الحلول الغربية للحمل غير الشرعي
إن الغربيين عندما اعتبروا أن المرأة تملك جسدها وهي حرة في التصرف فيه وتهب نفسها لمن تهوى من غير قيم ولا ضوابط إلا رغبتها وميولها الذاتية، وأن ذلك فعل فردي شخصي لا يحق للمجتمع أن يقيده ويتدخل فيه، عند ذلك زادت حالات الحمل غير الشرعي، وأصبحت مشكلة متعددة الأوجه والأبعاد، وبدلا من أن يفكر الغربيون بمعالجة أصل الداء وجذره، أصبحوا يبحثون عن حلول لأعراضه، وكأن الزنا والإباحية أصل لا يمس، وثابت من ثوابت المجتمع لا يتغير، وفي مسعاهم للحل طرحوا أمورًا عدة، منها:
تسهيل الحصول على موانع الحمل ورفع الحظر عنها، وتوفيرها في الجامعات والمدارس بأسعار رمزية أو بدون سعر، وتمكين المراهقات من الحصول عليها حتى دون سن الزواج، ومنها تحمل الحكومة للنفقات الباهظة لرعاية المولود وأمه لفترة كافية بل ضمانه لحد البلوغ، وعدم حرمان المولود وأمه من أية حقوق متوفرة للأم والمولود الشرعي، وتوفر دور حضانة لرعايته حتى لو تخلت الأم عنه، ومن الحلول التي طرحتها أيضًا مسألة إشاعة التربية الجنسية والتناسلية وجعلها من مطلوبات المدارس حتى في المرحلة الابتدائية لتعريف الأطفال بالعملية الجنسية المأمونة وطرق المنع..
ظهور حل الإجهاض
ولكن يبدو أن هذا لم يكن كافيًا، فطرح الإجهاض أيضًا كحل مقبول بل وضروري من قبل الحركات النسوية ومن أيدها، وطالبت الأنثوية الحكومات بإصدار تشريعات متساهلة بحق الإجهاض، وفي فترات لاحقة طالبن بإصدار تشريع مطلب وحاسم في سبيل اعتبار الإجهاض حقًا أساسيا من حقوق المرأة، ﻷنها حرة في التصرف في جسدها والجنين جزء منها، فهي التي تقرر مصيره، وسمت هذا "حق المرأة في الاختيار"
ويعد الإجهاض الآن أحد أهم مطالب الحركة الأنثوية في العالم تتجلى في كل مشاريعها وبرامجها ومؤتمراتها وحتى مواثيقها الدولية، وقد كان هذا الموضوع واحدا من أهم القضايا التي أثارت جدلا واسعًا في مؤتمري (السكان والمرأة) في كل من القاهرة وبكين، ولقد وقف كل من الأزهر والفاتكيان موقفا واحدًا في رفضه وإدانته، بل إن هناك الكثير من الحركات النسوية المحافظة والحركات النسوية المضادة للأنثوية (Antifeminist) وجمعيات حقوق الإنسان ومنظمات الأسرة والحقوقيين وغيرهم في العالم الغربي، يدينون هذه الفعلة المنكرة خصوصًا بعد اكتمال نمو الجنين في الجسم ويعتبرونها جريمة قتل متعمدة، فحين يعرف أنصار الأنثوية الإجهاض بأنه: عملية إنهاء حمل غير مرغوب فيه، يعرفونه هم: بأنه عملية قتل جنين غير مرغوب فيه(1).
والإحصائيات تشير إلى أن حوالي 40 إلى 60 مليون امرأة في العالم تحاول إجراء عملية إجهاض جنين غير مرغوب فيه وهذا يعني قتل 40 إلى 60 مليون جنين (2)، إذا فإن المسألة خطيرة جدًا، وتحتاج لوقفة حازمة إزاء هذا التدني المريع في أخلاقيات البشر في عصر وقرن يدعى حقوق الإنسان، بل حقوق البيئة والحيوان، وتفتخر البشرية بإنجازات هائلة في كل المجالات على حد الزهو والإعجاب المفرط الذي يدعي نهاية التاريخ.
ومما ينبغي الإشارة إليه هو أن الإجهاض بالرغم من تشريعه وإباحته في روسيا عام 1920 وبريطانيا عام 1967 وكندا عام 1969 وألمانيا الغربية عام 1976 وأمريكا 1973.. إلخ، فإنه لم يؤد إلى انخفاض في الولادات غير الشرعية بل ظلت هي أيضًا في زيادة وارتفاع.
الإجهاض وتعداد السكان
ولا يعزي تأخر بعض هذه الدول أو ترددها في تقنين الإجهاض إلى الآن إلى أسباب أخلاقية أو دينية بقدر ما يرجع إلى خوفها الشديد من النقص السكاني، وقلة الخصوبة الموجودة عندهم -بالرغم من تكدس ثروات العالم لديهم- بالمقارنة بالدول النامية الفقيرة والتي تشهد طفرات هائلة في الزيادة السكانية تهدد المستقبل الديموغرافي في العالم من وجهة نظر الأغنياء في الغرب، وليس أدل على ذلك تأييد هذه الدول بل وصياغتهم المواثيق الدولية الداعية لتنظيم الأسرة وتحديد السكان سواء بموانع الحمل أو الإجهاض أو غير ذلك من الوسائل، فالهدف التقليل قدر ما أمكن من عدد السكان في الدول النامية حتى لا يتزاحم الفقراء على موائد الأغنياء، وهذا التوظيف السياسي للإجهاض يبرز أكثر حينما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط الإسلامي لوجود الصراع الإسلامي-الصهيوني، وتخوف الصهاينة ومعهم الأمريكان وبعض الدول الأوروبية على مستقبل اليهود وسط المحيط السكاني والإسلامي.
