من أساليب أهل البدع في إثبات بدعهم، وما أحدثوه في الدين هو تحريف آيات الكتاب وأحاديث السنة؛ إما بلي أعناقها لإثبات مقصودهم وأهوائهم، أو بتفسيرها بما يسمى عندهم بالتفسير الباطني، أو تحريف الأحاديث بذكر زيادات لم تصح وغير ذلك، وقد تصدى أهل العلم لهذه التحريفات بفضل الله، فقاموا بتفنيد هذه الشبه، وفضح أهل البدع، بكل ما أوتوه من قوة وبيان.
طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
للمبتدعة طرق شتى في تحريف القرآن والسنة يصلون بها إلى مرامهم، وهذه الخطبة بدايةٌ لفضح هذه الأساليب، فلا يختلف أحدٌ من العلماء أن أعظم جريمة تحيط بالمعنى وهي نزع الكلام عن السياق، وأنها تنتج نتيجة مغايرةً تمامًا لما وضع الكلام له، وهذه طريقة يهودية صرفة.
قال الله تبارك وتعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء:46]، وقال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13]، وقال: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:41]، وقال: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} [البقرة:75] والذين فعلوا هذا هم اليهود، وهذا الكتاب ناطق عليهم فاضح لهم، والسنة أيضًا: ففي صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا وامرأة من اليهود زنيا -رجلٌ محصن وامرأة محصنة، ومعروف أن حد الزاني المحصن عند اليهود كعندنا، وهو الرجم- وفي سنن أبي داود من طريق آخر: أن رجلًا من أحبار اليهود زنى بامرأة، فقال بعضهم لبعض: هلم إلى هذا النبي فإنه جاء بالتخفيف، فإن أتانا بشيء خفيف فعلناه واحتججنا به عند ربنا بأننا تحاكمنا إلى نبيك وحكم بذلك، وقال الله تبارك وتعالى لهؤلاء: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ} [المائدة:43] فلما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن سلام وهو حبر اليهود الذي أسلم، قالوا: يا رسول الله! هذا رجلٌ زنى بهذه المرأة، قال: ألا تجدون شيئًا في كتابكم؟! قال: نجد الجلد والتغريب، قال: ائتوا بالتوراة، فجاءوا بالتوراة، فوضع القارئ يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفعها فوجد آية الرجم.
والكلام عند علماء البيان ثلاثة: خلاف، وسباق، ولحاق، فهذا الكلام يسبقه كلام ويعقبه كلام، فإذا نزعت ما في الوسط عما قبله وبعده أعطاك معنىً مغايرًا لما وضع الكلام له، فلو قرأ قارئ فقال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] وسكت، فهذا نزع للكلام عن السياق، وقد استفاد من هذا النزع شاعر ماجن وهو أبو نواس عندما قال: دع المساجد للعباد تسكنها وطف بنا حول خمار ليسقينا ما قال ربك ويل للأولى سكروا ولكن قال ويل للمصلينا وهو كمن قرأ: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء:43] ولا يقرأ ما قبلها ولا ما بعدها، فهل وضع الكلام لذلك؟ لا.
إذًا: أخذ الكلام من السياق دون مراعاته قلب للحقائق، وإخراج لمعان جديدة لم يوضع لها الكلام، ومن جراء هذه العملية أيضًا قال من قال: إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، فهل هذا صحيح؟ قال: قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:28]، وقال في كيد الشيطان: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76] كذبت.
هذه عن السياق الأول وتلك عن السياق الثاني، فخرج بهذه النتيجة الخاطئة، ولو أخذ السياق كاملًا لاتضح الكلام، فكيد النساء ليس أعظم من كيد الشيطان أبدًا؛ لكن الآية الأولى جاءت مقارنة بين كيد الرجال والنساء في قصة يوسف عليه السلام، فقال الله عز وجل: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:28] أي: في مقابل كيد يوسف عليه السلام، والآية الثانية: كيد الشيطان في مقابل كيد الله، فلذلك كان كيد الشيطان ضعيفًا {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76] فهذا مقابل بكيد الله، فلا شك أن يكون ضعيفًا، فهذا أحد أسلحة المبتدعة؛ وهو: نزع الكلام من السياق، وهو أحد ألوان تحريفهم، لأنه تحريف الكلام عن مواضعه متعدد وهذا أحدها.
إدخال المبتدعة الزيادات غير الصحيحة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
ومن تحريفاتهم أيضًا: أنهم يدخلون الزيادات غير الصحيحة في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام: نشروا ورقة وكانوا يوزعونها، وهي قصة الخوارج: (يخرج قومٌ يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، قالوا: يا رسول الله! صفهم لنا، قال: لحاهم طويلة، وثيابهم قصيرة، إن لقيتوهم فاقتلوهم)، رواه مخبر.
(إن لقيتموهم فاقتلوهم)، ومكتوب في الأسفل: رواه البخاري، وهو كذب مقطوع؛ لأنه يعلم أن الجماهير تقرأ ولا تبحث عن الأصالة ولا عن تأصيل الكلام، لا تكلف نفسها بعد سكوت العلماء، حتى هانوا على الناس، وجاءت الدائرة عليهم الآن فوضعوهم مع الوهابيين في خندق واحد، ألم تكتب مجلة (روز اليوسف) أن شيخ الأزهر هو الذي نشر التطرف، وجعلوا شيخ الأزهر مع الإرهابيين في خندق واحد، وجاءت الدائرة عليه لأنه سكت طويلًا، إن الشر إذا جاء لا يفرق بين أحدٍ، فهو يأخذ الكل كالطوفان الذي لا يميز.
فسكوتهم هو الذي جرأ هؤلاء عليهم، فوالله الذي لا إله غيره إن الراقصات يفتين في دين الله، ويؤخذ برأيهن في كلام الله ورسوله، وينشر هذا في الجرائد والمجلات، أهناك هوان أكثر من هذا؟! كل مهنة لها نقابة إلا هذا الدين ليس له حمى، إن نقابة الأطباء أوقفت أشهر طبيب جراح في الجهاز الهضمي، والكل يعترف بكفاءته -وهو طبيب واحد في مصر ومعدود من أشهر الجراحين في العالم- عندما زعم أنه اخترع دواء للإيدز وجربه على بعض الآدميين، فأوقفوه، وقالوا: ليست أرواح الناس محل التجربة! وكيف يجرب هذا الدواء قبل أن يعرضه على لجنة وتقره؟ فأوقفوه ولم يراع منصبه العلمي، ولا الأوسمة التي حصل عليها؛ لأن هناك نقابة حماية تقوم بحماية أبدان الآدميين، لكن حماية دينهم لا تضر.
وجاءت الدائرة فلم تفرق، وقد قدح أحدهم في مجلة (روز اليوسف) في شيخ الأزهر قدحًا لا تقوله امرأة في شارع، وقال له: إن عدت عدنا، وإن قلت زدنا.
فإذا أهينت أكبر عمامة في البلد ولم ينتصر لها فنحن سنداس بالنعال.
قلت لكم: إن للمبتدعة دولة وعندهم رأس مال، ولا يسأل أحدهم من أين لك هذا؟! لهم طرق شتى في تحريف كلام الله ورسوله، وما ذكرته الآن على سبيل المثال لا الحصر، وإلا فهناك أمثال يشيب لها رأس الولد سنتعرض لها في هذا المسلسل، وهو فضح هؤلاء المبتدعة، وقبح طريقتهم في التعامل مع النصوص الشرعية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.