الجنس الثالث

الجنس الثالث | مرابط

الكاتب: محمد محمد حسين

233 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أحسن ما قرأته في وصف النساء المترجِّلات، اللاتي يأبين إلَّا الخروج على فطرتهن، والزجَّ بأنفسهن في ميادين الرجال، تسميةُ أحد كتاب الإِنجليز لهن "الجنس الثالث". فالواقع أن هذه التسمية وصف صادق كل الصدق لهذه الطبقة الجديدة من النساء التي برزت مشكلتها في المجتمع الأوروبي منذ أواخر القرن الميلادي الماضي، بعد أن تكاثر عددها فيه وطغى سيلها. ذلك لأنهن قد فقدن أنوثتهن فلم يعدن نساء، وابتذلن أجسادهن وأرْخَضْن مفاتهن حتى عافها الرجال وانصرفوا عنها. ثم إن فطرتهن وخلقتهن تأبى عليهن من بعدُ أن يَدْخلن في عِدَاد الرجال. من أجل ذلك سماهن ذلك الكاتب الإنجليزي الحصيف “الجنس الثالث”.

بعد أن أخرجن أنفسهن من عداد النساء واستحال عليهن أن يدخلن في عداد الرجال، فهن يخالفن الرجال طبيعة وتركيبًا، ويخالفن النساء وظائف وأعمالًا. “وقد درس هذا الأستاذ أحوالهن درسًا مدققًا فوجد أنهن يتركن الزواج. وبانتزاعهن أنفسهن من وظائفهن الطبيعية كالأمومة وما يتبعها قد تغيرت إحساساتهن عن إحساسات بنات جنسهن، وصرن في حالة من الكآبة تشبه أعراض الماليخوليا”

أساءت المرأة إلى نفسها وأساء إليها الذين ظاهروها وأعانوها ممن يزعمون أنهم أنصارها. فقد كانت ريحانة تشَمّ، فأصبحت مشكلًا يتطلب الحل، وكانت عِرْضًا يصان وأمانة تحفظ، فأصبحت حملًا ثقيلا يضيق به الأب والأخ ويتحتم معه على المرأة أن تعمل لتعيش. نشأ الجيل السابق على أن يكفلها ويكفيها حاجتها، وكان هذا التقليد عقيدة مركوزة في أعماق كل نفس، يحرسها الإجماع عليها, ولا يخطر لأب أو ابن أو أخ أو زوج أن يتخلى عنه ويخرج من عهدته، فلما عملت المرأة لنفسها وشاع ذلك في المجتمع ماتت هذه العادة، وماتت معها الروءة التي كانت تدفع إليها.

والغيرة التي كانت سببًا في المحافظة عليها، وأصبحت المرأة إذا لم تبحث عن العمل من نفسها دفعها وليها إليه دفعًا وألزمها به إلزامًا. بل لقد أصبح القانون يلزمها بالعمل في النظام الشيوعي، وأصبح الواقع يلزمها به في النظام الرأسمالي. وأصبحت التي لا تعمل في أيامنا لا تجد اللقمة ولا تجد الزوج, لأن الرجال إن عدموا ذوات المال من الزوجات بحثوا عن الكادحات الكاسبات. وكاد ذلك يصبح قانونًا من قوانين حياتنا يقضي على المستعففات بالبوار والهلاك. فهل هذا هو ما يسميه الخادعون والمخدوعون والخادعات والمخدوعات "حقوق المرأة"؟

وفي الوقت الذي يتجرع فيه الغرب آثار خروج المرأة على فطرتها ووظيفتها، كان بعض كتابنا ومفكرينا ينادون بأن نأخذ في ذلك الطريق الذي انتهى بالغرب إلى ما هو فيه من مشاكل اجتماعية واقتصادية هزت دعائم مجتمعه هزًَّا عنيفًا أفقده استقراره واتزانه وعرَّض سلامته وكيانه لأشد الأخطار.

