مواجهة المشكلات

مواجهة المشكلات | مرابط

الكاتب: د عبد الكريم بكار

403 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وهذه إضاءة لبعض النقاط التي تتعلق بمواجهة المشكلات أسوقها في الحروف الصغيرة الآتية:

 

الاعتراف بالمشكلة

أولًا: الاعتراف بالمشكلة على ما هي عليه، دون محاولة طمسها أو تشويهها هو الخطوة الأولى على طريق العلاج، صحيح أن الاعتراف بالحقيقة مر في كثيرٍ من الأحيان، لكن لا يمكن السير في طريق الشفاء من دونه.

 

إن التجهيزات الطبية مهما كانت ضخمةً ومتقدمة لا تعني أي شيء بالنسبة لشخصٍ يعتقد أنه سليم معافى، وإن كثيرًا من المشكلات شبيهة بالسرطان، حيث تتوقف درجة النجاح في معالجته على المرحلة التي يكتشف فيها. ولهذا فإن إهمال المشكلة لن يحلها، وإنما يجعلها تتجه نحو الأسوأ.

هناك أشخاصٌ كثيرون لا يرغبون في إجراء أي تحليلٍ أو فحصٍ طبي، خشية أن يكونوا مصابين بأمراضٍ تحتاج معالجاتها إلى تغييرٍ جذري في نمط معيشتهم، وكثيرٌ من الناس ينتابهم إحساسٌ صادق بوجود مشكلة في حياتهم دون أن يتمكنوا من تحديدها.

 

ويمكن القول: إن كل مشكلة يمكن توصيفها على نحوٍ جيد هي مشكلة محلولةٌ جزئيًا، وعلينا هنا أن نكون على حذر من أن نفكر في تحديد مشكلاتنا وتشخيصها ونحن في حالة خوف، أو اكتئاب حيث أن ذلك يجعل المشكلة تبدو كبيرة ومعقدة، على حين أن البحث فيها ونحن في حالة ثقةٍ وتفاؤل وراحةٍ من الضغوط يجعلها تبدو أصغر، وسوف تصغر أكثر فأكثر عندما نبدأ بمعالجتها.

 

تحدث إلى من تثق به

ثانيًا: مما يساعد على تحديد المشكلة أن يتحدث صاحبها إلى من يثق به ويعرفه، من أب، أو أخٍ كبير، أو زميل، أو صديق، أو طبيبٍ نفسي، أو متخصص في المجال الذي تنتمي إليه المشكلة.

 

ويظل لمشاورة الأصدقاء نوعٌ من الأهمية والخصوصية، فالأصدقاء القريبون جدًا يشكلون انطباعاتٍ واضحة عن أصدقائهم في العادة، وتلك الانطباعات تجعلهم قادرين على إلقاء المزيد من الأضواء على المشكلات التي يعاني منها أصدقاؤهم.

 

أوقات الإجازة والاستراحة أوقاتٌ ملاءمة للتفكير، حيث إن المشكلات تكون أكثر وضوحًا حين نكون بعيدين عنها، وأعرف كثيرًا من الناس الذين يكرهون الحديث عن الأزمات والمشكلات في أوقات الاستراحة والفراغ، حتى لا تنكد عليهم، ولا تعكر عليهم صفاءهم، ومع أن هذا صحيح إلى حدٍ ما، إلا أن الجو النفسي المريح يلائم البحث عن المشكلات أكثر من أي جوٍ آخر.

 

وإذا استطاع الواحد منا أن يحرر مشاعره لينظر في مشكلته على أنها مشكلةٌ إنسانٍ آخر، فإن ذلك سوف يساعد على تحجيم دور العاطفة، والميول الشخصية في المعالجة، وتناول المشكلة بقدرٍ أكبر من الحياد والموضوعية.

 

التركيز على مشكلة واحدة

ثالثًا: لا ينبغي للواحد منا أن يفكر في أكثر من مشكلة في آنٍ واحد، بل إن المطلوب الآن أن يحاول الواحد منا تفتيت المشكلة الواحدة إلى أجزاءٍ عديدة، حتى يمكن فهمها والسيطرة عليها، وبالتالي معالجتها، كما تفعل مؤسسات تعبيد الطرق حين تقسم طريقًا طويلة إلى وصلاتٍ قصيرة. صحيح أن الأمر ليس بالسهولة التي نتصورها، كما أن الفصل بين المشكلات ليس في العادة من الأشياء الجذابة، إلا أن علينا أن نصرّ دائمًا على النجاح في ذلك.

