

 

اختلاف العلماء

2 - إن اختلاف العلماء في المسائل الاجتهادية، بل حتى ما هو خارج عنها، كان ثمرة لنظرهم في النصوص الشرعية وتباينهم في تحديد مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم منها، مع إيمانهم القاطع بأن النص هو الحاكم والقائد والدليل الذي يمضي الجميع تحت لوائه، وهو متقرِّر بالضرورة لدى كل فقهاء الإسلام، ومن ثَمَّ فخلافهم كان من النص يبدأ وإليه يعود، ولم يكن حالهم، هو البحث والقراءة من خارج النص ثم يأتي النص بعد ذلك ليكون تابعًا لما قرَّروه وسائرًا في الخط الذي رسموه!

 

التمرير والتبرك

3 - حين يأتي النظر في النص الشرعي بعد الاعتقاد وتحديد الخيارات، فليس هو في الحقيقة إلا شكل من أشكال التمرير أو التبرُّك – إن أحسنَّا الظن - إذ النص الشرعي حينها ليس إلا تابعًا منقادًا لدى أصحاب هذا الخطاب؛ فسواء وُجِد النص أو عُدِم، فلن يتغير في النتيجة شيء يُذكَر.

 

التعامل مع النصوص

4 - وهذه الحالة في التعامل مع النصوص، لا تبرز إلا مع النص الشرعي؛ فهو النص الوحيد الذي يمارَس عليه هذه الطريقة العبثية في تحميله كل ما لا يمكن أن يحتمل من التفسيرات والتأويلات؛ وإلا فلا يمكن لعاقل أن يفسر النص القانوني - مثلًا - بأنه نص يحتمل أكثر من تفسير وأن لكل أحد تفسيره الخاص به لذلك النص؛ لأن هذا تفكير عبثي تمجُّه العقول لإدراكها بفداحة ضرره الدنيوي.

 

تأويل النصوص

5 - إن هذه الطريقة في تأويل النصوص، تعني أن النص الشرعي ليس قائدًا للمسيرة ولا هاديًا للناس، بل هو عَقَبة كؤود في طريق بعض الناس؛ لذلك يسعون للتخلص منه بأي طريقة ممكنة: من التأويل والتحريف، فينتقل النص بهذا من كونه مصدر هداية وحَلٍّ إلى جَعْلِه مشكلة يُسعى للتخلص منها.

وكثيرًا ما يشار في سياق هذه العبارة إلى أن النصوص حمَّالة أوجُه ومحتملة لأكثر من تفسير من غير توضيح لكيفية كون هذا النص - تحديدًا - محتملًا لأكثر من معنى؟ وكيف يكون التفسير الذي يُذكََر متوافقًا مع النص؛ فحين يقرر أحدهم - مثلًا - أن العلاقة بين الجنسين تقوم على الاحترام والثقة ولا اعتبار فيها لمعنى الشهوة، يُذكَّرون دومًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما خلا رجل بامرأة؛ إلا كان الشيطان ثالثهما»؛ فيكتفي حينئذٍ بمقطوعة (النص المحتمِل) من دون أن يبين للناس: ما هو المعنى الذي يحتمله الحديث غير النهي عن الخلوة؟ وكيف يكون الحديث دالًا على أن الشهوة غير معتبَرة في العلاقة بين الرجل والمرأة؟

إن الخلاف في تفسير النص وحُكْمه وعِلَّته مما لا يخفى على أحد، لكنَّ هذا يجب أن لا يقود إلى إذابة النص ليكون سائبًا مهملًا يحتمل كل شيء ويقبل أي تفسير؛ فهذا شأن النصوص التي لا طائل من ورائها وهي إلى التلبيس والإرباك أقرب من أن تكون نورًا وهداية وبيانًا ورحمة للعالمين

 


 

المصدر:

فهد بن صالح العجلان، معركة النص، المجموعة الأولى.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#فهد-العجلان #معركة-النص
اقرأ أيضا
الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر

الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام


إن إشكالية العقل والنقل قديمة جدا وتكلم فيها العلماء وقتلوها بحثا وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ولكن في وقتنا المعاصر بدأ البعض بالتلاعب في هذه المنطقة فيقول لك: إن الإسلام الصحيح لا يخالف العقل والعبارة تشعر للوهلة الأولى أنها صحيحة ولا مشكلة فيها ولكن الحقيقة أنها تحوي سما داخلها ستعرفه في هذا المقال

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2462
لا تستعجل النتائج | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا تستعجل النتائج


إن القرآن يوجه القلوب والعقول ألا تستعجل النتائج فهي لا بد آتية حسب السنة الماضية التي لا تتبدل وأعمار الأفراد ليست هي المقياس والجولة العارضة ليست هي الجولة الأخيرة قد ينتصر الباطل فترة من الوقت ويزدهر ويتمكن ويعلو في الأرض ولكن هذا ليس نهاية القول ولا نهاية المطاف إنه جزء من سنة الله المتشعبة الجوانب

بقلم: محمد قطب
824
العقل وإدراك الحقائق | مرابط
فكر تفريغات

العقل وإدراك الحقائق


إن الروح التي تسري في نفس الإنسان هي أقرب الأشياء إليه لأنها نفسه ومع ذلك فإن الإنسان يشتد جهله بها كل ما زاد بحثه عنها فالروح ليست من جنس الأشياء المشهودة التي يمكن للعقل الإنساني البحث فيها فليس لها وزن ولا لون ولا حجم ولا تدخل تحت المقاييس الإنسانية فأنى للعقل أن يعرف كنهها وحقيقتها

بقلم: عمر الأشقر
409
مصادر التنظير في التاريخ الإسلامي ج2 | مرابط
مقالات أبحاث

مصادر التنظير في التاريخ الإسلامي ج2


وكثير من المصادر الغربية يغلب عليها الطابع الحداثي في قراءة الأحداث التاريخية أو تحليلها ذلك أنها اعتبرت الشريعة مثل القانون والأمر ليس كذلك نشأت وتطورت تبعا لنمو المجتمع وتطوره فأخضعت كل مجريات تاريخ التشريع الإسلامي لهذا المبدأ! في حين أن الشريعة سابقة على وجود الدولة لا مسبوقة بها حاكمة للمجتمع لا محكومة به والذي يتطور إنما هو وعي الناس بها.

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
319
من أخلاق الكبار: جبير بن مطعم | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: جبير بن مطعم


أنت أيها الزوج كيف تتصرف حينما تتعذر العشرة بينك وبين امرأتك؟ بعض الأزواج يضيق عليها ويشدد الخناق بل بعضهم - ولا أبالغ أيها الإخوة - قد يفصل الكهرباء من البيت ليضطر هذه المرأة بألوان من التضييق والأذى لتطلب الطلاق هي وتفتدي منه وتدفع له ما خسر كما يزعم تدفع له المهر والتكاليف التي دفعها في زواجه وقد استمتع بها ولربما أكل شبابها فأين المروءات؟

بقلم: خالد السبت
339
المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم ج2


يقولون: إن المرأة تتحجب لتخفي عيوبها عن زوجها الذي يريدها فهؤلاء أقوام رأوا في أوروبا الحضارة والمدنية والرقي فظنوا أن المرأة كانت مستعبدة لا تملك من أمرها شيئا فجاءت الحضارة والمدنية الحديثة وأعطت للمرأة شيئا من حقها ولكنهم لم يقفوا عند مرحلة الاعتدال فظنوا أن من الحرية أن تختلط المرأة بالرجل والرجل بالمرأة ومن العدالة أن تتمرد المرأة على تعاليم السماء ومن المساواة أن تعمل المرأة عمل الرجل والرجل عمل المرأة فكانوا بين إفراط وتفريط

بقلم: عمر الأشقر
744