فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة

فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة | مرابط

الكاتب: الألباني

673 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

السؤال: هل العقيدة التي يحملها السلفيون هي عقيدة الصحابة؟ فإن من الناس من يزعم ويقول: إن كانت هي عقيدة الصحابة؛ فأتونا ولو بصحابي واحد يقول في الصفات: نؤمن بالمعنى ونفوض الكيف، فما هو قولكم؟

الجواب: نحن نعكس السؤال، ثم نجيب عن هذا السؤال فنقول: هل هناك صحابيٌ تأول تأويل الخلف؟ ونريد على ذلك مثالًا أو مثالين؟

السائل: يذكرون أحيانًا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه تأول آية من كتاب الله تبارك وتعالى.

الشيخ: إذا كان قد تأول، فما الذي حمله على التأويل؟ وهل كان ذلك هو منهج الصحابة الأولين؟

 

فجوابًا على السؤال الأول نقول: إن السلف الصالح لم يكونوا بحاجة إلى أن يشرحوا ما هو واضح لديهم وضوح الشمس في رابعة النهار، والمثال السابق يشبه تمامًا ما لو قال قائل: أعطونا مثالًا واحدًا على أن أحد الصحابة قال: هذا فاعل، وهذا مفعول به، وهذا مفعول للتمييز، وهذا للحال.. إلى آخر ما هنالك من مصطلحات وضعت بعد الصحابة، وبعد السلف؛ لضبط فهم النصوص على الأسلوب القرآني والعربي الأصيل؛ فلن نستطيع أن نأتيهم بنص من مثل هذه النصوص التي اصطلح عليها العلماء الذين وضعوا قواعد النحو، ووضعوا قواعد الصرف، وكذلك سائر العلوم التي منها أصول الفقه، ومنها أصول الحديث.. إلى آخره؛ ذلك لأن الصحابة الأولين كانوا عربًا أقحاحًا، فلم يكونوا بحاجة إلى أن يفسروا ما يفسره اليوم السلفيون الذين ينتمون إلى السلف الصالح؛ ذلك لأنهم يفهمون النصوص المتعلقة بآيات الصفات، وأحاديث الصفات كما فهمها السلف.

 

المهم أن الأصل ليس هو التأويل، بل الأصل هو عدم التأويل، وهذا الأصل أمر متفق عليه عند جميع العلماء، حتى الذين يؤولون أي كلام عربي سواءً أكان متعلقًا بآيات الصفات، أو أحاديث الصفات، أو متعلقًا بأي خبرٍ عربي، فكلهم يتفقون فيقولون مثلًا: الأصل في كل جملة عربية أن تحمل على الحقيقة، وليس على المجاز، فإذا تعذرت الحقيقة حينئذٍ يقولون: نصير إلى المجاز. ففي هذه القاعدة المتفق عليها بين السلف والخلف، نحن نقول: إن العرب الأولين -الصحابة الذين قصد السائل فهمهم لتلك النصوص- سائرون على هذه القاعدة التي عليها الخلف فضلًا عن السلف.

 

فإذًا حينما قال الله عز وجل: "وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا" [الفجر:22] ما الذي يفهمه العربي فيما يتعلق بالملائكة -مثلًا- من كلمة (جاء الملائكة)؟ هل يفهم المعنى المؤول، أم يفهم المعنى الحقيقي؟

 

لا شك أن الجواب سيكون: إنه يفهم المعنى الحقيقي، سنقول له: أعطنا نصًا على أن الصحابة فسروا مجيء الملائكة بالمعنى الحقيقي، فلن يستطيع أن يصل إلى ذلك أبدًا! لماذا؟ لأن الأمر واضح لديهم، فهم يسيرون على قاعدة علمية مجمع عليها ليس فقط بين السلف بل والخلف أيضًا، فما كان جوابهم عن هذا المثال السهل البسيط، فهو نفس جوابنا على السؤال الذي وجهته آنفًا.

