الحركة النسوية من المطالب إلى المثالب

الحركة النسوية من المطالب إلى المثالب | مرابط

الكاتب: نورة بنت عبد الرحمن الكثير

1006 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ها قد مضى قرنان مِن الزمان، ولا تزال المرأة تَسعى جاهدةً تُنادي بمُساواتها بالرجل وقد تأبَّطت مطالبَها لتُلقي بها على طاولة المؤتَمرات والمنظَّمات والاجتِماعات والاتفاقيات، وهي لم تتعدَّ كونَها دعوات للتحرير أفرزتها الحركات النِّسوية، وتُزايد بها من أجل التغرير بالمرأة وجرِّها لوحل الرذيلة، والتخلِّي عنها لتُواجِه مصيرَها المُظلِم.

 

وعند النظر إلى تلك الحركات والمنظَّمات النسوية، نجد أنها نابعة من أرضية لا دينيَّة، ووليدة حكومات ومجتمعات غربية لا تَملك أدنى مقوِّمات إنصاف المرأة؛ فالمرأة هناك تُستغلُّ أبشعَ استغلال لتعيش وتعيل نفسها وعائلتها.

 

أما فكرة تحرير المرأة في العالم العربي، فلم تَبرز إلا من خلال الاستعمار الغربي لدول المنطقة العربية؛ فالمتأمِّل لواقع الشخصيات النسائية اللاتي تبنَّين تلك التوجُّهات، يَجدهنَّ شخصيات تأثَّرت بالمدنية الغربية، فضلًا عن أنهن عِشنَ ظروفًا اجتماعية قاسية، انعكست سلبًا على فكرهنَّ وتوجههنَّ لاحقًا.

 

والمتتبع لسلسلة مطالب الحركة النسوية على اختلاف تياراتها (الليبرالية - الماركسية - الراديكالية)[1]، والأخيرة هي الأكثر خطورةً وتطرُّفًا على المجتمعات، ويمثِّل هذا التيار (منظمة فيمن femen الأوكرانية)، يجد أنها بدأت بالمطالبة بحق التصويت والتعليم المختلط، حتى وصلت إلى حرية الإجهاض والزواج مِن نفس الجنس أو ما يُسمَّى بزواج المثليين، الذي أقرَّتْه بعض الدول الأوربية ووقَّعته أمريكا لاحقًا.

 

ولم تقف تلك المطالب عند هذا الحدِّ، فحتى اللغات لم تسلم من محاولة تشويهها والمطالبة بحذف المفردات والضمائر الدالة على الأُنثوية، وتبعتها المنظمات النسوية العربية مُطبَقة الأعين عندما تقدمت هدى شعراوي[2] بطلبها إلى المجمع اللغوي في القاهرة والمجامع العلمية العربية بأن تُحذف نون النسوة من اللغة العربية!

 

وقد دأبت الحركة على تحقيق مطالبها عبر كافة الوسائل والطرُق الرسمية وغير الرسميَّة، وتوظيف البرامج الإعلامية لتمرير أفكارها إلى جميع شرائح المجتمع، والتظاهُرات العبثية الفوضوية، ورفع الشعارات والصور، وغيره مما يُتعلَّى عن ذكره؛ بُغية تأنيث المجتمعات وتسييد المرأة وتبديل الأدوار، حتى باتت (النسوية) تحت غطاء الديموقراطية فكرًا وفلسفةً يُراد لها أن تمثِّل عقيدة عالمية، ونظامًا اجتماعيًّا لجميع مناحي الحياة.

 

لقد باتَ الجيل الجديد مِن الشابَّات يَرفض الصورة التقليدية لحياة المرأة، في محاولة يائسة للاستغناء عن الرجل، مما ساهم في انخفاض معدَّلات زواجهنَّ، وبالتالي بدأت المجتمعات تَشيخ شيئًا فشيئًا، وكما هو الحاصل في الاقتصادات التي تتزايد فيها شيخوخة القوى العاملة، تستغل الحكومات الإناث بزيادة مشاركتهنَّ فيها لإعطاء دفعة لنمو اقتصادها، سيما أن الإناث أقلُّ أجورًا[3] وأكبر استهلاكًا مما يتناغم مع مطالب الحركات النسوية ويُحقِّق بعض أهدافها.

