بين أهل الحديث وأهل الكلام

بين أهل الحديث وأهل الكلام | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

426 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في نقد ما وقع فيه بعض أهل الحديث من الشذوذات المخالفة لمنهجهم:

(...وإذا قابلنا بين الطائفتين -أهل الحديث وأهل الكلام- فالذي يعيب بعض أهل الحديث وأهل الجماعة بحشو القول إنما يعيبهم بقلة المعرفة أو بقلة الفهم.

أما الأول فبأن يحتجوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة، أو بآثار لا تصلح للاحتجاج.
وأما الثاني: فبأن لا يفهموا معنى الأحاديث الصحيحة، بل قد يقولون القولين المتناقضين، ولا يهتدون للخروج من ذلك.

والأمر راجع إلى شيئين: إما رواية أقوال غير مفيدة يظن أنها مفيدة، كالأحاديث الموضوعة، وإما أقوال مفيدة لكنهم لا يفهمونها، إذ كان إتِّباع الحديث يحتاج أولا إلى صحة الحديث، وثانيا إلى فهم معناه كإتباع القرآن، والجهل يدخل عليهم من ترك إحدى المقدمتين، ومن عابهم من الناس فإنما يعيبهم بهذا.

ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم، يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الأصول والفروع، وبآثار مفتعلة وحكايات غير صحيحة، ويذكرون من القرآن والحديث ما لا يفهمون معناه، وربما تأولوه على غير تأويله، ووضعوه على غير موضعه.

ثم إنهم بهذا المنقول الضعيف والمعقول السخيف قد يكفرون ويضللون ويبدعون أقواما من أعيان الأمة ويجهلونهم، ففي بعضهم من التفريط في الحق والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأ مغفورا، وقد يكون منكرا من القول وزورا، وقد يكون من البدع والضلالات التي توجب غليظ العقوبات، فهذا لا ينكره إلا جاهل أوظالم، وقد رأيت لهذا عجائب.

لكن هم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل، ولا ريب أن في كثير من المسلمين من الظلم والجهل والبدع والفجور ما لا يعلمه إلا من أحاط بكل شيء علما، لكن كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم).

وهذا النقد الصريح والواضح من شيخ الإسلام ابن تيمية الذي هو من علماء أهل الحديث وأئمتهم لهذه المخالفات عند بعض أهل الحديث يبين أهمية تصحيح المنهج، وإعلان البراءة مما قد يشوبه من الخلل، وأن الانتصار مطلقا إنما يكون للحق من كل من جاء به، وأن من خالف الحق لم يقبل قوله مهما تكن منزلته ومكانته.

وهذا المبدأ لو صدقت جميع الطوائف في العمل به والسعي لتصحيح ما يقع لطوائفهم من مخالفات لكان ذلك سببا لاجتماع كلمتهم ونبذ خلافاتهم، وإنما يمنعهم من ذلك التعصب واتباع الهوى والتحزب الجاهلي والبغي والعدوان على المخالف، وفي مثل هذه الأحوال يضيع صوت الساعي لجمع الكلمة ونبذ الخلاف وتوحيد الصف ويذهب سدى.

ولا والله ما تميز الحق من الباطل، وما قامت الحجة على مخالف، مع التقليد الأعمى والتعصب واتباع الهوى، وإنما يذوق طعم اليقين من ألزم نفسه الصدق مع الله واتباع الحق إذا ظهر له، وأن يكون رضا الله عنده مقدما على رضا الناس مهما كانوا وممن كانوا.

وما أكثر ما تجده من المخارج والتعسفات عندما ينتقل الأمر من التنظير إلى التطبيق على واقع الأمة اليوم، فما أسهل أن تنادي بالمباديء وما أصعب أن تنقلها إلى واقع الناس.

وانظر كيف أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم ينسب تلك المخالفات لسائر أهل الحديث وإنما نسبها لبعضهم، كما لم يكتف بذكر ما رآه من مخالفات، وإنما أردفه ببيان منزلة أهل الحديث بين طوائف الأمة، وأن حالهم بين تلك الطوائف هو كحال المسلمين بين غيرهم من أهل الملل.