 

الحق أن نقول: إن هؤلاء المعطلة متأثرون بعلم المنطق الذي يخرج كثيرًا أصحابه من دائرة الاتباع إلى دائرة الابتداع، فحينما يوردون هذا السؤال، معنى ذلك: أنه ليس هناك ضابطٌ لفهم نصوص الشريعة إطلاقًا؛ لأنه لا يمكننا أن نتصور إلا أن كل من يدعي العلم، سواءً كان سلفيًا أو كان خلفيًا لا بد له من أن يفسر نصًا في القرآن أو في السنة على القاعدة المذكورة آنفًا، وهي: الأصل الحقيقة، وليس المجاز، فحينما يأتينا أي خلفي من هؤلاء، ويفسر لنا تفسيرًا ما لنصٍ ما، نسأله قائلين: ما هو مستندك في هذا التفسير؟ هل عندك نص عن الصحابة.. عن التابعين.. عن أتباع التابعين؟ فسيضطر إلى أن يعود إلى أصل اللغة، وحينئذ نقول: هذه حجتنا عليكم، لماذا تتأولون النصوص التي لا تعجبكم ظواهرها ولا إشكال فيها؟ إنما جاء الإشكال -كما هو الأصل- من التكييف والتشبيه.

 

لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أصل المعطلة أنهم وقعوا في التشبيه، فلما أرادوا الخلاص من التشبيه لجئوا إلى التأويل، فلو أنهم أخذوا بمثل قوله تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" [الشورى:11] وكذلك سورة الصمد "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" [الإخلاص:1] .. "اللَّهُ الصَّمَدُ" [الإخلاص:2] .. "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" [الإخلاص:3] .. "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" [الإخلاص:4] لو أنهم وقفوا عند هذا النص لما احتاجوا إلى التأويل؛ لأن الذي دفعهم إلى التأويل هو أنهم فهموا هذه الآيات على مقتضى التشبيه.

 

فإذا قلنا: (جاء ربك) أي: كما يليق بجلاله، كذلك الملائكة خلقٌ من خلق الله، لكن لا شك ولا ريب أن مجيئهم لا يشبه مجيء البشر، بل الجن الذين خلقوا من نار، مجيئهم، وذهابهم، وإيابهم، لا يشبه بأي وجه من الوجوه مجيء البشر، فهل نؤول المجيء المتعلق بالجن، أو المجيء المتعلق بالملائكة، أم نقول: إن مجيء كل ذات تتناسب مع تلك الذات؟ هكذا ينبغي أن تفهم نصوص الكتاب والسنة، أي: على القاعدة العربية:

 

الأصل في كل جملة الحقيقة وليس المجاز، فإذا تعذرت الحقيقة صير إلى المجاز، فهذا جواب ذلك السؤال. ثم يخطر في بالي شيءٌ آخر وهو: أن هذا السؤال يعني عدم الاعتداد بفهم الأئمة والذين يتظاهر هؤلاء بالتمسك بعلمهم وبفهمهم، بينما هنا لا يقيمون لفهمهم وزنًا إطلاقًا، مع أن الأئمة هم الذين اقتدينا بمنهجهم وبأسلوبهم في تفسير الآيات، وتفسير الأحاديث.

 

لذلك كان كثير من علماء السلف يحذرون عامة الناس من أن يجالسوا أهل الأهواء؛ لأنهم أهل شبهات، وطرح إشكالات، ومع الأسف لا يستطيع كثيرٌ من أهل العلم أن يجيبوا جوابًا مقنعًا موافقًا للكتاب والسنة من جهة، ومتابعًا للعقل الصحيح من جهة أخرى، وكثير من الناس لا يستطيعون أن يقدموا الحجة والبيان لأولئك الذين تأثروا بالشبهات والإشكالات التي يطرحها أهل الأهواء والبدع؛ لذلك حسموا الأمر، ونهوا عن مخالطة أهل البدع والأهواء.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الصحابة #المجاز #الحقيقة
اقرأ أيضا
الحقيقة الكبرى الناظمة للقرآن | مرابط
مقالات

