لا تصلح النية الصالحة العمل الفاسد

لا تصلح النية الصالحة العمل الفاسد | مرابط

الكاتب: أبو حامد الغزالي

241 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

اعلم أن الأعمال وإن انقسمت أقسامًا كثيرة من فعل وقول وحركة وسكون وجلب ودفع وفكر وذكر وغير ذلك مما لا يتصور إحصاؤه واستقصاؤه، فهي ثلاثة أقسام: معاص وطاعات ومباحات. القسم الأول: المعاصي، وهي لا تتغير عن موضعها بالنية فلا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات فيظن أن المعصية تَنْقَلِبُ طَاعَةً بِالنِّيَّةِ؛ كَالَّذِي يَغْتَابُ إِنْسَانًا مُرَاعَاةً لقلب غَيْرِهِ أَوْ يُطْعِمُ فَقِيرًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ أو يبني مدرسة أو مسجدًا أو رباطًا بِمَالٍ حَرَامٍ وَقَصْدُهُ الْخَيْرُ؛ فَهَذَا كُلُّهُ جَهْلٌ، وَالنِّيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي إِخْرَاجِهِ عَنْ كَوْنِهِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَمَعْصِيَةً.

بَلْ قَصْدُهُ الْخَيْرَ بِالشَّرِّ -عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ- شَرٌّ آخَرُ؛ فَإِنْ عَرَفَهُ فَهُوَ مُعَانِدٌ لِلشَّرْعِ، وَإِنْ جَهِلَهُ فَهُوَ عَاصٍ بِجَهْلِهِ؛ إِذْ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَالْخَيْرَاتُ إِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا خَيْرَاتٍ للشرع، فكيف يمكن أن يكون الشر خير؟ هيهات بل المرّوج لذلك على القلب خفي الشهوة وباطن الهوى؛ فإن القلب إذا كان مائلًا إلى طلب الجاه واستمالة قلوب الناس وسائر حظوظ النفس = توسل الشيطان به إلى التلبيس على الجاهل، وَلِذَلِكَ قَالَ سهل رَحِمَهُ اللَّهُ: تَعَالَى مَا عصي الله تعالى بِمَعْصِيَةٍ أَعْظَمَ مِنَ الْجَهْلِ، قِيلَ يَا أبا محمد هَلْ تَعْرِفُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْجَهْلِ قَالَ نَعَمْ الْجَهْلُ بِالْجَهْلِ
وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْجَهْلِ يَسُدُّ بِالْكُلِّيَّةِ بَابَ التَّعَلُّمِ، فمن يظن بالكلية بِنَفْسِهِ أَنَّهُ عَالِمٌ فَكَيْفَ يَتَعَلَّمُ؟

وَكَذَلِكَ أَفْضَلُ مَا أُطِيعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْعِلْمُ، وَرَأْسُ الْعِلْمِ: الْعِلْمُ بِالْعِلْمِ، كَمَا أَنَّ رَأْسَ الْجَهْلِ: الجهل بالجهل، فإن من لا يعلم العلم النافع من العلم الضار اشتغل بما أكب الناس عليه من العلوم المزخرفة التي هي وسائلهم إلى الدنيا، وذلك هو مادة الجهل ومنبع فساد العالم، والمقصود أن من قصد الخير بمعصية عن جهل فهو غير معذور إلا إذا كان قريب العهد بالإسلام ولم يجد بعد مهلة للتعلم


المصدر:
أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
القدوة التربوية | مرابط
مقالات ثقافة

القدوة التربوية


لم يجعل الله تعالى كتابه حجة على قوم إلا برسول يبعثه إليهم يبلغهم البلاغ القولي بتلاوة آياته والعملي بتمثل أحكامه .. فاصطفى - سبحانه - من الناس رسلا كراما حتى ختم الرسالات بمحمد عليه الصلاة والسلام فبلغ البلاغين وفقا لأمر ربه فكان من بلاغة أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حين سئلت عن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قالت: كان خلقه القرآن.

بقلم: مشاري الشثري
281
كيف حرمت المرأة الغربية من شخصيتها | مرابط
المرأة

كيف حرمت المرأة الغربية من شخصيتها


لقد ألحقت الحضارة الخزي بالأمهات بصفة خاصة فهي تفضل على الأمومة أن تحترف الفتاة مهنة البيع أو أن تكون موديلا أو معلمة لأطفال الآخرين أو سكرتيرة أو عاملة نظافة. إنها الحضارة التي أعلنت أن الأمومة عبودية ووعدت بأن تحرر المرأة منها. وتفخر بعدد النساء اللاتي نزعتهن تقول حررتهن من الأسرة والأطفال لتلحقهن بطابور الموظفات.

بقلم: علي عزت بيجوفيتش
340
مناظرة أحمد مع المعتزلة | مرابط
مناظرات

مناظرة أحمد مع المعتزلة


جاء في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي رحمه الله: قال علي بن المديني رحمه الله: إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة وبين يدينا مناظرة الإمام أحمد مع المعتزلة في حضور المعتصم وموضوع المناظرة هو قولهم بخلق القرآن

بقلم: سليمان بن عبد الله السجزي
8847
الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج3 | مرابط
أبحاث الليبرالية

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج3


المراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي ووقف على أبرز محطاته وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة أزمة في المصطلح وأزمة في الخلفيات الفلسفية وأزمة في السلوكيات اليومية وأزمة في الالتزام بالقيم وأزمة في الاتساق مع المبادئ وأزمة في الاطراد وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطع...

بقلم: سلطان العميري
1561
الجنس الثالث | مرابط
المرأة

الجنس الثالث


وفي الوقت الذي يتجرع فيه الغرب آثار خروج المرأة على فطرتها ووظيفتها كان بعض كتابنا ومفكرينا ينادون بأن نأخذ في ذلك الطريق الذي انتهى بالغرب إلى ما هو فيه من مشاكل اجتماعية واقتصادية هزت دعائم مجتمعه هزا عنيفا أفقده استقراره واتزانه وعرض سلامته وكيانه لأشد الأخطار

بقلم: محمد محمد حسين
358
لماذا نحب الرسول الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الرابع


أهل السنة والجماعة في باب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم حق بين باطلين الباطل الأول: الغلو فيه والباطل الثاني: الجفاء لا نريد نحن أن تقسو قلوبنا على الرسول صلى الله عليه وسلم ونشعر بالجفاء لا نريد أن نحيي قلوبنا بمحبته عليه الصلاة السلام لكن في الطرف الآخر لا نغلو به ونرفعه فوق منزلته

بقلم: محمد المنجد
678