أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم

أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم | مرابط

الكاتب: د راغب السرجاني

761 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

تحقق نصر الله لرسوله والمؤمنين عند بذل الأسباب

نحن لسنا أعز على الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد مضت معه هذه السنة في كل حياته.

 

تحقق النصر في بدر

فقد واجه في بدر مثلًا أبشع أجيال الكافرين يتزعمهم فرعون هذه الأمة لمقاتلة خير أجيال الأرض يقودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم تنزل الطير الأبابيل على جيش الكافرين لتمنع الموقعة بينهم، بل على العكس كل الملابسات كانت تدفع دفعًا إلى القتال على غير رغبة الطرفين، قال الله عز وجل: وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [الأنفال:42]. ويقول في موضع آخر: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [الأنفال:44]، فلا بد من اللقاء، ولن تنزل الطير الأبابيل قبل اللقاء، مع أن جيش المؤمنين أكرم على الله عز وجل من أهل مكة حين غزاها أبرهة عليه لعنة الله، ولكنها السنة الجديدة تقول: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، فلا بد من اختيار المكان، ولا بد من الشورى الحقيقية وتنظيم الصفوف والتأليف بين القلوب، وحمل السيوف، ولا بد من خطة محكمة ودعاء في كل وقت، وثبات راسخ وجراح وآلام ودماء وشهداء، وعند ذلك ستنزل الطير الأبابيل في صورة ملائكة أو مطر أو رعب في قلوب الكافرين، أو في صورة فرقة وتشتت في صفوف أعداء الدين، أو في أي صورة يختارها الله رب العالمين، لكن المهم أنه لا بد من عمل وحركة وإيجابية.

 

تحقق النصر في الأحزاب

وفي الأحزاب مثلًا كان جيش الكافرين عشرة الآلاف يحاصرون خير الأنبياء والأصحاب ويهددون الإسلام بالاستئصال، وكان الحق الكامل في داخل المدينة، والباطل الكامل حولها، ومع ذلك لم تنزل الطير الأبابيل على جيش الكافرين، ولم يحدث لهم خسف ولا صاعقة ولا صيحة ولا طوفان، فالسنة واضحة، إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، فلا بد من اليقين بالنصر والوحدة بين المؤمنين والخطة المناسبة وحفر الخندق والصبر على الجوع وعقد الأحلاف وفك الرباط بين صفوف المشركين واليهود وحسن المبارزة وقوة المخابرات، كل ذلك جنبًا إلى جنب مع العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة، وعندما يحدث كل ذلك ينزل نصر الله عز وجل على عباده الثابتين، وتنزل الطير الأبابيل أو أشباهها في صورة ريح وفرقة بين المشركين واليهود ورعب، المهم أنه لا بد من عمل دءوب صالح مخلص لله عز وجل.

 

عدم مخالفة المنهج في أحد

وفي أحد هزم المسلمون الأكرمون من الكافرين الملحدين لما خالف المسلمون المنهج، وخاطب الله عز وجل رسوله والمؤمنين فقال: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا [آل عمران:165]، أي: أنه عجب المؤمنون لماذا هزمهم الكافرون؟ قال الله عز وجل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا [آل عمران:165]، أي: قبل ذلك انتصرتم في بدر، ثم بعد أن هزمتم تقولون أنى هذا؟ قال الله عز وجل: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].

والمسلمون لم يخالفوا في أحد فقط مخالفة تكتيكية بترك الرماة للجبل، وإنما خالفوا مخالفة قلبية خطيرة، قال الله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا [آل عمران:152]، ولم تنزل الطير الأبابيل على المسلمين لتنقذهم من أخطائهم، فالسنة المستقرة هي: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

وتذكروا أننا لسنا في زمان أبرهة، وإنما نحن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زمان سنة الله التي وضعها لأمة رسوله صلى الله عليه وسلم.


أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم


إننا نتساءل اليوم ما العمل مع هذا الوضع التي تعيشه أمة الإسلام في هذه الأيام؟ وما العمل مع المأساة التي تمر بها العراق والمصائب التي تعاني منها فلسطين والكوارث التي تتوالى على الشيشان والظلم الذي يقع على المسلمين في كشمير وفي البوسنة وفي كوسوفو وفي الفلبين وفي بورما وفي أفغانستان وفي السودان وفي ليبيا وفي غيرها من بلاد المسلمين؟

إن المشكلة ليست مشكلة دولة أو مجتمع أو فرد، وإنما هي مشكلة أمة كاملة، أمة عاشت سنوات تقود غيرها فإذا بها اليوم تقاد، أمة رفعت رأسها قرونًا فإذا هي اليوم تطأطئ رأسها للشرق وللغرب، أمة ظلت دهرًا تعلم الناس الخير وتضرب لهم الأمثال في الأخلاق، وتأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل، فإذا بها بعد أن عرفت طريق الهدى وعرفت به تتبع هذا وذاك، وهذه مشكلة خطيرة.

إخواني في الله! أنا لست مع أنصاف الحلول وتمييع القضايا والعلاج المؤقت، ولا أريد تفريغًا للشحنات ولا مهبطات للحرارة دون علاج للأسباب الحقيقية للمرض، ولا أريد شعارات جوفاء ولا أصواتًا عالية ولا تشنجات مفتعلة، ولا إلصاق أخطائنا ومشاكلنا وهمومنا بحاكم أو بعالم أو بداعية أو بجماعة أو بصديق أو بعدو، وإنما أريد فقهًا عميقًا لأسباب المرض وعلاجًا شرعيًا له.

