الهروب عن النص إليه

الهروب عن النص إليه | مرابط

الكاتب: فهد بن صالح العجلان

682 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

مخالفة النص أم الفهم؟

إن أردتَ الظفر بالمعنى والحجَّة الأكثر حضورًا لدى خصوم النص الشرعي في كافة قضاياهم التي يصادمون بها النصوص والأحكام الشرعية، فهي - بجدارة - الحجة والبيان القائل: (هي مخالفة لفهم معيَّن للنص الشرعي وليست مخالفة لذات النص الشرعي). وقد تصاغ بأشكال فنية مختلفة، لكن مفعولها إنما يتحرك حين يستشعر أن ثمة تخطيًا أو تعديًا لنص شرعي ما.

 

طبيعة الأحكام الشرعية

1 - لو كان الأمر متعلقًا بالأحكام الشرعية الاجتهادية أو الخلافية أو حتى ما يحتمل وجهًا أو تأويلًا، لكان هذا أمرًا مقبولًا ومستساغًا؛ فما زال العلماء والمجتهدون يختلفون في أحكام الشريعة ويتنازعون وجوه الدلالة وأوجه الترجيح بين الأحكام، وكُتُبُ الشريعة حافلة – من ذلك - بتراث معرفيٍّ ضخم، بل هذا المجال هو المجال الأوسع والأرحب في الشريعة الإسلامية؛ فمدارك الظنون ومساحة الاجتهاد هي أوسع دائرةً وأرحب مجالًا في الشريعة من القطعيات والأحكام الظاهرة.

غير أن الأمر قد تجاوز هذا كله، وأصبح كثير من خصوم النص ينطلق في أحكامه من واقع عصره، ودَافِع هواه وعقله، من غير أن يلتفت للنص الشرعي أو ينظر في دلالته، ثم إذا خَلَص إلى الرأي الذي شاء وشعر بأنه مصادم للنص الشرعي استلَّ تلك المحفوظة المألوفة ورفعها في وجه كل محتسب أو ناصح: (لا أخالف النص وإنما أخالف فهمًا معيَّناًَ للنص).

 

اختلاف العلماء

2 - إن اختلاف العلماء في المسائل الاجتهادية، بل حتى ما هو خارج عنها، كان ثمرة لنظرهم في النصوص الشرعية وتباينهم في تحديد مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم منها، مع إيمانهم القاطع بأن النص هو الحاكم والقائد والدليل الذي يمضي الجميع تحت لوائه، وهو متقرِّر بالضرورة لدى كل فقهاء الإسلام، ومن ثَمَّ فخلافهم كان من النص يبدأ وإليه يعود، ولم يكن حالهم، هو البحث والقراءة من خارج النص ثم يأتي النص بعد ذلك ليكون تابعًا لما قرَّروه وسائرًا في الخط الذي رسموه!

 

التمرير والتبرك

3 - حين يأتي النظر في النص الشرعي بعد الاعتقاد وتحديد الخيارات، فليس هو في الحقيقة إلا شكل من أشكال التمرير أو التبرُّك – إن أحسنَّا الظن - إذ النص الشرعي حينها ليس إلا تابعًا منقادًا لدى أصحاب هذا الخطاب؛ فسواء وُجِد النص أو عُدِم، فلن يتغير في النتيجة شيء يُذكَر.

 

التعامل مع النصوص

4 - وهذه الحالة في التعامل مع النصوص، لا تبرز إلا مع النص الشرعي؛ فهو النص الوحيد الذي يمارَس عليه هذه الطريقة العبثية في تحميله كل ما لا يمكن أن يحتمل من التفسيرات والتأويلات؛ وإلا فلا يمكن لعاقل أن يفسر النص القانوني - مثلًا - بأنه نص يحتمل أكثر من تفسير وأن لكل أحد تفسيره الخاص به لذلك النص؛ لأن هذا تفكير عبثي تمجُّه العقول لإدراكها بفداحة ضرره الدنيوي.

 

تأويل النصوص

5 - إن هذه الطريقة في تأويل النصوص، تعني أن النص الشرعي ليس قائدًا للمسيرة ولا هاديًا للناس، بل هو عَقَبة كؤود في طريق بعض الناس؛ لذلك يسعون للتخلص منه بأي طريقة ممكنة: من التأويل والتحريف، فينتقل النص بهذا من كونه مصدر هداية وحَلٍّ إلى جَعْلِه مشكلة يُسعى للتخلص منها.