ولقد يبدو للدارس المتأمل أن المرأة لا توضع الآن حيث تدعو الحاجة - صحيحة كانت أو مزعومة - إلى أن توضع، ولكنها توضع لإِثبات وجودها في كل مكان، ولإِقحامها على كل ما كان العقل والعرف ينادي بعدم صلاحيتها له.

فليس المقصود بتوظيفها في هذه الأيام سد حاجة موجودة، ولكن المقصود هو مخالفة عرف راسخ، وتحطيم قاعدة قائمة مقررة، وإقامة عرف جديد في الدين وفي الأخلاق وفي الذوق، وخلق المبررات والمقومات التي تجعل انسلاخنا من إسلامنا وعروبتنا وشرقيتنا أمرًا واقعًا، كما تجعل دخولنا في دين الغرب ومذاهب الغرب وفسق الغرب أمرًا واقعًا كذلك.

وأخطر ما في هذه الدعوة وأمثالها مما يراد به حملنا على كل فاسد من مذاهب الغرب أن أصحابها يريدون إقحامها على إسلامنا زاعمين أنها لا تعارضه. وقد كان قاسم أمين هو أول من جرَّأ الناس على تحريف النصوص حين طلع علينا بطائفة من المزاعم التي تقوم على المجازفة، ومن النصوص الحرفة عن مواضعها والمخلوعة من سياقها خلعًا يخرجها عن مدلولها، وحين تصيَّد من كتب التاريخ ورواياته - على اختلاف درجاتها ودرجات مؤلفيها - كلَّ شاذ غريب فحشدها في حيِّز واحد وضمَّ بعض أشتاتها إلى بعض، حتى خيَّل إلى قارئها أنها - على شذوذها وقلتها - شيء مألوف كثير الوقوع.

ومع أن هذا الذي جمعه هو خلاصة ما في الكتب - صحيحها وسقيمها - من غرائب الأخبار والآراء التىِ تصور حالات شاذة نادرة لا تنهض بها حجة ولا يَبْطُلْ بها عرف، ومع أن كثيرًا من النصوص التاريخية أو الفقهية التي اقتطفها ناقصة الدلالة غامضة العبارة، فقد استطاع أن يروج ذلك كله بين الناس بمرور الأيام، بفضل قوة حزبه الذي كان يسميه اللورد كرومر. حزب الشيِخ مُحَمَّدْ عبده حتى أصبحت هذه النصوص مِنْ بعدُ - على فساد الاستدلال بها - هي البضاعة المشتركة لمتابعي دعوته ومطوِّريها.

وذلك كله هو الذي دعا الشاعر شوقي - رحمه الله - إلى أن يتساءل عن حقيقة صنيع قاسم أمين: أهو غيرة المدافع عن النصوص الإِسلامية، أم هو إغارة المحرف لها عن مواضعها؟. وذلك من قصيدة له ألقاها سنة ١٩٢٨ م، وعرض فيها للباقته في الاستدلال، وبراعته في الجدال، فقال:

ولك البيان الجَزْلُ في ... أثنائه العلم الغزير
في مطلبٍ خشنٍ كثيـ ... رٍ في مزالقه العثور
ما بالكتاب ولا الحديث ... إذا ذكرتهما نكير
حتى لنسأل: هل تغا ... ر على العقائد أم تغير؟

وقد لا تكون هناك نصوص صريحة في القرآن أو في الحديث تمنع المرأة من العمل في خارج البيت لكسب عيشها حين تدعو إلى ذلك ضرورة، ولكن من المؤكد أن اتخاذ هذه السنة أصلًا من أصول التنظيم الاجتماعي يخالف روح الشريعة ويناقض كثيرًا من نصوصها ويتعارض مع كثير من شرائعها وحدودها تعارضًا واضحًا.


