نظرة الإسلام للثقة بالنفس

نظرة الإسلام للثقة بالنفس | مرابط

الكاتب: عبد الرحمن بن ناصر البراك

463 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

السؤال: سمعتُ بعض المنتسبين إلى العلم يقول: إنَّ لفظ "الثقة بالنفس" لا يجوز، وعلَّلوا ذلك بأن على المرء أن يثق بالله في كل شؤونه لا بنفسه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء: «ولا تكلني لنفسي طرفة عين»،[1] ويتناولُ علمُ النفس وبعضُ المختصين فيه من المسلمين هذا اللفظ "الثقة بالنفس" على أنه ضرورة ملحَّة لكل مسلم؛ إذ إن القدر المعقول من الثقة بالنفس غير المؤدية للغرور والتكبر، تمكِّن الإنسان مِن التقدُّم في الحياة، وتحمِّل الأمانة، وقول الحق، والصبر والدعوة والأمر بالمعروف؛ فإن الإنسان الذي لا يثق بقدرته وعلمه وإمكاناته، لن يستطيع تحمل أعباء الحياة، حتى التكاليف الشرعية في حدها الأدنى، فإنه سيعجز عنها، وقالوا: إن الثقة بالنفس لا تنافي الثقة بالله، بل تخرج عنها لأنها من قبيل قولنا: إن لكل إنسان مشيئة خاصة لا تخرج عن مشيئة الله العامة. فلعكم تعطون الجواب في ذلك وافيًا، بارك الله حياتكم وعلمكم.
 
الجواب: الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أما بعد:

فعبارة "الثِّقة بالنفس" تأتي في كلام الناس على وجهين:

أحدهما: أن يُراد بها الاعتماد على الحول والقوة وما أوتيه الإنسان من قُدَرٍ عقليَّة وبدنيَّة، وأنَّه بما أُوتي من ذلك يصل إلى مطالبه غافلًا عن ربِّه الذي لا يكون شيءٌ في هذا الكون إلا ما شاءه سبحانه؛ فالثِّقة بالنفس من هذا الوجه هي من قَبيل الاعتماد على الأسباب، وهذا نوعٌ من الشرك، وهو مناقضٌ لما يجب من التَّوكِّل على الله، فهذا هو الوجه المذموم الذي يجب النهي عنه، فلا يجوز إطلاق هذه العبارة مرادًا بها هذا المعنى.[2]

الوجه الثاني: الثِّقة بالنفس، بمعنى الشُّعور بما أنعم الله على العبد من قُدَرٍ ومواهبَ تمكِّنه من الوصول إلى مطالبه، مستحضرًا فضل الله عليه، فهو بذلك لا يحتقر نفسه عن المطالب العالية، خلاف من يشعر بالنقص والعجز؛ فإنه لا يُقدِم في مواضع الإقدام، لأنه غيرُ واثقٍ بقدرته على هذا المطلوب، فتصغرُ همَّته، ويغلبُ عليه الجبن، أمَّا الواثق بنفسه شعورًا بما وهبه الله فإنه شجاعٌ مِقدامٌ طموحٌ إلى المراتب العليا، وهمَّتُه عالية؛ فنفسه بذلك كبيرة يصدق عليه قول الشاعر:
وإذا كانتِ النفوسُ كبـارًا       تعبتْ في مـرادِها الأجســـامُ[3]

ويدخل في هذا الوجه من معنى الثِّقة بالنَّفس: استغناءُ الإنسان عن الناس، بعدم الالتفات إليهم للوصول إلى مطالبه، متوكِّلا على ربِّه مفتقرًا إليه جلَّ وعلا؛ فهذا الوجه من الثِّقة بالنفس من أنواع الكمالات الإنسانيَّة، وهو الذي يتعلق به المدح؛ لأنه يجمع بين التَّوكِّل على الله وحده وفعل الأسباب؛ فإطلاق العبارة بهذا المعنى لا بأس به، وهذا هو الصراط المستقيم في هذا المقام، والله هو الهادي من يشاء إلى صراط مستقيم. والله أعلم.[4]
 