 

بعض الناس يفعل العكس تمامًا، فهو يعمد إلى مشكلاتٍ متعددة ويدمجها في مشكلةٍ واحدة، أو يفسرها بعاملٍ واحد لتتحول الصخور إلى جبلٍ شاهق. وكل واحدٍ منا رأى في حياته أشخاصًا كثيرين يشكو الواحد منهم من العديد من الأزمات والمشكلات المنفصلة، فهو يشكو لك في آنٍ واحد من ألمٍ في ظهره، ومن ابنه الذي لا يطيعه، ومن الديون التي تراكمت عليه، ومن مديره في العمل، والذي يعامله معاملةً قاسية ...إلخ.

 

وهذا خطأٌ بالغ وهو يدل على أن من يفعل ذلك لا يريد حلولًا، ولكن يريد أن يبث شكواه ليس أكثر.. فعلينا ونحن نبحث عن حلول لمشكلاتنا أن ننتبه إلى أمرين:

الأول: أن نعرض عن المتشائمين والمثبطين الذين لا هم لهم سوى بث اليأس، ودلالة الناس على الطرق المسدودة. إن الله جل وعلا ما أنزل داءً إلا أنزل له دواء، وإن كل نظريةٍ أو رؤيةٍ أو مشورة أو فكرة تفضي بالناس إلى الحيرة والعطالة ليست بنظرية، وليست برؤية سديدة؛ لأنها تخالف المبدأ الثابت الذي ذكرناه.

 

الأمر الثاني: أن الذين يشكون من اجتماع المشكلات عليهم قد يكونون اختاروا المجال الخاطئ لنشاطهم، وهذا كثيرًا ما يحدث، وكم من شخص يمارس عملًا أو مهنة لا يملك فيها أي خبرةٍ أو أهلية، ولذا فإن ما يعده مصدر رزقه يصبح مصدرًا مستمرًا لتوليد المشكلات له، والحل الأمثل أن يتخلى الإنسان عن ذلك الميدان، أو ذلك النشاط، ويصير إلى غيره كما قال الشاعر:

إذا لم تستطع شيئًا فدعه     وجاوزه إلى ما تستطيع
وإلا فلن ينتهي من حل مشكلة إلا جاءته مشكلة أخرى.

 

خذ وقتك في التفكير

رابعًا: على الواحد منا أن يمنح نفسه الوقت الكافي للتفكير في المشكلة التي يعاني منها، ومن الطرق المفضلة في التفكير أن يسمح الإنسان لكل الأفكار والخواطر التي لديه بالتدفق والانسياب دون أن ينتقد أيًا منها، وبعد استدرار كل ما لديه وتسجيله، يبدأ بمناقشةٍ كل حلٍ على حدة، وبيان إيجابياته وسلبياته.

 

وعلى الواحد منا أن يثق ببصيرته وحدسه الشخصي، وقد ورد في الحديث: (استفت نفسك وإن أفتاك المفتون) ومن المفيد أن يتعاون مع أحد الأصدقاء أو أحد الخبراء في تقييم تلك الأفكار والحلول، وتجريب ما يقبل التجريب منها بصدقٍ وعزيمة، وفي الغالب سوف يجد المرء نوعًا من الانفراج في مشكلته، ونوعًا من التحسن في وضعيته العامة.

 

الحلول التي يقوم بها الآخرون

خامسًا: هناك خطأٌ شائع يقع فيه كثيرٌ من الناس في كل مكانٍ من الأرض، وهو الميل إلى الحلول التي يمكن أن يقوم بها الآخرون، أو يتحملوا جزءًا منها، ومع أن هذا صحيح إلى حدٍ ما، حيث إن من المشكلات ما يتعلق بأكثر من طرف، وعليهم أن يتعاونوا من أجل حلها، لكن كثيرًا ما يحدث أن يلقي كل طرف عبء الحل على غيره، وتكون النتيجة أن تبقى المشكلة من غير أي حل، وكأننا لم نفعل أي شيء.

 

وانطلاقًا من هذا فإن علينا إذا ما أردنا فعلًا أن نتخلص من مشكلاتنا، أن نبحث عن الحلول التي لا يتوقف تنفيذها على مشاركة الآخرين، ولا شك أن الحل آنذاك قد لا يكون مثاليًا، لكنه يظل أفضل من تعليق المشكلة إلى أجلٍ غير مسمى.

