ليس على العوام أضر من سماعهم علم الكلام؛ وإنما ينبغي أن يحذر العوام من سماعه والخوض فيه، كما يحذر الصبي من شاطئ النهر خوف الغرق، وربما ظن العامي أن له قوةً يدرك بها هذا، وهو فاسد، فإنه قد زل في هذا خلق من العلماء، فكيف العوام؟!
وما رأيت أحمق من جمهور قصاص زماننا، فإنه يحضر عندهم العوام الغشم، فلا ينهونهم عن خمر وزنا وغيبة، ولا يعلمونهم أركان الصلاة، ووظائف التعبد، بل يملؤون الزمان بذكر الاستواء، وتأويل الصفات، وأن الكلام قائم بالذات، فيتأذى بذلك من كان قلبه سليمًا.
وإنما على العامي أن يؤمن بالأصول الخمسة(1)، بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ويقنع بما قال السلف: القرآن كلام الله غير مخلوق، والاستواء حق، والكيف مجهول.
وليعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكلف الأعراض سوى مجرد الإيمان، ولم تتكلم الصحابة في الجواهر والأغراض، فمن مات على طريقهم، مات مؤمنًا سليمًا من بدعة، ومن تعرض لساحل البحر، وهو لا يحسن السباحة، فالظاهر غرفة.
المصدر:
ابن الجوزي، صيد الخاطر، ص360
الإشارات المرجعية:
1- بل أصول الإيمان ستة، ينضاف إليها الإيمان بالقدر خيره وشره كما جاء في حديث جبريل.