 

ويعلق عالم الاجتماع الأمريكي ديفيد ريسمان قائلًا: "إن المرأة الحديثة المتحرِّرة لا تزال - رغم كل مزاعم هذه الحركة - في حاجة إلى الرجل والعيش في كنفه بالطريقة نفسِها التي كانت جدَّتها تنظر بها إلى تلك العلاقة، وأن الكثير من النساء (النسويات) يتعرَّضْنَ للضغوط النفسية ذاتها التي تتعرَّض لها المرأة التقليدية إذا ظلَّتْ مِن دون زواج وعاشت بمُفرَدها دون تكوين أُسرة".

 

أما الكاتبة الأمريكية سوزان فالودي، فأعربتْ بقولها: "الرافضون للمطالبة بتحرير المرأة يؤكدون أن هذه المطالب لم تجلب للمرأة - خلال عقود من الزمان - إلا التعاسة والشقاء والأمراض النفسية والفقر وفقدان الخصوبة وانتشار الشذوذ، وأن عودة المرأة للمنزل والتعامل في ضوء طبيعتها هو الكفيل بإنهاء هذه المشكلات".

 

وتَزداد المُعارَضة في الغرب للحركات النسوية؛ نتيجةً للتجربة المريرة التي عاشتها المجتمعات الغربية خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي أسفرت عن الفساد والعُنْف والانحلال الخُلُقي والجريمة والانتحار، وتفكُّك الأُسَر، وتفشي الطلاق، فعمل المرأة لنفس عدد ساعات الرجل لمدة 10 أو 12 ساعة في اليوم - حسب ما أشارت إليه دراسة بريطانية - تسبَّب في 12 مليون حالة طلاق في العالم، منها 58% في الغرب، التي قلَّل الطلاق وغياب الأب فيها مِن شأن الأبوة، وهكذا فالأطفال الذين عاشوا بلا آباء، أنجَبوا فيما بعد أطفالًا بلا آباء!

 

وبالفعل بدأت الحركة النسوية في التراجع في بعض الدول؛ فتلك الحركات والمنظمات النسوية نشأت نحوها منظَّمات مناهضة تَحمل تسميات عدَّة، وإن كانت لم تحقِّق إلا القليل مِن النجاح؛ (كمنظَّمة النساء اللاتي ترغبْنَ في أن تكنَّ نساءً في أستراليا، ومنظمة النساء الحقيقيات في كندا، ونساء مِن أجل الحياة في نيوزلندا)[4]، رافضةً للوضع الحالي الذي وصل له تحرير المرأة، ومؤكدةً على ضرورة الاهتمام بالأسرة كنواة لمجتمعات حضارية، بل وبلغ الحال مبلغه إلى أن نشأت منظمات مناهضة تُعنى بحقوق الرجل التي تلاشت خلال الحِقَب الماضية، والتي لم تصل الحركة النسوية إلى مُبتغاها إلا على حساب مكانته وحقوقه، حتى باتت تهدد وجوده وتُحاول إقصاءه بتهميش أدواره.

 

وقد يغترُّ البعض بمطالب هؤلاء لحقوق المرأة، ولكن عندما يتعلق الأمر بحق المرأة في حريتها في ارتداء الحجاب في الدول الديمقراطية، فإننا نجد هؤلاء ضد هذا النوع من المطالب والوقوف بجانب الحكومات ضدَّهن؛ لتتضح الرؤية أن تلك المطالب هي للتغرير وليس للتحرير، وأن معظم الدعوات - إن لم يكن جميعها - التي يُنادي بها هؤلاء منافية للأخلاق، مُصطدمة بالفِطرة، ومُنسلِخة عن الدين والهُويَّة، وينبغي توعية المجتمعات بها.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. للاستزادة انظر: الحركة النسوية الغربية ومحاولات العولمة؛ د. إبراهيم الناصر.
  2. رائدة الحركة النسائية المصرية 1935م.
  3. دراسة لصندوق النقد الدولي.
  4. مناهضة الأنثوية، ويكيبيديا.