الحقيقة الكبرى الناظمة للقرآن


يحدثك القرآن عن ظاهرة المصائب والأضرار التي تصيب الإنسان في حياته الشخصية وبالرغم من أن الله شرع لنا اتخاذ الأسباب كالأدوية للشفاء من المرض والتماس الرزق لرفع الفقر إلا أن القرآن يكثف دائرة الضوء على أمر آخر أهم وهو أن يرتبط الفؤاد بالله سبحانه وتعالى وهو يصارع هذه البلاءات

بقلم: إبراهيم السكران
440
قصص وعبر للنساء ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

قصص وعبر للنساء ج2


تفريغ لمحاضرة تأتي ضمن سلسلة من الرسائل النسائية يبدأها الدكتور نبيل العوضي بالرسالة الأولى بعنوان: قصص وعبر وكل قصة من هذه القصص تحمل عبرة فإن من النساء بل من الناس عموما من تمر عليه القصص فلا يعتبر والسعيد من اتعظ بغيره نبدأ هذه القصص لا للتسلية ولا لقضاء الأوقات ولا للطرف ولا للهزل إنما نقص هذه القصص للعبرة

بقلم: د نبيل العوضي
461
أول من ابتنى دارا للعدل | مرابط
تاريخ اقتباسات وقطوف

أول من ابتنى دارا للعدل


ونور الدين هو أول من ابتنى دارا للعدل وكان يجلس فيها في الأسبوع مرتين وقيل: أربع مرات وقيل: خمس ويحضر القاضي والفقهاء من سائر المذاهب ولا يحجبه يومئذ حاجب ولا غيره بل يصل إليه القوي والضعيف فكان يكلم الناس ويستفهمهم ويخاطبهم بنفسه فيكشف المظالم وينصف المظلوم من الظالم

بقلم: ابن الأثير
556
جيل الصحابة ومن بعدهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

جيل الصحابة ومن بعدهم


مقتطف ماتع لشيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى المجلد الرابع يتحدث فيه عن جيل الصحابة رضوان الله عليهم وكيف أنهم يفوقون من جاء بعدهم في كل شيء وفي كل فضيلة وعلم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هم يفوقون الناس جميعا في كل خصلة من خصال الخير

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2012
الدفع أهون من الرفع | مرابط
فكر

الدفع أهون من الرفع


السؤال الأكثر رواجا بين فئة الشباب وهم يواجهون موجات من عواصف الفتن والإفساد العصرية العاتية التي تهدد دينهم وإيمانهم: ما السبيل الأمثل إلى التصدي لتلك الهجمات؟ وفيما يلي وصفة علاجية تقعيدية نافعة ناجعة فاشدد بها يديك.

بقلم: د. جمال الباشا
438
الحركة النسوية من المطالب إلى المثالب | مرابط
النسوية

الحركة النسوية من المطالب إلى المثالب


عند النظر إلى تلك الحركات والمنظمات النسوية نجد أنها نابعة من أرضية لا دينية ووليدة حكومات ومجتمعات غربية لا تملك أدنى مقومات إنصاف المرأة فالمرأة هناك تستغل أبشع استغلال لتعيش وتعيل نفسها وعائلتها أما فكرة تحرير المرأة في العالم العربي فلم تبرز إلا من خلال الاستعمار الغربي لدول المنطقة العربية فالمتأمل لواقع الشخصيات النسائية اللاتي تبنين تلك التوجهات يجدهن شخصيات تأثرت بالمدنية الغربية فضلا عن أنهن عشن ظروفا اجتماعية قاسية انعكست سلبا على فكرهن وتوجههن لاحقا

بقلم: نورة بنت عبد الرحمن الكثير
1004