الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام

الإسلام الصحيح لا يخالف العقل أم العقل الصحيح لا يخالف الإسلام | مرابط

الكاتب: د فهد بن صالح العجلان

2251 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

هل تجد فرقًا بين النصّين التاليين:

-الإسلام الصحيح لا يخالف العقل.
-العقل الصحيح لا يخالف الإسلام.

 

قد يكون الشخص حين يستعمل هذه العبارة يقصد بها معنى صحيحًا، فهو يريد أن الإسلام الصحيح لا يخالف العقل الصريح، فأي خطأ فهو إما إلى رأي منسوب إلى الإسلام وليس هو من الإسلام وإما هو شيء يظنّ أنه من العقل وليس من العقل، كما هي قاعدة شيخ الإسلام الشهيرة في أنّ التعارض الذي يتوّهم بين العقل والنقل إما هو لكون النقل أو العقل غير صحيح.

 

فهو يريد هذا المعنى سواء قال بالعبارة الأولى أو العبارة الثانية.. فهذا أمره هين، وكما قال العلماء من قديم "لا مشاحة في الاصطلاح" خاصة حين يكون في سياق معين ولا يترتب عليه أي تلبيس. غير أننا حين ندقّق في العبارتين سنجد أن ثم فرقًا كبيرًا بينًا بينهما، وكثير من الناس يختار أحد العبارتين قصدًا وعمدًا لأنه يعرف حقيقة الفرق بين الإطلاقين.

 

الفرق بين العبارتين

 

فالعبارة الصحيحة هي العبارة الثانية التي تقول "العقل الصحيح لا يعارض الإسلام"
وأما العبارة الأولى القائلة "الإسلام الصحيح لا يعارض العقل" فمشكلة وملبسة.

 

لماذا؟

لأن العبارة الأولى الخاطئة جعلت العقل هو المرجع والأصل والأمر الثابت الذي يجب على الإسلام أن لا يخالفه، فإن حصل خلاف فإنه يجب الرجوع إلى الإسلام لمعرفة سبب المشكلة، وحينها فيجب تقييد الإسلام وإخراج الصحيح منه الذي لا يخالف العقل. هذه العبارة لم تقيد العقل، جعلته عقلًا مطلقًا، هو أصل وغاية تحاكم إليه الأمور، وبالتالي فأي معارضة له فلا يمكن أن تكون ذات العقل، بل هي من الشيء الآخر.

 

والخطأ الآخر في العبارة أنها قسّمت الإسلام إلى إسلام صحيح وإسلام غير صحيح. وهذه قد يفهمها بعض الناس على أنّ المقصود بعض التفسيرات الخاطئة للإسلام. لكن هذا خطأ، ومفهوم لا يصحّ لنا أن نقبله، لأن الإسلام واحد، ومصادره محددة، خاصة حين نتكلم عن القطعيات والنصوص الظاهرة، ودور الشخص ليس أن يأخذ من الإسلام الصحيح ويترك الباطل، بل دوره أن يجتهد ليعرف ما ذا يريد الإسلام.

 

ففرق بين قارئ ينظر في الإسلام ليأخذ الصحيح ويترك الباطل. وقارئ يبحث عن ما هو الإسلام ليعمل به.

 

أعرف أن أكثر الناس لا يقصدون به إلا المعنى الصحيح ولا يفطنون لمثل هذه الفروقات، لكنها فروق مقصودة عند بعض الناس، فمن المهم استحضارها،
فأنا حين أقسم العقل إلى صحيح وباطل، فمعناها أنّي لا أؤمن به مطلقًا، بل لديّ مرجعية أعلى منه تجعلني أحاكم هذا العقل وأعرف ما فيه من خطأ وهوى وصواب وقطع، وهو المعنى الذي يسلّم به عامة المسلمين.

 

وهو مؤذٍ كثيرًا لبعض من لديه إشكالية مع النصّ الشرعي، فلا يريدنا أن نتعامل مع العقل بهذه الطريقة، ومن الدهاء العلمي لديهم أن قلبوا الطاولة فأصبحوا يمارسون على النصّ ذات المنهج الذي يمارس على العقل، فأصبحت النصوص بحدّ ذاتها والإسلام بحدّ ذاته لا قيمة له حتى يكون صحيحًا، وكأن الأصل فيه أن لا يكون صحيحًا، وبالتالي فمطالبتك باتباع الإسلام واتباع النص غير مؤثرة، لأن المهم ليس هو الإسلام والنص بل الإسلام الصحيح والنص الصحيح.

 

وهذا الكلام ليس محصورًا على العقل، بل يقال مثله في أشياء أخر، فالإسلام الصحيح لا يعارض الوطنية، والإسلام الصحيح لا يعارض المدنية، والإسلام الصحيح لا يعارض التقدّم والعلم، والإسلام الصحيح لا يعارض التسامح.. ودواليك من المفاهيم المعاصرة، فبدلًا من أن تكون هذه المفاهيم محكومة بالإسلام، فيؤخذ ما فيه من حقّ ويتحفّظ على الباطل، أصبحت هي بحدّ ذاتها مفاهيم مطلقة وكلية ويجب على الإسلام أن لا يعارضها، فإن عارضها فابحث عن المعنى الصحيح، والمعنى الصحيح طبعًا ليس هو ما يدلّ عليه الكتاب والسنة بل ما لا يعارض هذه المفاهيم.

