حقوق المال في الإسلام

حقوق المال في الإسلام | مرابط

الكاتب: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

1275 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

لا ريب أن الشرع قد بيَّن للعباد كل ما يحتاجونه في أمور دينهم ودنياهم، وخصوصًا الواجبات الكبيرة التي هي أهم المهمات؛ الواجبات على القلب، والواجبات على البدن، وجميع الأقوال والأفعال.

وكذلك وضَّح الله ورسوله الواجبات المالية توضيحًا تامًّا؛ مجملًا ومفصلًا. فأمرنا بأداء الحقوق المالية، والإنفاق مما رزق الله، وأثنى على القائمين بها، وذمَّ المانعين لها أو لبعضها، وفصل ذلك.

فذكر الأموال التي تجب فيها الزكاة، من الحبوب، والثمار والمواشي، والعروض، والنقود، وذكر شروطها، ونصبها ومقدار الواجب منها، ولمن تدفع؛ للمصالح المحتاج إليها، وللمحتاجين.

فآكد الحقوق المالية هذا الحق الأكبر؛ حق الزكاة التي هي من أعظم أركان الإسلام ومبانيه التي لا يتم إلا بها.
وفصَّل أيضًا ما في المال من النفقات الواجبة للنفس والأهل، والأولاد، والمماليك؛ من الآدميين والبهائم.
وبيَّن الله ورسوله أيضًا وجوب الوفاء بالمعاملات الصحيحة، والعقود الشرعية، على اختلاف أنواعها وتباين أسبابها.

وبيَّن أيضًا ما يتعلق بالمال من الحقوق العارضة إذا وجدت أسبابها، كبدل النفوس والأموال المتلفة بغير حق، وما فيه من الحقوق العارضة لحاجة الغير من ضيف ونحوه، أو لاضطرار الغير، فأوجب مواساة المضطرين، ودفع اضطرارهم بإطعام الجائع، وكسوة العاري، وهذا من فروض الكفايات، إذا قام به البعض سقط عن غيره.

ومن ذلك إلزام الناس بالمعاوضات؛ منها ما هو محرم، كإكراههم على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم. ومنها ما هو عدل، مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، إذا وجب عليهم البيع أو الشراء لسبب يقتضي الوجوب؛ إما أداء دين أو غيره. ويجب منعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل، ومثل التسعير على العمال، ومن يحتاج الناس إليهم، ومَنَعم من أخذ الزيادة الفاحشة، كما يمنع الناس من هضمهم لحقوقهم.

ففي أمثال هذه المسائل يجب على الناس مراعاة العدل، ومنع أسباب الظلم. وهذه الأمور منها أشياء واضحة لكل واحد، ومنها أشياء يكون فيها اشتباه والتباس، يجب أن تفحص وتحقق تحقيقًا تامًّا لتعرف مرتبتها، فما دامت مشتبهة، فالأصل تحريم أموال الغير، والأصل إبقاء الناس على معاملاتهم، واحترام حقوقهم، حتى يتضح ما يوجب الخروج عن هذا الأصل لأصل شرعي أقوى منه.

وأما ما يهذي به كثير من الناس عندما انتشرت الشيوعية، وشاعت دعايتها، وأثَّرت على كثير من العصريين، وراجت على بعض أهل العلم، من أنه يسوغ لأولياء الأمور أن يلزموا أهل الغنى والثروة أن يواسوا بذلك أهل الحاجة والفقراء، وأن يفتتوا ثروتهم على أهل الحاجات، وأن يسددوا بزائد ثروتهم جميع المصالح، التي تحتاجها الأمة بغير رضاهم، بل بالقهر والقسر.

