أنواع الإلحاد

أنواع الإلحاد | مرابط

الكاتب: البشير عصام المراكشي

2463 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.
 
يقول هنري برجسون (والترجمة لي):
 
(نجد في الماضي – وحتى اليوم أيضا – مجتمعات إنسانية ليس لها علوم، ولا فن، ولا فلسفة. ولكن لم يوجد قط مجتمع دون دين).

 

الدين هو الأصل

نعم .. الدين هو الأصل

والإيمان بوجود الله – وهو أول مدارج الدين – هو الأساس الذي صاحب الإنسانية في تاريخها الطويل، لأنه مقتضى الفطرة، وثمرة الاستدلال العقلي السليم. أما الإلحاد فمرض طارئ على الإنسانية، بدأ – كما تبدأ الأمراض كلها – صغيرا محصورا، ثم انتشر في أجزاء الجسد الإنساني جميعها ..
 
ولأنه طارئ مخالف للأصل، وجب علينا أن نبحث عن أسبابه، فالأصل لا يُبحث في علة وجوده، وإنما يبحث عن علة انعدامه – متى انعدم!

 

أنواع الإلحاد


وقد كنت أقول في مناسبات متفرقة: “الإلحاد ثلاثة أصناف: فلسفي وعلمي وشهواني”.

 

الإلحاد الفلسفي

وأقصد بالإلحاد الفلسفي، ذاك الذي يستند إلى تأصيلات فلسفية نظرية، سيأتي – إن شاء الله تعالى – عرضُها في سياقها التاريخي، مع مناقشتها بما يتيسر.

 

الإلحاد العلمي

وأقصد بالإلحاد العلمي، ذاك الذي يعتمد على نظريات علمية، سواء أكانت في مجال العلوم الإنسانية كنظرية التحليل النفسي الفرويدية ونظريات التدين عند رواد علم الاجتماع مثل كونت ودوركايم؛ أو كانت في مجال العلوم الكونية كالداروينية في علوم الأحياء أو كنظرية الأكوان المتعددة في علوم الفيزياء.
 
وقد مضى ذلك الزمن الذي كان أرسطو يعلن فيه أن “الفلسفة أم العلوم”، وانفصلت علوم كثيرة عن جسد الفلسفة، ليبقى مفهوم الفلسفة منحصرا في بحث إشكالات المعرفة والأخلاق، والإجابة عن أسئلة الوجود والحياة، وبحث الحاضر في شق اللامفكر فيه – كما يقول ميشيل فوكو. ولذلك فإن هذه العلوم المتولّدة عن الفلسفة صار لها وجود مستقل، مكّنها في بيئات معينة أن تكون مستنَدا لتقرير مفاهيم خارج اختصاصها الأصلي، كالتدين والإلحاد.
 

مصطلح العلمية

ولا ينبغي الاغترار بمصطلح العلمية الذي نسبتُ إليه هذا النوع من الإلحاد، فليس ذلك مدحا في ذاته، وذلك لسببين:
 
الأول: أنني – خلافا للعلمويين المنبهرين بالعلم، والمؤمنين بامتلاك العلم الحديث للحقيقة المطلقة التي لا مجال للتشكيك فيها – أعرف للعلم مكانته، وأرفض أن أزعم له القدرة الخارقة على تفسير كل شيء، وأن أجعله الحكم في كل نقاش وجودي أو مجتمعي.
 
والثاني: أن مجرد الانتساب للعلم لا يكفي في تحقيق العلمية، ما لم تتوفر معايير هذا الانتساب! وقد دخل العلمُ – منذ زمن وفي شق مهم منه – في متاهات الآراء المسبقة، والأفكار الذاتية، التي تُستدعى النظرية العلمية لتعزيزها وتبكيت المخالف بها؛ مما ألحقه في بعض جوانبه بالتنظير الفلسفي، وإن كان متدثرا بلبوس العلم، ورافعا شعار المنهجية العلمية الصارمة (أستحضر هنا تمثيلا لا حصرا: فلسفة فرويد المسماة تحليلا نفسيا، ونظرية الأكوان المتعددة). ولعل لبسط هذا البحث موضعا آخر.
 

الإلحاد الشهواني

وأقصد بالإلحاد الشهواني، ذاك الذي ينشأ من مخالفة للدين السائد، بسبب غلبة الشهوة، والعجز عن الالتزام بقيود الدين الأخلاقية. ومع الجهل بمراتب الأعمال، ومنزلة المعصية في المنظومة الدينية (في الإسلام: لا يخرج المذنب – بما دون الشرك – عن الدين بارتكابه الذنب)، فإن العاصي يرى في فعله مناقضةً لاعتقاده! ولأنه لا يستطيع التخلي عن الفعل، لأن هوى النفس وشهوة الجسد يمنعانه من ذلك، فإنه يلجأ إلى التخلي عن الاعتقاد، بتبني الشك ثم الإلحاد. وهو في كثير من الأحيان، يغلف إلحاده بسؤالات فلسفية أو تشكيكات علمية. لكن الحقيقة، أنه ما به إلا الشهوة الطافحة، مع الجهل بمعاني التوبة والتكفير عن الذنب من داخل المرجعية الدينية.
 

أنواع الإلحاد على أرض الواقع

 

وإذا علمنا هذه الأقسام الثلاثة، فإنني كنت أقول – من باب الدعابة التي لا تخلو من خلفية جدية تشتمل على جزء كبير من الصحة -: “الإلحاد الفلسفي فرنسي، والإلحاد العلمي أمريكي، والإلحاد الشهواني لدينا نحن!”.

