كان عمر يضاعف العقوبة على أهل بيته إذا وقعوا فيما نهى عنه الناس، وقد حرمهم من الولايات في حياته وبعد وفاته.
عن ابن عمر قال: كان عمر بن الخطاب إذا نهى الناس عن شيء دخل إلى أهله أو قال جمع أهله فقال: إني نهيت عن كذا وكذا، والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتي برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس إلا أضعفت له العقوبة لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر!
وفي رواية: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء جمع أهل بيته فقال إني نهيت الناس كذا وكذا، وإن الناس لينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأيم الله لا أجد أحدًا منكم فعله إلا أضعفت له العقوبة ضعفين
وعن عبد الله بن عمر قال: شرب أخي عبد الرحمن بن عمر وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث ونحن بمصر في خلافة عمر فسكرا، فلما صحوا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه، فقال عبد الله بن عمر ولم أشعر أنهما أتيا عمروا بن العاص، قال فذكر لي أخي أنه قد سكر، فقلت له ادخل الدار أطهرك فآذنني أنه قد حدث الأمير، قال عبد الله بن عمر: قلت والله لا يحلق اليوم على رءوس الناس ادخل أحلقك، وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحد، فدخل معه الدار، قال عبد الله بن عمر فحلقت أخي بيدي ثم جلدهم عمرو بن العاص، فسمع عمر بذلك فكتب إلي ابعث إلي بعبد الرحمن بن عمر على قتب، ففعل ذلك عمرو بن العاص، فلما قدم عبد الرحمن على عمر جلده وعاقبه من أجل مكانه منه ثم أرسله فلبث شهرا صحيحًا، ثم أصابه قدره فحسب الناس عامة أنه مات ن جلد عمر، ولم يمت من جلده.
كما كان عمر يقوم بالقصاص من الولاة إذا اعتدوا على أحد من الرعية، وقد خطب يومًا فقال: ألا إني والله ما أبعث إليكم عمالا ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أبثعهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفسي بيده لأقصنه منه، فوثب عمرو بن العاص فقال يا أمير المؤمنين أرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعية، فأدب بعض رعيته إنك لمقصه منه؟ قال أي والذي نفس عمر بيده لأقصنه منه، كيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقص من نفسه؟ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم من حقوقهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم
وكان عمر يمنع أهل بيته الاستفادة من مكانتهم منه في البيع والشراء والتجارة والمصالح العامة، حيث يحابيهم التجار في ذلك، فكان يصادر عليهم جزءا من أرباحهم ويجعلها في بيت المال، فعن ابن عمر قال: شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفًا، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده أكنت مفتدي به؟ قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك، فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسؤول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش لك ربح درهم، قال: ثد دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إلي ثمانين ألفًا، وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه بين من شهدوا الوقعة، ومن ماتوا بدفعه لورثتهم
وعن عبد الله بن عمر قال: اشتريت إبلا وأنجعتها إلى الحمى، فلما سمنت قدمت بها، فدخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه السوق، فرأى إبلا سمانا، فقال لمن هذه الإبل؟ قيل لعبد الله بن عمر، فجعل يقول: يا عبد اله بن عمر بخ بخ ابن أمير المؤمنين! قال فجئته أسعى، فقلت ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال ما هذه الإبل؟ قال قلت إبل أنضاء اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى ابتغي ما يبتغي المسلمون، فقال أربعوا إبل ابن أمير المؤمنين! اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين! يا عبد الله بن عمر أغد على رأس مالك واجعل باقيه في بيت مال المسلمين
قال البيهقي: وهذا الأثر يدل على أن غير النبي، صلى الله عليه وسلم، ليس له أن يحمي لنفسه، وفيه وفيما قبله دلالة على أن قول النبي، صلى الله عليه وسلم، لا حمى إلا لله ورسوله، أراد به أن لا حمى إلا على مثل ما حمى عليه رسوله في صلاح المسلمين
المصدر:
د. حاكم المطيري، تحرير الإنسان وتجريد الطغيان، ص440