فهذا معلوم فساده بالضرورة من دين الإسلام، وأن الإسلام بريء من هذه الحالة الشيوعية أو هي مبدأ الشيوعية، ونصوص الكتاب والسنة على ذلك، وإبطال هذا القول صريحة وكثيرة جدًّا. وإجماع الأمة يبطل هذا القول المنافي لنصوص الكتاب والسنة، والمنافي للفطرة التي فطر الله عليها العباد، والفاتح للظلمة وأرباب الجشع أبواب الظلم والشر والفساد، فالله يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدره على من يشاء، وقد جعل الله العباد بعضهم فوق بعض درجات في كل الصفات؛ في العقل والحمق، وفي العلم والجهل، وفي حسن الخلق وضده، وفي الغنى والفقر، وفي كثرة الأولاد والأموال والأتباع وضد ذلك؛ حكم بذلك قدرًا، ويسر كلًّا لما خلق له، وأوجب على كل من أعطاه شيئًا من هذه النعم وغيرها من واجبات حددها وفصلها تفصيلًا، وجعل لنيل المطالب الدنيوية والأخروية أسبابًا وطرقًا، من سلكها أفضت به إلى مسبباتها، وأوصلته إلى نتائجها، وهؤلاء المنحرفون يريدون أن يبطلواقدر الله وشرعه، ويبرروا آراءهم الفاسدة، بشبه لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد يضيفون ذلك إلى بعض نصوص الشريعة، تحريفًا منهم، يعرفه كل من له أدنى معرفة بالشريعة.

وكثُر الدعاة إلى هذه الطريقة الشنيعة؛ تغريرًا من بعضهم، واغترارًا من آخرين، يقلدونهم على غير بصيرة، والبصير لا يخفى عليه الأمر، وقد يروجون باطلهم بأنَّ تضخُّم المال في أيد قليلة سبب لمفسدة الترف المفسد للأخلاق، وسبب لإثارة الأحقاد من الفقراء والمعدمين، وهذا غلط فاحش وضعف نظر، فإن الغنى قد يكون سببًا للطغيان، وقد يكون سببًا للتواضع، والتزود من طاعة الله، والقيام بحقوق المال الشرعية، وعلى فرض ما فيه من الترف ونحوه، فإنَّ ما حاولوه من القضاء على ثروة المثرين سبب لشرور عظيمة، لا تنسب إليها أي مفسدة، وسبب لإثارة فتن كثيرة عكس ما قالوه، وهل هذه الشرور والحروب الطاحنة إلا من آثار ذلك – كما هو معلوم لكل أحد . وما قالوه في زيادة ثروة المال، يقال مثله في زيادة قوة الجسد، وصحة البدن، فإنه قد يبعث على شرور، كما قد يبعث إلى خير ويُتوسل به إلى خيرات.

فنعم الله المتنوعة على العباد إما أن يشكروها ويتوسلوا بها إلى ما خلقوا له، من عبادة الله وشكره والقيام بحقه، وإما أن تكون بعكس ذلك، والله تعالى قد كفى عباده أضرار الثروة بما شرعه في الأموال من الحقوق الواجبة والمستحبة التي لو قام بها أرباب الأموال لكانوا من خير البرية أخلاقًا وأعمالًا، وأشرفهم وأعظمهم اعتبارًا، ولما ترتب على ذلك من الشر شيء، ولكن لما منع أكثر الخلق ما أوجب الله عليهم في أموالهم- وخصوصًا الزكاة- سلط عليهم أنواع الظلمة من ولاة ظالمين، ومن فتاوى الجاهلين المتجرئين {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا ْ يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129].

واعلم أن الشبه التي تثار لنصر كل باطل، إذا فرض صحة بعضها فإنها نظريات ضئيلة جدًّا، ونظر قاصر، حيث نظروا نظرًا جزئيًّا، وحكموا حكمًا كليًّا، وعموا عن الأصول التي تبنى عليها الأحكام، ويعتبرها الشرع، وتتولد عنها المصالح العامة الكلية، وتنغمر فيها المفاسد الجزئية، وتوافق الشريعة والحكمة وفطرة الله التي فطر عليها العباد، وتدع الخليقة هادئة، والأسباب قائمة، والارتباط بين الناس وثيقًا {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 132].

