أصل ضلال البشرية

أصل ضلال البشرية | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

438 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

وأصل ضلال البشرية على ما تقدم الكلام عليه أنهم عرفوا شيئًا وجهلوا أشياء، وإذا أوغلوا في هذا الباب في أمر الجاهلية والجهل بحق الله سبحانه وتعالى، فبمقدار الجهل تضيق دائرة المعبود حتى يعبد التافهات، أهل الوثنية وكذلك الشرك من كفار قريش وغيرهم ابتدءوا من جهة الجهل بعظمة الله سبحانه وتعالى، أن جعلوا وسطاء من دون الله جل وعلا، فصوروا أقوامًا وعظموهم من دون الله، وتخيلوا أنهم وسطاء، ويعلمون أن هذه الأحجار إنما هي نماذج لأولئك، ثم اعتقدوا شيئًا أن أولئك من جهة أرواحهم يتجسدون في هذه التماثيل، أو يأتيهم إيحاء أن هذه التماثيل تبلغ أرواح أولئك بما يحدث وبما يفعلون، وتنفعهم وتضرهم وغير ذلك، ولهذا عبدوها من دون الله سبحانه وتعالى، حتى عظم الخوف في قلوبهم فعبدوها حتى في حال الأسفار وفي حال الخفاء.

حتى كما جاء في الصحيح من حديث أبي رجاء قال: كنا في الجاهلية نعبد حجرًا فإذا وجدنا حجرًا أعظم منه رميناه وأخذنا حجرًا آخر، فإذا لم نجد حجرًا وكنا في فلاة احتلب أحدنا ضرع شاة على تراب ثم طاف عليه، يعني: أنه يحتاج إلى شيء قاس، انظروا إلى مراتب التحول في ذلك حتى عبد شيئًا من أضعف المخلوقات؛ وذلك لأنه جهل مراتب التعظيم؛ لأنه ما من شيء عظيم إلا وثمة أعظم منه، وأعظم شيء هو الله سبحانه وتعالى، وله المنتهى والكمال في ذلك، ولكن الإنسان بمقدار سقفه في باب العلم والمعرفة يضل في هذا الباب، ولهذا نقول: إن الإنسان كلما كان أعلم بصفات الله عز وجل وأسمائه فإنه أعظم من جهة توجه العبادة لله جل وعلا، وإفراده سبحانه وتعالى، والبراءة كذلك أيضًا من الشرك.

الإنسان إذا وجد عظيمًا فإنه يزدريه بمعرفة من هو أعظم منه، فإذا وجد سيدًا مطاعًا قويًا غنيًا فليتذكر الله سبحانه وتعالى وقوته وعظمته، يضمحل عنده ويضعف من عظمه وهاب أو صرف له العبادة من دون الله سبحانه وتعالى، وهذا حينئذ يعرف مواضع الرجاء يرجو من، ومواضع الخوف يخاف ممن، وكذلك السؤال يسأل من، ويستغيث بمن، وغير ذلك، وإذا قصر وقصرت معرفته عن معرفة مراتب المعلومين من جهة أسمائهم وصفاتهم، فإنه يدنو في ذلك حتى يعبد الأوهام التي لا وجود لها، ولهذا نجد الذين ضلوا في تحديد إلههم الذي يتصرف فيهم؛ لأن الإنسان يعلم أن ثمة شيئًا هو أعظم منه، وهو الذي يقدر له الخير وهو الذي يقدر له الشر.

لكن حقيقته وكنهه لا يدري من هو، وما هي صفاته، وما هي أسماؤه؛ فيتعلق بهذا يمنة ويسرة، ولهذا منهم من يجعل الأمر يتعلق مثلًا بالنور والظلمة فيعبدون أولئك من دون الله سبحانه وتعالى، فيجعل النور هي التي تقدر الخير، ويجعل الظلمة هي التي تقدر على الإنسان الشر، ويرى في نفسه أنه يحتاج إلى معين، ولهذا الذين يجحدون وجود الله، ووجود الخالق سبحانه وتعالى وتصرفه في الكون سبحانه لو لم يقروا به من جهة الطوع فهم يقرون بذلك من جهة الإكراه، يعني: أنك لابد أن تؤمن بالله سواء بلسانك وأنت طائع أو وأنت كاره.

ومعنى الطواعية هنا هو: الانقياد والاستسلام لله عز وجل رغبة، وأما الكراهية، فهو ما يغلب على الإنسان مما فطره الله عز وجل عليه، الإنسان مفطور على الإيمان بالله، ولهذا الإنسان حتى لو كان ملحدًا لابد أن يلتجئ إلى الله ولو في المنام، إذا نزلت بك مصائب ثم لم تلتجئ إلى الله مكابرة وعنادًا فإنه لابد أن يمر عليك في المنام من الأحلام ما تلتجئ به إلى القوي الجبار سبحانه وتعالى، مما يدل على أن النفس ولو كابرتها وعاندتها فإنها ترجع إلى حقيقتها حتى في زمن المنام في الأحلام؛ لماذا؟

لأن النفس مفطورة على الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة)، يولد على الفطرة؛ ما هذه الفطرة التي يولد عليها الإنسان؟ أعظم دلالات الفطرة وآثارها في الإنسان هي الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى، وأنه هو المتصرف، وأنه جل وعلا هو المدبر للكون، وأنه الله سبحانه وتعالى هو القوي الذي يرزق الإنسان القوة، وهو المعطي الذي يرزق الإنسان مالًا ويكسبه بنينًا ويكسبه زوجة، ويكفيه ويقيه ويعينه ويسدده، وهذا لو كابر فيه الإنسان لابد أنه يجد في حواسه من الالتجاء إلى الخالق سبحانه وتعالى، ولكن الإنسان يكابر لأجل ماذا؟ يكابر الإنسان لأجل الشهوات وتحقيقها والنزوات والرغبات وغير ذلك؛ فيتجاهل حق الخالق ليمتع نفسه، وإذا ضعف بعد ذلك توجه إلى الخالق سبحانه وتعالى بطلب التوبة والمغفرة.