 

المراجع:

  1. أخرجه النسائي في الكبرى (10330)، والحاكم -ط الحرمين-(2052) عن أنس بن مالك رضي الله عنه وقال الحاكم: " " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وحسنه الألباني في الصحيحة (227). وأخرجه أحمد (20430)، والبخاري في الأدب المفرد (701)، وأبو داود (5090)، عن أبي بكرة رضي الله عنه وصححه ابن حبان (970)، وحسنه الألباني في تخريج الكلم الطيب (رقم 121).
  2. ينظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (1/170 رقم 87).
  3. ديوان المتنبي -ت عزام- (ص289).
  4. ينظر توجيه بنحوه للشيخ ابن عثيمين في: فتاوى إسلامية- جمع وترتيب محمد المسند- (4/480).
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الثقة-بالنفس
اقرأ أيضا
الإبداع والانقطاع | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

الإبداع والانقطاع


وما كان لمحمود شاكر أن يستوعب المكتبة العربية قراءة وفحصا واطلاعا إلا حين اعتزل الناس عشر سنوات كاملات كما أخبر عن نفسه! وما كان لك أنت أنت.. يا من تقرأ أن تحظى ببعض الثقافة إلا حين انقطعت سويعات أورثتك طرفا من علم

بقلم: د. علي العمران
433
فن أصول التفسير ج4 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج4


في قضية مصادر التفسير ممكن نقسمها إلى: المصادر النقلية البحتة والمصادر النقلية النسبية ومصادر الاجتهاد الآن من هو المفسر الأول للقرآن أو قل: ما هو المصدر الأول لتفسير القرآن القرآن نفسه ثم المصدر الثاني السنة ثم المصدر الثالث: الصحابة

بقلم: مساعد الطيار
706
حقيقة الصوم | مرابط
اقتباسات وقطوف

حقيقة الصوم


وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون

بقلم: ابن القيم
347
المدرسة العقلانية المعاصرة | مرابط
فكر تفريغات

المدرسة العقلانية المعاصرة


الآن نتكلم على قضية الذين يقدمون آرائهم على الكتاب والسنة وبالذات من المعاصرين يعني ما يسمى بالمدرسة العقلانية المعاصرة طبعا ينتمي إلى هذه المدرسة عدد من المعاصرين استطاعوا أن يقعدوا لها قواعد ويضعوا الأصول الخاصة بهم وبالطبع درجات انحرافهم متباينة ومتفاوتة وهذا ما سنعرفه

بقلم: محمد صالح المنجد
2619
وقفات مع قصة موسى عليه السلام | مرابط
تفريغات

وقفات مع قصة موسى عليه السلام


ولتعلم أن الذي يتوجه إلى الله عز وجل بقلبه فإنه لا يخيبه إنك لو قصدت رجلا شريفا نبيلا وقلت له: احمني فإنه لا يسلمك إلى عدوك لأن هذا هو المناسب لكرمه وحلمه ونبله وشرفه لما خرج سفيان الثوري رحمه الله هاربا من الخليفة لقيه أحد عمال الخليفة وكان رجلا جوادا كريما اسمه معن بن زائدة فلما لقيه معن وكان لا يعرفه قال له: من أنت قال: أنا عبد الله بن عبد الرحمن فقال: نشدتك الله لما انتسبت إلي لأنه بإمكان أي واحد في الدنيا أن يقول: أنا عبد الله بن عبد الرحمن فناشده الله أن ينسب نفسه

بقلم: أبو إسحق الحويني
1074
الإيمان بالرسل | مرابط
تعزيز اليقين

الإيمان بالرسل


الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى البشر رسلا منهم يتلون عليهم آيات الله ويزكونهم وأن هؤلاء الرسل أولهم نوح عليه الصلاة والسلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وأما قبل نوح فلم يبعث رسول ولهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا: إن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده

بقلم: ابن عثيمين
523