 

اللجوء إلى الله

سادسًا: إن اللجوء إلى الله جل وعلا هو من عتاد المسلم في الكروب، وعلينا ألا نغفل عن هذا الجانب، فلدى الله تعالى من أشكال المعونة وتفريج الكربات أكثر بكثير مما يظن الناس، وأكثر بكثير مما يعرفون. لنجعل من المشكلات والأزمات نقاط انطلاق جديدة، ولنجعل منها مصدرًا لتجديد الوعي واستخراج الإمكانات الكامنة، ومصدرًا للمراجعة والنقد الذاتي، وبذلك تنقلب المحنة إلى منحة.


 

المصدر:

محاضرة العيش في الزمن الصعب

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المشكلات
اقرأ أيضا
مختصر قصة الأندلس الجزء الرابع | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة الأندلس الجزء الرابع


سلسلة مقالات مختصرة تطوف بنا حول الأندلس لنعرف قصتها من البداية حتى النهاية من الفتح إلى السقوط سنعرف كل ما دار من أحداث بين لحظة الفتح والصعود ولحظة الانهيار والأفول والهدف من ذلك أن ندرك ونعي تاريخنا بشكل جيد وأن نتعلم منه حتى نبني للمستقبل

بقلم: موقع قصة الإسلام
1558
صلاح القلوب بالشكر لله على نعمائه | مرابط
اقتباسات وقطوف

صلاح القلوب بالشكر لله على نعمائه


فإن صلاح القلوب بالشكر لله على نعمائه والصبر على بلائه وانتظار الفرج من الله إذا ألمت الملمات واللجوء إلى الله عند جميع المزعجات والمقلقات فأقل الأحوال عند هذا المؤمن أن تتقابل عنده المصائب والمحاب والأفراح والأتراح وقد تصل الحال بخواص المؤمنين إلى أن أفراحهم ومسراتهم عند المصيبات تزيد على ما يحصل فيها من الحزن والكدر الذي جبلت عليه النفوس

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
376
الغلو نبتة سلفية | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الغلو نبتة سلفية


يقولون: أن الغلو هو نبتة سلفية أو ظاهرة سلفية أو منتج سلفي أو غيرها من عبارات تصاغ للتعبير عن فكرة واحدة وهي: أن السلفية سبب لظهور الغلو وهي التي تتحمل تبعاته وآثاره وذلك أن الغلاة ينتسبون إلى السلفية ويستدلون بأصول السلفية ويستندون إلى رموزها ومقولاتها وهذا يعني أن المشكلة في السلفية نفسها وبين يديكم مقال هام للرد على هذه الفرية

بقلم: فهد بن صالح العجلان وعبد الله بن صالح العجيري
781
العجمة وظهور البدع | مرابط
تفريغات

العجمة وظهور البدع


ينبغي للإنسان إذا أراد أن يفهم مسائل الدين أصولا وفروعا أن يرجع إلى أقوال أهل العربية من أهل العلم والفضل وصدر ذلك هم الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في المدينة ومكة وكذلك أيضا الأجلة من فقهاء التابعين في المدينة ومكة فينبغي له أن يعرف أقوالهم وأن يتبصر بها ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم إنما فضل أصحابه لهذا الباب وكذلك أيضا إنما جاء تفضيل المدينة وأهلها وفضل سكناها باعتبار أن البدع فيها أقل من غيرها.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
561
الأسباب والنتائج | مرابط
اقتباسات وقطوف

الأسباب والنتائج


كثيرا ما يرتبط في أذهاننا أن قوة النتائج مرتبطة بما يظهر من قوة الأسباب في مظاهرها وغطائها المادي ولذلك تهفو النفوس للتعلق بالسبب كثيرا ما يمور في عقولنا تصورات مسبقة أن أقوى الناس هم أولئك الذين يملكون أقوى الأسباب المادية وقد أثار انتباهي تنبيه لطيف لأحد السلف يزلزل هذه القناعات والتصورات المطمورة وقد نقله أبو العباس ابن تيمية واحتفى به في عدة مواضع من كتبه

بقلم: إبراهيم السكران
850
كيف استطاع هتلر أن يتحكم بالأطفال | مرابط
تاريخ فكر مقالات ثقافة

كيف استطاع هتلر أن يتحكم بالأطفال


في الموروث الثقافي الألماني يكون الأب هو سيد البيت والبقية لا يملكون سوى الطاعة من غير سؤال وهكذا كان هتلر بالنسبة للمجتمع الألماني هو الوحيد المسؤول وهو الوحيد الذي له السمع والطاعة فقد نقل مفهوم الأب من البيت إلى إدارة الدولة وكان دائما يستخدم في خطابه مع الأطفال مفاهيم الأبوة فكان يقول: إنه يهتم بأمرهم وبمستقبلهم وإنه يحبهم ويرعاهم

بقلم: محمد علي فرح
491