 


 

المصدر:

(مقالات كبار العلماء في الصحف السعودية القديمة) (1343هـ - 1383هـ) جمع وترتيب: أحمد الجماز و عبدالعزيز الطويل، دار أطلس الخضراء – الرياض، ط1: 1431هـ. (1/301)

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حقوق-المال
اقرأ أيضا
الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الرابع


فتى بريطاني يرفع دعوة على أمه ليتلقى منها وقتا كافيا توجه إلى المحكمة يرفع قضية على أمه لأنها لا تجلس معه وقتا كافيا تذهب خارج البيت وتتركه وأقر القاضي فعلا أن الحق معه وألزم الأم بالبقاء مع الطفل حتى الأساسيات غير موجودة عندهم فليس هناك حضانة ولا حق في الرضاعة يعطى للطفل ولا حنان يرتضعه يترك ويرمى ويهمل

بقلم: محمد المنجد
726
شبهات حول المرأة الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

شبهات حول المرأة الجزء الأول


يمكن القول بأن الجاهلية جمعت شبهاتها حول الشريعة في المرأة وقد انعكست الطبيعة العاطفية لهذه القضية على هذه الشبهات مما ساهم في طرحها على سرعة التفاعل معها وخصوصا عندما تكون الأحكام الشرعية في الأساس غير مرهونة بمعرفة العلة العقلية منها ومن هنا كانت مواجهة شبهات الكافرين والمنافقين حول المرأة في حقيقتها مواجهة لأبعاد أساسية في قضية الشبهات الجاهلية حول الشريعة الإسلامية وليست مجرد شبهة واحدة كغيرها من الشبهات

بقلم: رفاعي جمعة
2537
أثر اليهودية في الحياة الأوروبية | مرابط
تفريغات

أثر اليهودية في الحياة الأوروبية


اليهود كانوا عند الغربيين مذمومين فالغربيون كانوا يذمونهم وكانوا يسبونهم وكانوا يعتبرونهم شريرين وكانوا يذلونهم إذلالا كبيرا فلما بدأت الثورة في فرنسا -وهي التي يسميها كثير من الكتاب اليوم: ثورة النور- كانوا ممن ناصرها وسنلاحظ ما هي النتائج التي حصلت لهذه الثورة الفرنسية

بقلم: عبد الرحيم السلمي
615
أثر الإيمان في بناء الأمم ج2 | مرابط
تفريغات

أثر الإيمان في بناء الأمم ج2


محاضرة هامة عن عن أثر الإيمان في بناء الأمم والأفراد -والكلام القادم- سيكون عن أسباب انهيار الأمم ولماذا تنهار أمم وشعوب ولماذا تبقى غيرها فالأمر يحتاج إلى وقت طويل ولكن خطورة الأمر وأهميته هي التي تجعلنا نتحدث عنه بما يفتح الله تبارك وتعالى به علينا

بقلم: د سفر الحوالي
522
دولة الكلام المبطلة الظالمة | مرابط
فكر مقالات

دولة الكلام المبطلة الظالمة


إن المعقول المتبادر من حكمة الله في نعمة النطق ومزية الكلام التي ميز بها الإنسان وفضله من سائر أنواع جنسه الحيواني هو أنها التعبير عما في النفس من العلم ليتعاون الناس بإفضاء كل بما في نفسه إلى غيره على تكميل علومهم وتحسين أعمالهم ولكن الأشرار منهم كفروا هذه النعمة بما أساءوا من استعمالها في الكذب والإفك والخلابة حتى قال بعض الأذكياء: إن حكمة الكلام وفائدته إخفاء ما في النفس وصرف الأذهان عن الحقائق

بقلم: محمد رشيد رضا
933
من آثار بر الوالدين | مرابط
تفريغات

من آثار بر الوالدين


بر الوالدين من أعظم الأسباب التي توجب الرحمة من الله في تيسير الأمور والعكس بالعكس فإن العاق ما حضر مكانا إلا كان شؤما على أهله حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم فكيف بالذي عق والديه

بقلم: محمد مختار الشنقيطي
448