 

المصدر:

شبكة الألوكة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية
اقرأ أيضا
حقوق المال في الإسلام | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

حقوق المال في الإسلام


وضح لنا ديننا الواجبات المالية توضيحا تاما مجملا ومفصلا فأمرنا بأداء الحقوق المالية والإنفاق مما رزق الله وأثنى على القائمين بها وذم المانعين لها أو لبعضها وفصل ذلك فذكر الأموال التي تجب فيها الزكاة من الحبوب والثمار والمواشي والعروض والنقود وذكر شروطها ونصبها ومقدار الواجب منها ولمن تدفع للمصالح المحتاج إليها وللمحتاجين

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1275
تعلق القلب بالمخلوقات | مرابط
اقتباسات وقطوف

تعلق القلب بالمخلوقات


وكل من علق قلبه بالمخلوقات أن ينصروه أو يرزقوه أو أن يهدوه خضع قلبه لهم وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك وإن كان في الظاهر أميرا لهم مدبرا لهم متصرفا بهم فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة ولو كانت مباحة له يبقى قلبه أسيرا لها تحكم فيه وتتصرف بما تريد وهو في الظاهر سيدها لأنه زوجها

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
560
المعاصي تنسي الله | مرابط
اقتباسات وقطوف

المعاصي تنسي الله


ومن عقوباتها المعاصي: أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة وأعظم العقوبات نسيان العبد لنفسه وإهماله لها وإضاعته حظها ونصيبها من الله وبيعها ذلك بالغبن والهوان وأبخس الثمن فضيع من لا غنى له عنه ولا عوض له منه واستبدل به من عنه كل الغنى أو منه كل العوض

بقلم: ابن القيم
248
طريقة القراءة | مرابط
تفريغات ثقافة

طريقة القراءة


أنت إذا تعلمت كيف تقرأ كلام العلماء صرت على الطريق الذي يمكن أن تكون منهم يوما ما ولذلك مسألة القراءة وكيف نقرأ وكيف نحاور ما نقرأ وكيف نفهم ما نقرأ وكيف نتعامل مع ما نقرأ: مسألة في غاية الأهمية ولو لم تعلم جامعاتنا طلابنا إلا طريقة القراءة لكان ذلك كافيا

بقلم: د محمد أبو موسى
468
ثغرات تسدها المرأة المسلمة: أعمال البر المطلقة | مرابط
تفريغات المرأة

ثغرات تسدها المرأة المسلمة: أعمال البر المطلقة


من الأمور ومن أعمال البر والخير مثلا: مساعدة من يريد الزواج في البحث عن امرأة فهي تسأل وهي التي تأتي بالعناوين والأسماء والمعلومات من العمر والدراسة.. ونحو ذلك هذه مسألة تنجح فيها المرأة نجاحا كبيرا لا يستطيع رجل أن يذهب ويقول: من عندكن من النساء وهاتين معلومات لكن المرأة يمكن أن تقوم بهذا وكانت النسوة من السلف يقمن بدور الخاطبات

بقلم: محمد صالح المنجد
451
وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار | مرابط
تاريخ تفريغات المرأة

وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار


حظر اللباس الموريسكي الموريسكيون هم المسلمين الذين دخلوا في المسيحية حظر اللباس الموريسكي على الرجال والنساء وإلزام النساء بالإضافة إلى ذلك بكشف الوجه -لأنهن كن قد غطين الوجوه- في الزفاف وفي كل أنواع الاحتفالات تمنع رقصة السمرة وإقامة الليالي أي: تقوم الليالي بمصاحبة الآلات الغنائية ويجب أن تضل أبواب البيوت مفتوحة وتمنع النساء من التخضيب بالحناء ويحظر استعمال الأسماء والألقاب الإسلامية

بقلم: عبد العزيز الطريفي
381