أنت إذا تعلمت كيف تقرأ كلام العلماء = صرت على الطريق الذي يمكن أن تكون منهم يوما ما، ولذلك مسألة القراءة وكيف نقرأ وكيف نحاور ما نقرأ وكيف نفهم ما نقرأ وكيف نتعامل مع ما نقرأ: مسألة في غاية الأهمية. ولو لم تُعلّم جامعاتنا طلابنا إلا طريقة القراءة لكان ذلك كافيا، لأنها تكون قد وضعت أقدامهم على الطريق الذي يسير عليه والذي ينتج ويؤدي إلى أن يكون هناك علماء.
وأنا حريص جدا على ذلك؛ ولذلك أحب أن أعرف كيف كان اللاحق يقرأ كلام السابق، وكيف كان الخلف يقرأون كلام السلف، والكتب مليئة ببيان هذه الكيفية، وخصوصًا هذا الرجل، عبد القاهر الجرجاني، ولقاؤنا الآن عن كيف كان يقرأ هو، كيف كان يقرأ كلام من سبقوه، وكيف كان يتعامل معه، ﻷن من عاداتنا الضارة أننا نقرأ الكتب كما نقرأ الصحف، الكلام لا يؤدي إلى شيء مطلقًا.
ومن عاداتنا الضارة أننا نكتفي بالفهم (هذا إذا حدث أصلًا) مع أن الفهم في كلام أهل العلم وفي طرائق قراءة أهل العلم هي الخطوة الأولى، التي تتبعها خطوات = هذه الخطوات إذا سرناها وسرنا فيها وأديناها بطريقة صحيحة = تنتج معرفة. ﻷن القراءة التي تحصل المعرفة فحسب قراءة جيدة، وأجود منها القراءة التي تنتج معرفة، ﻷن تحت كل فكرة فكرة، وتحت كل معنى معنى.
وإنما يصل إلى الفكرة التي تحت الفكرة العقل المدرب عقل العالم، ويصل إلى المعنى الذي تحت المعنى القراءة المدربة، وبهذا تتسع المعرفة، وتتغازر وتتكاثر ويصير الثاني لبنة توضع في البناء الذي كان السابق فيه لبنة، وبذلك يعلو صرح المعرفة، وهذه طريقة مهمة جدًا، غير الطريقة السائلة التي هي الاقتباس من جهود الذين سبقوا.