وبهذا التقرير على هذا الوجه تحقق العدل والإنصاف والجمع بين حماية منهج السلف من أن ينسب له ما ليس منه، وبين عدم المبالغة في بيان قدر المخالفة لمنهج السلف من بعض أتباعه حتى يؤثر ذلك على تفرد منهجهم واستقلالهم بالحق عن جميع الطوائف الإسلامية.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-تيمية #أهل-الكلام #أهل-الحديث
اقرأ أيضا
كيف كان الرسول يبث الأمل في أصحابه وقت الأزمات | مرابط
تفريغات

كيف كان الرسول يبث الأمل في أصحابه وقت الأزمات


كان صلى الله عليه وسلم يمر على مجالس قريش ويقول لهم: قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم فكان يخاطبهم بذلك في الفترة المكة ويبشر المسلمين المحصورين في الفترة المكية بسيادة الأرض وملك العرب والعجم أي: فارس والروم أكبر دولتين في الأرض في ذلك الزمن وكانتا تقتسمان العالم في ذلك الزمن النصف الشرقي فارس والنصف الغربي الروم ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم في زمان الاستضعاف والقهر والتعذيب والبطش والإحاطة من الكفار للمسلمين كالسوار حول المعصم الفترة

بقلم: د راغب السرجاني
798
المذاهب والفرق المعاصرة: المرجئة ج1 | مرابط
تفريغات

المذاهب والفرق المعاصرة: المرجئة ج1


ظهرت طائفة في آخر أزمنة الصحابة أو بعدهم أضعفت من منزلة العمل وبدأت المسألة بشكل بسيط بدأت بخلاف نظري في مفهوم العمل هل هو داخل في حقيقة الإيمان أو غير داخل في حقيقة الإيمان فإنه بعد فتنة ابن الأشعث وبعد مصائب الحجاج بن يوسف الثقفي وهو والي بني أمية على العراق وبعد ظهور الخوارج وتعظيمهم لجانب العمل وتكفيرهم المسلمين بالكبائر ونحو ذلك بعد هذه الأحداث ظهرت طائفة من الفقهاء في الكوفة وأخرجوا العمل عن مسمى الإيمان كان منهم حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وغيره من أهل الكوفة الذين قالوا: إن الع...

بقلم: عبد الرحيم السلمي
637
الإيمان في القلب | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

الإيمان في القلب


نسمع كثيرا على ألسنة عامة الناس عبارة الإيمان في القلب والحقيقة قد يتخيل السامع أن المراد بها هو تعظيم الإيمان القلبي وتعظيم الاهتمام بباطن الإنسان وسريرته ولكن الحقيقة أن هناك سياقات أخرى تأتي فيها هذه العبارة ولا تكون إلا باطلا محضا وينتج عنها الكثير من المفاسد وهذا ما يوضحه لنا المقال

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2311
عليك بدين الصبي | مرابط
تعزيز اليقين

عليك بدين الصبي


والأصل الجامع في هذا الباب أنه ما ابتدعت في الإسلام بدعة إلا كان لها مقدمات تنبوا عنها أفهام المخاطبين الذين يتلقون الخطاب فطريا بلا تكلف ولا تعسف فلا يسلم بها من بقي على الأصل الذي يأتي عليه خطاب الوحي وإنما لابد أن ينحرف المبتدع عما يقبله عموم المخاطبين إلى ما لا يقبل إلا مع قيود خارجة عن اعتبار الخطاب على أصله.

بقلم: عبد الله القرني
639
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج3 | مرابط
تفريغات

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج3


لقد عزمنا على أن نقوم بعمل يقاوم جهود المنصرين واسترشدنا بمشورتكم وبآرائكم وباقتراحاتكم الكثيرة وتوصلنا إلى هذا المشروع وهذه هي فكرته ببساطه: هي أنه لا بد من عمل ما ونحن لا نستطيع أن نفتح مستشفيات أو مطارات أو جامعات لا نستطيع إلا في حدود ما أعطانا الله وهو أن ننشر العلم الصحيح والعقيدة الصحيحة ونرد شبه هؤلاء بالرد العلمي الذي هو مجالنا وبضاعتنا الوحيدة

بقلم: سفر الحوالي
670
أخبار الأنبياء والرسل | مرابط
اقتباسات وقطوف

أخبار الأنبياء والرسل


تعليق لشيخ الإسلام ابن تيمية على تواتر أخبار الرسل التي وصلتنا من طرق مختلفة فجميع أهل الأرض الآن يعلمون أنه كان هناك رسل وهؤلاء الرسل كان لهم أتباع ومخالفون وأن الله في النهاية نصر الفريق الأولى من اتبعوا الرسل وأخزى الفريق الآخر ونقل هذه الأخبار يؤسس معرفية يقينية حتمية

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2231