وكثيرًا ما يشار في سياق هذه العبارة إلى أن النصوص حمَّالة أوجُه ومحتملة لأكثر من تفسير من غير توضيح لكيفية كون هذا النص - تحديدًا - محتملًا لأكثر من معنى؟ وكيف يكون التفسير الذي يُذكََر متوافقًا مع النص؛ فحين يقرر أحدهم - مثلًا - أن العلاقة بين الجنسين تقوم على الاحترام والثقة ولا اعتبار فيها لمعنى الشهوة، يُذكَّرون دومًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما خلا رجل بامرأة؛ إلا كان الشيطان ثالثهما»؛ فيكتفي حينئذٍ بمقطوعة (النص المحتمِل) من دون أن يبين للناس: ما هو المعنى الذي يحتمله الحديث غير النهي عن الخلوة؟ وكيف يكون الحديث دالًا على أن الشهوة غير معتبَرة في العلاقة بين الرجل والمرأة؟

إن الخلاف في تفسير النص وحُكْمه وعِلَّته مما لا يخفى على أحد، لكنَّ هذا يجب أن لا يقود إلى إذابة النص ليكون سائبًا مهملًا يحتمل كل شيء ويقبل أي تفسير؛ فهذا شأن النصوص التي لا طائل من ورائها وهي إلى التلبيس والإرباك أقرب من أن تكون نورًا وهداية وبيانًا ورحمة للعالمين

 


 

المصدر:

فهد بن صالح العجلان، معركة النص، المجموعة الأولى.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#فهد-العجلان #معركة-النص
اقرأ أيضا
وهم الحياد في البحث العلمي | مرابط
فكر

وهم الحياد في البحث العلمي


الحياد المتخيل في البحث العلمي يكاد أن يصطف في متحف المحالات إلى جوار العنقاء حيث لا يمكن للباحث أن يرى الأشياء ويقيمها ويحكم عليها إلا من خلال مرجعيته التي يؤمن بها ولا يكاد ينفك عن ذلك باحث غربي أو شرقي فالباحثون لا ينطلقون في أحكامهم إلا من مواقفهم الفكرية والسياسية.

بقلم: د. عايض بن سعد الدوسري
341
ظلم المنقبات في البيئة المختلطة | مرابط
فكر مقالات المرأة

ظلم المنقبات في البيئة المختلطة


جلست مع بعض قريباتي وطلبت منهن المقارنة بين الدراسة والعمل في بيئة مختلطة وفي بيئة غير مختلطة كنت أستمع لهن وأغذي النقاش فقط بالأسئلة المفتوحة وكنت أدون بعض ما أسمع أعترف لكم أنني ومع كل قراءاتي حول هذا الموضوع فإنني وقفت أمام براهينهن وحججهن والتفاصيل الواقعية التي يذكرنها موقف الجاهل كنت كأنني صحفي يقرأ في المستصفى للغزالي كانت جلسة مبهرة سأعرض هاهنا بعض ماتعلمته منهن

بقلم: إبراهيم السكران
753
الطفل والأفكار | مرابط
مقالات ثقافة

الطفل والأفكار


وفي المجتمع الذي يدور فيه عالم الأفكار حول محور الأشياء تأخذ الميول الفردية الوجهة ذاتها. ولقد حدث أن سألت طفلا في إحدى البلاد العربية عما كانوا يعطونه في المدرسة ولم ركن استعمالي فعل أعطى متعمدا لكن جوابه العفوي كان ذا دلالة ظاهرة فقد أجابني: إنهم يعطوننا بسكويت. ومن الواضح أن معنى أعطى عنده يتمفصل بادئ الأمر بعالم الأشياء حتى حينما يستعمل الفعل في الإطار المدرسي في صيغة سؤال. وهكذا فالفرد يدفع ضريبة عن اندماجه الاجتماعي إلى الطبيعة وإلى المجتمع.

بقلم: مالك بن نبي
358
هالة البعيد | مرابط
مقالات

هالة البعيد


الوعي أحيانا بحقيقة وتفاهة اللذائذ المادية ذاتها .. وإدراك شيء من زيف ظاهرها الخلاب .. يمنحك قوة مضاعفة في مواجهة الفتنة وهذا هو سر الشيء المدهش في عبارة ابن مفلح .. فبدلا من أن يقدم موعظة خالصة .. عمد إلى تفتيت وهج الفتنة ذاتها.. حيث يقول ابن مفلح في عبارته المركزة: وليحذر العاقل إطلاق البصر فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه.!!

بقلم: إبراهيم السكران
472
حتى لا تكون فتنة | مرابط
اقتباسات وقطوف

حتى لا تكون فتنة


مقتطف من تفسير ابن كثير رحمه الله لسورة الأنفال الآية وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ۚ فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وهنا ندرك معنى الفتنة وكيف فهمها الصحابة وكيف نظروا إلى القتال في حالة الفتنة وفي غير الفتنة

بقلم: ابن كثير
2314
بين المتقاعسين والسباقين | مرابط
تفريغات

بين المتقاعسين والسباقين


وحتى تنجلي صورة الذين يعيشون خارج العصر على الوجه المطلوب فإني سأعرض لمقارنة بين أشخاص يعيشون عصرهم بوعي وكفاءة وسميتهم: السباقين وبين الذين يعيشون خارج العصر وسميتهم: بالمتقاعسين وبعض هذه المعاني قد يتكرر في موضع آخر لكني سأذكرها في سياق هذه المقارنة حتى تترسخ في العقول والنفوس

بقلم: د عبد الكريم بكار
313