والمشكلة في اعتقادي فكرية في المقام الأول، وهي سوء فهم خطير لكثير من الأصول الثوابت في الإسلام، سوء فهم وقد انتشر سوء الفهم هذا في أبناء الأمة من أقصاها إلى أقصاها إلا من رحم الله عز وجل. والحل هو في العودة إلى فهم الإسلام من مصادره الأصيلة.

ففي قضية العراق مثلًا تعددت الأطروحات لعلاج هذه القضية، فواحد يقول مثلًا: على صدام حسين أن يتنحى، وآخر يقول: على الدول العربية أن تسير في الطرق السلمية مهما تفاقم الأمر، وعلى الأمم المتحدة أن تتحرك، وعلى الأمريكان أن ينهوا المشكلة بسرعة، وعلى العراق أن يدمر كل أسلحته، وعلى المسلمين أن يستنفروا الصين وألمانيا وفرنسا وروسيا للوقوف أمام أمريكا، وثالث يقول: نريد درعًا بشريًا في العراق.

إخواني في الله! هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيضع هذه الأطروحات لو كان يتابع معنا الموقف في العراق؟! فنحن نريد توحيد المفاهيم على أساس شرع الله عز وجل، ونريد حركة بهذه المفاهيم وسط أبنائنا وأحفادنا وجيراننا ومجتمعاتنا، ونريد عملًا بكل مفهوم علمنا أنه في دين الله عز وجل.

 


 

المصدر:

محاضرة لسنا في زمن أبرهة، للدكتور راغب السرجاني

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
بين المحكم والمتشابه في القرآن الكريم | مرابط
تعزيز اليقين

بين المحكم والمتشابه في القرآن الكريم


والمحكم ضد المتشابه وهو ما لا يحتمل في الشريعة إلا قولا ووجها سائغا واحدا وعرف أحمد المحكم: بأنه الذي ليس فيه اختلاف ومراده: ما استقل بالبيان بنفسه فلم يحتج لغيره فقد روى ابن أبي حاتم وابن المنذر والطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: محكمات الكتاب: ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل بهوبنحو هذا قال عكرمه ومجاهد وقتادة وغيرهم.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
259
شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج2


هذه دراسة نقدية تبرز أهم الشبهات التي أثارها الحداثيون العرب حول تدوين السنة النبوية وما يتعلق به ولقد حاولت ذكر أبرز الشبهات المتداولة حديثا بين أوساط الحداثيين والعقلانيين وبينت بطلان هذه الشبهات معتمدا في ذلك على جملة من الأدلة العقلية والنقلية ومستعينا بأقوال جملة من أهل العلم ممن درسوا هذه الشبهات وبينوا زيفها متتبعين في ذلك سقطاتهم ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها والله الموفق والمستعان وعلى نبيه الصلاة السلام

بقلم: شنوف عبدالهادي
1808
مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية | مرابط
مناقشات

مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية


بعد خمسة عشر قرنا من استقرار أحكام الإسلام في نصوص الوحي وآثار الصحابة والتابعين وتقريرات المذاهب الأربعة تفاجأ المسلمون بالتفوق المادي للمجتمعات الغربية وتعلق الناس بثقافتها التي تمركز الحرية الليبرالية وتفاجأ المعنيون بأمر الإسلام أمام هذا السؤال أعني سؤال الموقف من الثقافة الليبرالية الغالبة فجماهير الفقهاء والدعاة مالوا إلى ضرورة التمسك بنص الإسلام كما أنزل وكما فهمته القرون المفضلة مع الأخذ بالأسباب والوسائل المادية المعاصرة وذهبت طوائف من العلمانيين إلى رفض أحكام الإسلام ببجاحة وضرورة...

بقلم: إبراهيم السكران
713
ثبات أم موسى أمام الابتلاءات | مرابط
تفريغات المرأة

ثبات أم موسى أمام الابتلاءات


ننتقل إلى قصة أخرى من قصص النساء في القرآن الكريم: ألا وهي قصة أم موسى صلى الله عليه وسلم.. هذه المرأة التي ربط الله على قلبها.. هذه المرأة التي أوتيت خيرا كثيرا.. هذه المرأة بلغ بها الخير أن الله أوحى إليها وحيا من نوع خاص ليس من وحي الأنبياء لما ولدت يوسف وأرضعته أوحى إليها إذا خافت عليه من جند فرعون الذين كانوا يذبحون أولاد بني إسرائيل أن تلقيه في اليم.

بقلم: محمد المنجد
331
جيل الصحابة ومن بعدهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

جيل الصحابة ومن بعدهم


مقتطف ماتع لشيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى المجلد الرابع يتحدث فيه عن جيل الصحابة رضوان الله عليهم وكيف أنهم يفوقون من جاء بعدهم في كل شيء وفي كل فضيلة وعلم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هم يفوقون الناس جميعا في كل خصلة من خصال الخير

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1951
هذا مخالف للعلم: النزعة العلموية | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

هذا مخالف للعلم: النزعة العلموية


من المقولات التي شاع استعمالها في العصر الحديث والتي أدت بكثير من الناس إلى معارضة جملة من الأخبار الشرعية دعوى مخالفتها للعلم المعاصر فهي مقولة تشابه إلى حد ما مقولة لا يقبله العقل لكن الفرق أن طرف المعارضة هنا هو العلم بدلا من العقل وفي هذا المقال مناقشة دقيقة لهذا القول ولمذهب أصحابه

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2588