بين أهل الحديث وأهل الكلام

بين أهل الحديث وأهل الكلام | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

478 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في نقد ما وقع فيه بعض أهل الحديث من الشذوذات المخالفة لمنهجهم:

(...وإذا قابلنا بين الطائفتين -أهل الحديث وأهل الكلام- فالذي يعيب بعض أهل الحديث وأهل الجماعة بحشو القول إنما يعيبهم بقلة المعرفة أو بقلة الفهم.

أما الأول فبأن يحتجوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة، أو بآثار لا تصلح للاحتجاج.
وأما الثاني: فبأن لا يفهموا معنى الأحاديث الصحيحة، بل قد يقولون القولين المتناقضين، ولا يهتدون للخروج من ذلك.

والأمر راجع إلى شيئين: إما رواية أقوال غير مفيدة يظن أنها مفيدة، كالأحاديث الموضوعة، وإما أقوال مفيدة لكنهم لا يفهمونها، إذ كان إتِّباع الحديث يحتاج أولا إلى صحة الحديث، وثانيا إلى فهم معناه كإتباع القرآن، والجهل يدخل عليهم من ترك إحدى المقدمتين، ومن عابهم من الناس فإنما يعيبهم بهذا.

ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم، يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الأصول والفروع، وبآثار مفتعلة وحكايات غير صحيحة، ويذكرون من القرآن والحديث ما لا يفهمون معناه، وربما تأولوه على غير تأويله، ووضعوه على غير موضعه.

ثم إنهم بهذا المنقول الضعيف والمعقول السخيف قد يكفرون ويضللون ويبدعون أقواما من أعيان الأمة ويجهلونهم، ففي بعضهم من التفريط في الحق والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأ مغفورا، وقد يكون منكرا من القول وزورا، وقد يكون من البدع والضلالات التي توجب غليظ العقوبات، فهذا لا ينكره إلا جاهل أوظالم، وقد رأيت لهذا عجائب.

لكن هم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل، ولا ريب أن في كثير من المسلمين من الظلم والجهل والبدع والفجور ما لا يعلمه إلا من أحاط بكل شيء علما، لكن كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم).

وهذا النقد الصريح والواضح من شيخ الإسلام ابن تيمية الذي هو من علماء أهل الحديث وأئمتهم لهذه المخالفات عند بعض أهل الحديث يبين أهمية تصحيح المنهج، وإعلان البراءة مما قد يشوبه من الخلل، وأن الانتصار مطلقا إنما يكون للحق من كل من جاء به، وأن من خالف الحق لم يقبل قوله مهما تكن منزلته ومكانته.

وهذا المبدأ لو صدقت جميع الطوائف في العمل به والسعي لتصحيح ما يقع لطوائفهم من مخالفات لكان ذلك سببا لاجتماع كلمتهم ونبذ خلافاتهم، وإنما يمنعهم من ذلك التعصب واتباع الهوى والتحزب الجاهلي والبغي والعدوان على المخالف، وفي مثل هذه الأحوال يضيع صوت الساعي لجمع الكلمة ونبذ الخلاف وتوحيد الصف ويذهب سدى.

ولا والله ما تميز الحق من الباطل، وما قامت الحجة على مخالف، مع التقليد الأعمى والتعصب واتباع الهوى، وإنما يذوق طعم اليقين من ألزم نفسه الصدق مع الله واتباع الحق إذا ظهر له، وأن يكون رضا الله عنده مقدما على رضا الناس مهما كانوا وممن كانوا.

وما أكثر ما تجده من المخارج والتعسفات عندما ينتقل الأمر من التنظير إلى التطبيق على واقع الأمة اليوم، فما أسهل أن تنادي بالمباديء وما أصعب أن تنقلها إلى واقع الناس.

وانظر كيف أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم ينسب تلك المخالفات لسائر أهل الحديث وإنما نسبها لبعضهم، كما لم يكتف بذكر ما رآه من مخالفات، وإنما أردفه ببيان منزلة أهل الحديث بين طوائف الأمة، وأن حالهم بين تلك الطوائف هو كحال المسلمين بين غيرهم من أهل الملل.

وبهذا التقرير على هذا الوجه تحقق العدل والإنصاف والجمع بين حماية منهج السلف من أن ينسب له ما ليس منه، وبين عدم المبالغة في بيان قدر المخالفة لمنهج السلف من بعض أتباعه حتى يؤثر ذلك على تفرد منهجهم واستقلالهم بالحق عن جميع الطوائف الإسلامية.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-تيمية #أهل-الكلام #أهل-الحديث
اقرأ أيضا
من مقومات المجتمع المسلم: اتباع السنة | مرابط
فكر تفريغات

من مقومات المجتمع المسلم: اتباع السنة


كان السلف الصالح رضوان الله عليهم ينكرون أشد الإنكار على ما ظهر من بدع في أيامهم كما أنكر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه على بدع في التسبيح فعلها بعض القراء ثم لما ظهرت الفرق المبتدعة وتميز أهل السنة رأينا كيف كانت عقوبتها

بقلم: سفر الحوالي
433
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
812
المجتمع الديموقراطي | مرابط
اقتباسات وقطوف الديمقراطية

المجتمع الديموقراطي


إذا وقفنا على مفهوم المجتمع الديموقراطي سنجد أكثر من تعريف ويبدو أن هناك طرفين أساسيين يتجاذبان تعريف هذا المجتمع الأول هو الغارق في المثالية المطلقة التي لا تعرف للواقع طريقا والثاني هو الواقعي المستمد من حياة الأنظمة الحاكمة وبين يديكم مقتطف للكاتب نعوم تشومسكي يوضح فيه هذين التعريفين

بقلم: نعوم تشومسكي
739
طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج1 | مرابط
تفريغات

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج1


من أساليب أهل البدع في إثبات بدعهم وما أحدثوه في الدين هو تحريف آيات الكتاب وأحاديث السنة إما بلي أعناقها لإثبات مقصودهم وأهوائهم أو بتفسيرها بما يسمى عندهم بالتفسير الباطني أو تحريف الأحاديث بذكر زيادات لم تصح وغير ذلك وقد تصدى أهل العلم لهذه التحريفات بفضل الله فقاموا بتفنيد هذه الشبه وفضح أهل البدع بكل ما أوتوه من قوة وبيان

بقلم: أبو إسحاق الحويني
978
لماذا نصوم الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

لماذا نصوم الجزء الرابع


أما التائهون يسهرون إلى نصف الليل على الباطل ثم يتسحرون وينامون فلا يستيقظون لصلاة الصبح أبدا فتفوتهم صلاة الصبح لكن أمثالكم ينامون بعد صلاة التراويح أربع ساعات أو خمس ساعات ثم يقومون فيتسحرون فإذا أذن الصبح توضئوا وصلوا

بقلم: أبو بكر الجزائري
819
ما أورثني علم الكلام إلا حيرة! | مرابط
اقتباسات وقطوف

ما أورثني علم الكلام إلا حيرة!


واعلم أني عند الاشتغال بعلم الكلام وممارسة تلك المذاهب والنحل لم أزدد بها إلا حيرة ولا استفدت منها إلا العلم بأن تلك المقالات خزعبلات فقلت إذ ذاك مشيرا إلى ما استفدته من هذا العلم: وغاية ما حصلته من مباحثي... ومن نظري من بعد طول التدبر .. هو الوقف ما بين الطريقين حيرة... فما علم من لم يلق غير التحير .. على أنني قد خضت منه غماره... وما قنعت نفسي بدون التبحر

بقلم: الإمام الشوكاني
350