 

وتفسير ذلك أن الفرنسسين متأخرون نسبيا في مجالات العلوم الحديثة، وهم بالمقابل ورثة تاريخ فلسفي عريق، تأكد في العقود الأخيرة بإسهام فلسفي ضخم (يجمعها بعض الأمريكيين تحت لقب “النظرية الفرنسية – French theory”، ومن أقطابها: دريدا، فوكو، ألتوسير، بودريار، دولوز إلخ).
 
والأمريكيون بالمقابل متقدمون نسبيا في مجالات العلوم الكونية، كما أن لعلماء اللاهوت الديني في أمريكا سطوة وانفتاحا إعلاميا مكنهم من وقفات ناجحة أمام النظريات الإلحادية الفلسفية. ولذلك فالحوار الحقيقي للمتدينين اليوم في أمريكا هو ضد “ملاحدة العلم”، مثل: ريتشارد دوكينز وكريستوفر هيتشينز وسام هاريس ودانييل دانيت.
 
وأما في بلداننا: فالنخبة الإلحادية عالة على الغرب في الفلسفة والعلم معًا، وغيرُ النخبة غارقةٌ في الكسل المعرفي وطمأنينة الجهل؛ ولذلك فليس للمبتدئ في الإلحاد إلا التمسك بهرمونات الشهوة والاستناد إلى التأصيلات المسروقة من بيئة خارجية!
 
وإذا تجاوزنا هذا التقسيم الابتدائي، فإننا نقرر أن أسبابَ الإلحاد متنوعة ومتشابكة وكثيرة:

 


 

المصدر:

  1. http://iswy.co/e299h3
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد
اقرأ أيضا
يا شباب العرب | مرابط
مقالات

يا شباب العرب


ويقولون: إن الأمر العظيم عند شباب العرب ألا يحملوا أبدا تبعة أمر عظيم ويزعمون أن هذا الشباب قد تمت الألفة بينه وبين أغلاطه فحياته حياة هذه الأغلاط فيه وأنه أبرع مقلد للغرب في الرذائل خاصة وبهذا جعله الغرب كالحيوان محصورا في طعامه وشرابه ولذاته ويزعمون أن الزجاجة من الخمر تعمل في هذا الشرق المسكين عمل جندي أجنبي فاتح ويتواصون بأن أول السياسة في استعباد أمم الشرق أن يترك لهم الاستقلال التام في حرية الرذيلة

بقلم: مصطفى صادق الرافعي
1194
منزلة المحبة | مرابط
اقتباسات وقطوف

منزلة المحبة


فلو بطلت مسألة المحبة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان ولتعطلت منازل السير إلى اللهفإنها روح كل مقام ومنزلة وعمل فإذا خلا منها فهو ميت لا روح فيه ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها بل هي حقيقة الإخلاص بل هي نفس الإسلام فإنه الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله فمن لا محبة له لا إسلام له ألبتة بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله فإن الإله هو الذي يألهه العباد ذلا وخوفا ورجاء وتعظيما وطاعة له بمعنى مألوه وهو الذي تألهه القلوب أي تحبه وتذل له

بقلم: ابن القيم
1210
مخرجاتك مدخلاتك | مرابط
مقالات

مخرجاتك مدخلاتك


من أوجه الشبه بين الإنسان والحاسوب أن كلا منهما له مدخلات ومخرجات وصندوق معالجة والقاعدة المهمة في كليهما أن المخرجات من جنس المدخلات فلن يعالج الحاسوب أي بيانات لم يتعرف عليها وبالتالي لن يعطيك أي مخرجات بلا مدخلات.. ومع الإنسان الأمر ذاته في ذاته!!

بقلم: د. جمال الباشا
373
المؤامرة على المرأة المسلمة ج3 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج3


ثم ما الذي ينتج إذا عملت المرأة كما هو واضح إذا عملت المرأة أولا تنافس الرجال في الوظائف الدولة التي عندها عشرة آلاف وظيفة مثلا وتخرج عشرة آلاف خريج وعشرة آلاف خريجة إنها ستعطي خمسة آلاف منهن خمسة آلاف وظيفة فيتعطل خمسة آلاف شاب فيتحولون إلى مجرمين وإلى لصوص وإلى مدمني مخدرات وإلى ما لا يحتاج إلى أن يذكر لمعرفته في الإحصائيات العالمية

بقلم: سفر الحوالي
842
لماذا خلقني كأنثى؟ | مرابط
فكر المرأة

لماذا خلقني كأنثى؟


هذا جزء من رسالة أرسلت لي من فتاة عبر تويتر تقول فيها: لماذا خلق الله النساء؟ إذا الله كتب على نفسه الرحمة لماذا خلقني كأنثى؟ لماذا جعل الرجل الذي يرى امرأة يريد أن يصل إليها؟ لماذا جعل قوة الرجل أكبر وجعل النساء فرائس سهلة القتل وهتك الأعراض واللمس؟ هل الله رحيم مع النساء؟ أين هو عدل الله مع النساء؟ هل خلقنا ذوات مشاعر وعواطف لتعذيبنا؟ أم ماذا؟

بقلم: محمد بن رمضان
1803
أن تكون أبا | مرابط
مقالات

أن تكون أبا


أن تكون أبا فليس ذلك بالأمر الهين..أن تكون أبا فيعني ذلك أن الخوف والقلق والفزع البشري الطبيعي لم يعودوا من المشاعر التي يحق لك أن تجدها وإن حدث ووجدتها يوما فليس من حقك أن تستسلم لها أو تنساق خلف تبعاتها إلا لثوان ثم تتدارك بعدها نفسك لتستطيع إكمال المهمةمهمة أن تكون أبا..

بقلم: محمد علي يوسف
398