 

الإشكالية الحقيقية

 

الإشكالية أيها الفضلاء إنما تكون في حال التعارض، فحين يتعارض الإسلام مع بعض هذه المفاهيم، فالمنهج الصحيح أن نأخذ بالإسلام ونقيد هذه المفاهيم، وهذا ما تقرره قاعدة "العقل الصحيح لا يعارض الإسلام" فإن حصل تعارض فإن الخطأ حينها سيكون على العقل لأنه لو كان صحيحًا لما عارض، فلما عارض علمنا أن العقل غير صحيح.
وأما حين تقول "الإسلام الصحيح لا يعارض العقل" فإذا حدث تعارض فإن الخلل في الإسلام إذا لو كان صحيحًا لما عارض.

 

والإشكالية الأكبر .. أن معرفة الصحيح من الإسلام وغير الصحيح لن تكون بناءً على نظر في الإسلام ذاته، بل سيكون في الأخذ يما يريده العقل أو غيره، فما في هذه المفاهيم فهو ما يجب على الإسلام قبوله، وهو معنى ينقلب تمامًا حين تكون العبارة "العقل الصحيح" لأن العقل سيقيد بما يوافق الشريعة.

 

وأكرر مرة اخرى .. أن أكثر الناس إنما يقصدون المعنى الصحيح سواء كان العبارة الاولى أو الثانية، ولا إشكال في هذا، لكن من المهم أن يدرك الشخص مثل هذه الفروق خاصة حين يقرأ لبعض من لديه إشكالية في التعامل مع النصّ الشرعي.

 


 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/alajlan/82.htm
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقل-والنقل
اقرأ أيضا
كشمير القضية المنسية | مرابط
توثيقات

كشمير القضية المنسية


في عام 1947م قررت بريطانيا انسحابها من القارة الهندية بعد تقسيمها إلى دولتين هما الهند وباكستان وتركت بعض الولايات منها كشمير لكي تنضم إلى أي دولة وفقا لرغبة جماهيرها وشعوبها وكانت كشمير ذات أغلبية إسلامية غير أن حاكمها هندوسي فنشأت القضية منذ ذلك الوقت حيث دخلت القوات الهندية واحتلت ثلث الأراضي الكشميرية ثم قامت بممارسة العنف والاضطهاد لمنع الشعب المسلم من المطالبة بتقرير مصيره وقد نشبت بين الهند وباكستان لأجل هذه القضية ثلاثة حروب كانت نتيجتها انفصال بنجلادش عن باكستان وإصدار مجلس الأمن ا...

بقلم: أحمد بن حسين الفقيهي
683
منهج السلف في إثبات أسماء الله وصفاته ج2 | مرابط
تفريغات

منهج السلف في إثبات أسماء الله وصفاته ج2


لقد كان الصحابة يثبتون لله الأسماء والصفات كما أثبتها القرآن والسنة ولذلك نحن نقول: كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة وبين يديكم تفريغ لمحاضرة هامة للشيخ أبو إسحق الحويني يقف فيها على مسألة الأسماء والصفات وعقيدة السلف في ذلك

بقلم: أبو إسحق الحويني
718
نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس | مرابط
اقتباسات وقطوف

نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس


وكنت أخبرتك أن سيدنا شيخ الإسلام تقي الدين أبا العباس أحمد بن تيمية -أيده الله وأحسن إليه- أوصاني مرة في سنة ثلاث وسبعمائة وصية بليغة حفظت منها قوله: لا تقصد رضا الناس بأقوالك ولا أفعالك: فإن رضا الناس غاية لا تدرك اليوم إن ترض الناس يشكروك وفي غد تسخطهم يذموك

بقلم: ابن الحبال البعلي
679
مسند الدارمي: نخبة من النصوص النافعة | مرابط
مقالات

مسند الدارمي: نخبة من النصوص النافعة


سأنتخب في هذه الأسطر نصوصا غزيرة النفع مما صح عن علماء القرون الأولى التي ثبت عن النبي ﷺ تفضيلها على بقية قرون هذه الأمة وسيجد فيها القارئ المتفكر عظيم الفائدة مع اختصار الألفاظ والكلمات وكان هذا من سمات علومهم وكلامهم وكل هذه الآثار مستفادة من مسند الدارمي الذي هو أحد الكتب التسعة

بقلم: أحمد يوسف السيد
494
خارطة الإسلام هل هي قابلة للتعديل | مرابط
فكر مقالات

خارطة الإسلام هل هي قابلة للتعديل


الإسلام ليس مجرد أحكام مبعثرة يطلب من الناس الالتزام بها ولا هو مجرد قطع متناثرة على الأرض يمكن للإنسان أن يحركها كيف يشاء وليس هو عبارة عن طوابق يمكن أن يفصل بعضها عن بعض وإنما هو عبارة عن بنيان مرصوص ومتكامل ومتناسق في أجزائه وكيان متداخل في مكوناته وكل لبنة فيه موضوعة في موضعها الأكمل بحكمة وعناية فالمشرع الحكيم في بنائه للمنظومة الإسلامية لم يكتف بمجرد تقرير الأحكام التشريعية فحسب وإنما اهتم أيضا برسم صورة دقيقة لخارطة تلك الأحكام بحيث تكون كل قطعة فيها متواضعة في المكان الأتقن والأجمل

بقلم: سلطان العميري
626
شؤم إنكار السنة | مرابط
تعزيز اليقين

شؤم إنكار السنة


من شؤم إنكار السنة: عدم القدرة على إقامة فرائض الدين الكبرى التي أمر الله بها في القرآن كالصلاة والزكاة والحج إذ إن تفصيلاتها وحدودها وأركانها وواجباتها إنما اتضحت عن طريق السنة.ومن جمال إثبات السنة: وضوح العبادات العملية والقدرة على أدائها ببرهان ويقين ووضوح.

بقلم: أحمد يوسف السيد
208