ولهذا أضعف الناس عقلًا وأقلهم إدراكًا واستعمالًا للعقل أولئك الذين يجحدون وجود الخالق سبحانه وتعالى، الإنسان خلق بإحكام، وخلقه الله عز وجل في أحسن تقويم،  لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4]، أحسن تقويم من جهة نظامه وقوامه، وكذلك أيضًا دب الحياة فيه، واتساقها وانتظامها، وما جعل الله سبحانه وتعالى له من قدرة يؤتيها الله عز وجل إياه للاكتساب وجلب الخير، ودفع الضر الذي يلحق به، هذا من حسن خلق الله عز وجل وصنعه في الإنسان.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أتدري-ما-الله
اقرأ أيضا
منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول


إن القرآن روح الإسلام ومادته وفي آياته المحكمة شرع دستوره وبسطت دعوته وقد تكفل الله بحفظه فصينت به حقيقة الدين وكتب لها الخلود أبد الآبدين والرجل الذي اصطفاه الله لإبلاغ آياته وحمل رسالاته كان قرآنا حيا يسعى بين الناس كان مثالا لما صوره القرآن من إيمان وإخبات وسعي وجهاد وحق وقوة وفقه وبيان فلا جرم أن قوله وفعله وتقريره وأخلاقه وأحكامه ونواحي حياته كلها تعد ركنا في الدين وشريعة للمؤمنين إن الله اختاره ليتحدث باسمه ويبلغ عنه فمن أولى منه بفهم مراد الله فيما قال ومن أولى منه بتحديد المسلك الذي...

بقلم: محمد الغزالي
1490
الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة | مرابط
تفريغات

الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة


وكذلك أيضا من فضل الله عز وجل على عباده: أن جعل هذه الأيام موضعا للصيام وآكد هذا الموضع في الصيام هو صيام يوم عرفة كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتي الكلام عليه بإذن الله. ويشرع للإنسان أيضا أن يصوم عشر ذي الحجة إلا يوم النحر فإنه يحرم صيامه لكونه عيدا وأما الأيام الباقية اليوم التاسع وما قبله فإنه يشرع للإنسان أن يصومها وكان السلف يصومون ذلك.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
312
الأصول الفكرية للنسوية: الجنوسة | مرابط
فكر مقالات النسوية

الأصول الفكرية للنسوية: الجنوسة


في هذا المقال استعراض واف لأحد أهم الأصول التي تستند عليها الحركة النسوية بشكل عام وهو الجندر والذي يعبر عن الهوية الجديدة للرجل والمرأة فالتصنيف البيولوجي للذكر والأنثى وطبيعة الخلقة الجنسية لكل واحد منهما لم تعد تعني شيئا بالنسبة للحركة النسوية وإنما هي صناعة مجتمعية مفروض فالمجتمع هو الذي فرض على الذكر أن يكون ذكرا والعكس وأما الجندرية فهي مرتبطة بميول الشخص وأدواره الاجتماعية التي يريدها وفي المقال تفصل لنا الدكتورة وضحى هذا الأساس الأول

بقلم: د وضحى بنت مسفر القحطاني
2471
فضل اللغة العربية | مرابط
تفريغات لسانيات

فضل اللغة العربية


ولما دخل الإسلام جزيرة العرب ألبس اللغة الثوب الجديد ثم بعد ذلك فتح الله الأمصار على يد المهاجرين والأنصار الذين رفعهم الله بتمسكهم بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فحدث الجهاد مع الأعاجم ثم حصل السبي للعبيد والإماء فلما دخل الأعاجم بلاد الإسلام أصبحت اللغة العربية يحدث فيها الغلط واللحن فلما ظهر اللحن ابتدأ جهابذة اللغة والسنة والكتاب وقالوا: لا بد من حفظ كتاب ربنا وسنة نبينا ولا يكون ذلك إلا بالضوابط والقواعد النحوية

بقلم: محمد حسن عبد الغفار
414
الدعوة إلى الله | مرابط
مقالات

الدعوة إلى الله


ولم يمر على المسلمين زمن كانوا أبعد فيه عن القرآن كهذا الزمن فلذلك وجب على كل من امتحن الله قلبه للتقوى وآتاه هداه أن يصرف قوته كلها في دعوة المسلمين إلى القرآن ليقيموه ويحققوا حكمة الله في تنزيله ويحكموه في أهواء النفوس ومنازع العقول ويسيروا بهديه وعلى نوره فإنه لا يهديهم إلا إلى الخير ولا يقودهم إلا إلى السعادة.

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
299
أصول الانحراف الدرس الأول ج1 | مرابط
تفريغات

أصول الانحراف الدرس الأول ج1


سلسلة ماتعة للدكتور أحمد عبد المنعم تدور حول أصول الضلال أو أصول الانحراف من خلال أصول الوحي نريد أن نتكلم عن الضلال الذي وقع فيه كثير من الناس فالضلال وقع فيه كثير من الناس لماذا ما هي الأصول التي حذر منها القرآن والتي لو وقع فيها الإنسان -في هذه الأصول- ينحرف والعياذ بالله

بقلم: أحمد عبد المنعم
378