مَرَّ جُبَير بن مطعم -رضي الله عنه- بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، وكان جُبَير يومئذ على الكفر، فسمع النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقرأ سورة الطور، يقول: «فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35- 37]، قال: كاد قلبي أن يطير».
دعك من تأثيره على قلوب البشر، حتى الجن، حارت عقولهم وخُلبت أسماعهم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1].
وكذلك الملائكة، ما تطيق انقطاعًا عن القرآن أو نأيًا عنه؛ قرأ أُسيد بن الحُضير -رضي الله عنه- القرآن ذات ليلة بصوته النديّ الشجيّ، فكان كلما قرأ رأى في السماء مثل الظُّلة فيها أمثال السُّرُج، فلما قصّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأْتَ لأصبحَتْ يراها الناس ما تستتر منهم).
بل حتى الجمادات: الصخر، الجبال: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21]، فإذا علمتَ ذلك أيقنتَ أن هناك أقوامًا يصدق فيهم -حقًّا- قول ربنا: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74].
وإن شئتَ تأمّل في عِظَم أثره في حياة الناس، في دنياهم وآخرتهم، وهو سراج الكون الذي أضاء به من بعد ظلمة: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره: «يعني بالنور: القرآنَ».
انظر كيف بدّل وجه الأرض، وغزا ربوع الدنيا، كيف عمد إلى خَلْقٍ كانوا أذلّ قوم، يسجدون للحجارة ويَدْعُونها ويسألونها، يسفكون الدماء، فصيَّرهم خير الناس هديًا، وأحسنهم سمتًا، وأعقلهم قولًا، وأعدلهم حكمًا، وأعزّهم ذِكرًا، مَلّكهم رقاب الملوك، ومَكّنهم من قلوب العباد.
إِي واللهِ، صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين).
المصدر:
مقال تأله في محراب عظمة القرآن