المصدر:
محمد محمد حسين، حصوننا مهددة من الداخل

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
التربية وضياع الأبناء | مرابط
تفريغات

التربية وضياع الأبناء


جاءني أحد الآباء يبكي بدموع حارة وقد مات ابنه ويريد أن يعرف: هل تسبب هو في ضياعه قال: كان ابني من الصالحين من الذين يحافظون على الصلوات ويحفظون القرآن وفجأة بدأت أحواله تتغير وبدأ يكثر السهر وبدأ يلازم الشارع أكثر من لزومه للبيت وبدأت طباعه تتغير والطيور على أشكالها تقع فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه فكم فاسقا أردى مطيعا حين آخاه

بقلم: خالد الراشد
404
إبطال شبهات الدارونية | مرابط
فكر مقالات

إبطال شبهات الدارونية


للناس في كيفية نشأة الحياة مذهبان مذهب يرى ويؤمن بالخلق المباشر بمعنى أن الله خلق الكون وسائر الحيوان بقوله: كن فكان ما أراد سبحانه وعلى هذا المذهب علماء الأديان وأكثر علماء الطبيعة وذهب آخرون إلى أن نشوء الحياة في سائر الحيوان كان عن طريق النشوء البطيء وتحول أنواع وظهور أنواع جديدة وكان من أشهر القائلين بهذا الرأي العالم الفرنسي لامارك وظل هذا المذهب ضعيفا لا يقوى على الوقوف أمام مذهب أهل الأديان إلى أن جاء دارون فدفع مذهب التحول دفعة قوية للأمام عندما وضع سنة 1859م كتابه في أصل الأنواع بط...

بقلم: إسلام ويب
1061
من أشراط الساعة: التباهي بالمساجد | مرابط
اقتباسات وقطوف

من أشراط الساعة: التباهي بالمساجد


ومن أشراط الساعة ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من التباهي بالمساجد والمراد بالتباهي بالمساجد بتشييدها وعمرانها على مبان مختلفة حتى يتباهى الأغنياء كما يتباهون في بيوتهم: ذاك مسجد فلان وذاك مسجد فلان وشيد فلان مسجدا على هيئة كذا وشيد فلان مسجدا على هيئة كذا أو ما يقال أن مسجد فلان أكبر من مسجد فلان أو مسجد فلان أجمل وأفضل أو أكثر تحسينا من مسجد فلان

بقلم: عبد العزيز الطريفي
638
الفروق بين الجنسين | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

الفروق بين الجنسين


ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه الاعتراف بالفوارق بين الجنسين اليوم هو ميل المجتمعات الحديثة إلى قياس قيمة النساء اليوم بمقارنتهن بالرجال بدلا من مقارنتهن بأفضل النسخ الممكنة من أنفسهن أقصى إمكاناتهن الآثار الاجتماعية والنفسية والعاطفية السلبية لهذه المقارنة المضللة مروعة

بقلم: مجلة أوج
413
زهرة الدنيا وزينتها | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

زهرة الدنيا وزينتها


هذا الذي يخشاه الرسول عليه السلام ما سيفتحه الله عز وجل من مغانم ومكاسب تأتي بسبب اتساع الدعوة الإسلامية وهذا ما وقع ولذلك كان بعض الصحابة يخشون على أنفسهم أن يكونوا قد فتنوا بزهرة الدنيا وزينتها حينما جاءتهم الأموال فكان الواحد منهم يعمل طيلة النهار ليحصل على قوت يومه

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
395
الاجتهاد وتمدين الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاجتهاد وتمدين الإسلام


أما الآخر الذي أحب أن ألفت النظر إلى خطورته فهو تطوير الإسلام لكي يوافق الواقع في حياتنا المعاصرة. وقد بدأ هذا الاتجاه كما رأينا في أول الأمر بإحساس الحاجة إلى مواجهة الأقضية الجديدة باستنباط أحكام شرعية توافقها ورأينا صدى ذلك فيما كتبه الطهطاوي وخير الدين التونسي

بقلم: محمد محمد حسين
341