أسباب دعم الإجهاض
ولكن بالرغم من التسييس السابق الموجود، فإن جهد الحركات الأنثوية لا شك كان له الدور الأعظم على المستوى المحلي للدول، وللحركات هذه أكثر من سبب في دعم الإجهاض وإيجاد مخرج قانوني له، ومن هذه الأسباب: رفض الأسرة والإنجاب أصلًا، كما سبق بيانه سواء بطريق شرعي أو غير شرعي، ثم تعويق الولادة لحرية المرأة وانطلاقها في تحقيق ذاتها، غلبة دورها الإنجابي على الدور الإنتاجي، والمشاركة القيادية في مجالات الحياة العامة، ومن أبرز الأسباب زيادة الفقر والحاجة في الوسط النسائي بعد الولادات.
وهذا الأمر الأخير كان مهما أكثر عندما لم تكن هناك ضمانات اجتماعية كافية، وأهميته باقية في الدول التي لا يوجد فيها هذا الضمان حتى الآن، ومن الأسباب المهمة أيضا لجوء المرأة إلى الإجهاض بشكل سري وفي عيادات غير مؤهلة صحيا وعلميا أو لجوء المرأة إلى طرق خطرة وغير علمية في الريف للتخلص من الجنين طالما كان الحظر باقيًا، ومن الأسباب أيضًا فقدان المرأة بالولادة بعضا من جمالياتها الجسدية والتي تعتبر رأس مال مهم في زمن التنافس على الإغراء، والتسابق في المتعة والزينة.. وهلم جرًا.
الرابطة القومية لممارسة حق الإجهاض
وأخيرًا بقي أن نقول إن من شدة اهتمام الأنثوية بهذا المطلب أن هناك منظمات نسائية حملت مثل هذه الأسماء "الرابطة القومية لممارسة حق الإجهاض" أو بالإنجليزية "Nantional Abortion Rights Action League" ويعتقد مؤيدو هذه الحركات أن المرأة هي التي تلد، وهي التي تتحمل نتائج الولادة، وأن الجنين جزء منها فبالتالي الإجهاض يكون من حقها فقط ولا يحق للأطباء ولا للآباء البيولوجيين وبطرق أولى ليس لغيرهم (مثل المجالس النيابية والمحاكم) أن تصدر قانونا يمنع المرأة من هذا الحق، قالوا إن النساء يمارسن هذه العادة بالرغم من وجود حظر قانوني، ومارسنها مئات الآلاف من المرات وسيمارسنها مستقبلًا مع بقاء القانون.
والفارق هو أنهن يمارسنها في وضعيات خطرة وأماكن غير مؤهلة بالتالي تشكل خطرا على صحتهن ولن يستطيع القانون منعهن، إذًا الأولى فك هذا القيد والحفاظ على هيبة القوانين بإلغاء قانون هو غير عملي، ولا يطبق فعليا بل ينتهك كل يوم في كل مكان (3)
تطورات أزمة الإجهاض
ورد مخالفوهم على هذه الادعاءات، والجدل ساخن إلى هذه اللحظة، ولعل الدول الغربية وخصوصًا أمريكا لا توجد فيها قضية أكثر سخونة وجدلية من هذه القضية من بعد السبعينات وإلى الآن، ولا زالت تدرج كقضية مهمة في البرنامج الانتخابي للأحزاب وخصوصًا الحزب الديمقراطي الذي يناصر الإجهاض والشذوذ وغيرهما من فضائح المجتمعات المعاصرة، "ولقد وصل الخلاف في أمريكا حول هذه المسألة إلى حد المواجهة المسلحة، ﻹقد شهدت البلاد الكثير من الاغتيالات ضد الأطباء الذين يقومون بإجراء تلك العمليات، وانفجرت عشرات القنابل في عيادات الإجهاض، كما تم تخريب العشرات منها، وتلقى العاملون فيها والراغبات في إجراء العملية خطابات تخديد، واضطر الأطباء إلى ارتداء القمصان الواقية من الرصاص، كما قام مناهضو الإجهاض بتنظيم مظاهرات عديدة وترديد شعارات صاخبة لعدة ساعات أمام العيادات والمستشفيات"(4)
الإشارات المرجعية:
- دكتورة شذى سلمان، المرأة المسلمة، ص88
- المرجع نفسه، ص88
- عبد الله محمدي، (حكومت أشنايي باعلم سياست)، ص25
- مجلة السياسة الدولية، العدد 118، أكتوبر 1994، ص77
المصدر:
مثنى أمين الكردستاني، حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر، ص171