إرادة العبد

إرادة العبد | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

506 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

السؤال:
هل الإنسان عنده إرادة حرة، أم تابعة، أم مخلوقة؟

الإجابة:
الحمد لله وبعد: قال الله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، فأثبت للعبد مشيئة، وإرادة وقدرة. وقال سبحانه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، فأخضع مشيئة العبد لمشيئة الله فصارت "إرادة العبد خاضعة لإرادة الله".

وقال سبحانه {واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، فأثبت أن إرادة العبد وقدرته وعمله مخلوق لله، فصارت إرادة العبد: خاضعة لمشيئة الله، ومخلوقة لله.

حسنًا، هل لإرادة العبد وقدرته تأثير؟ فالجواب أن التأثير لفظ مجمل، إن أريد "التأثير المستقل" عن الله فباطل، وإن أريد "التأثير السببي" فهذا حق، والتأثير السببي يكون بقدرة تامة وإرادة جازمة للعبد، مع مشيئة الله بتوفيق العبد التي مدارها على الإعانة وحبس المانع المعارض عنه.

وهذا جواب بقدر ما في سؤال السائل، وإلا فإن أبواب العلم تتفاوت في شدة ترابط مسائلها المدرجة فيها، ومن أكثر أبواب العلم في تواشج مسائلها ببعضها، وانبناء بعضها على بعض "باب القدر"، فلا يجد الباحث برد اليقين حتى يعرف أصوله الناظمة، ثم كيف انبنت فروعه عليها، وكيف انفلقت مقالات الطوائف في الباب بالسبب الجامع لها كلها وهو: أخذ بعض نصوص القدر، وترك بعض نصوصه الأخرى، إما لهوى أو لعجز عن التمييز والفرز. ثم ما يترتب على ذلك من الدخول في دوامة تأويلات لمعاني شرعية أخرى لدفع الشنعة بلوازم القول الفاسد، فكل طائفة تفسرها على مقتضى أصولها، ثم اشتقاق ألفاظ حادثة لحل الإشكالات التي نشأت عليهم؛ فتزيد الأمر تعقيدًا بما فيها من الإجمال، فيتصل نقاش هذه المسائل في الباب من هذا المدخل.

الاشتراك

وأما ينبوع الشبهات في الباب فهو "الاشتراك" في الألفاظ كالاشتراك مثلًا في لفظ "التأثير" في مسألة قدرة العبد، واشتراك الإرادة الإلهية، ونحو ذلك.

وأما مدار الباب وجوهره ومعقده فهو: فهم المراتب الأربع للقدر (العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق)، فمن فهمها حقًا سيجد في نفسه استغراب كثير من الأسئلة المطروحة في الباب، لكن أكثر الناس يسألون عن الفرع المعين بمعزل عن أصله، ويستثقلون فهم الكلي، حتى يكون إشكالهم الفرعي طريقًا في كثير من الحالات إلى استيعاب الكلي، فإذا استوعبوه وجدوا في نفوسهم الاستخفاف بجنس أسئلتهم السابقة.

ومن أصول باب القدر الناظمة له والتمييزات التي تحل أسئلته: التمييز بين الإرادة الكونية والشرعية المستلزمة للرضا والمحبة، والتمييز بين استطاعة التمكن السابقة للفعل، واستطاعة الإيجاب المقارنة للفعل، والتمييز بين الشر المطلق، والشر الإضافي، والتمييز بين الفعل، والمفعول الإلهي، والتمييز بين حسن الفعل، وقبحه المعلوم بالعقل، وبين استحقاق العقوبة عليه المفتقر للحجة الرسالية، وإثبات الحكمة وأنها قد تعود للخالق أو للعبد على وجه الإنعام، وأن استكمال الرب بفعله ليس احتياجًا لغيره.

ثم فهم كيفية تسلسل هذه المحدثات باستيعاب تلازماتها، مثل احتياج الطوائف لتأويل بعض المعاني لتخرج من ورطة لوازم مذهبها في باب القدر، كتأويل الجهمية والأشعرية للظلم بأنه التصرف في ملك الغير بغير إذنه ليتخلصوا من كون عقوبة المجبر ظلمًا.

وكثير من أسئلة الباب طرحها أوائل الجهمية والمعتزلة، ثم خاض فيها متكلمو فقهاء المذاهب، فاضطر محققو مذهب السلف للتنصيص على آحاد مذهب السلف في مثل هذه الفروع الكلامية، لأنه قد لا يتبين لكثير من الناس الصلة بين الكلي والجزئي قبل إيقافه عليه، ولذلك ما أكثر ما تجد من يعتمر جمل السلف العامة، ثم تدخل عليه تفاصيل العقائد الكلامية دون استشعاره، حتى يتم إيقافه على تناقض الجزئي الكلامي مع الكلي السلفي. والله أعلم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإرادة
اقرأ أيضا
هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه | مرابط
أباطيل وشبهات

هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه


قالوا: اختلف الصحابة في قرآنية أهم سور القرآن وهي سورة الفاتحة فلم يكتبها ابن مسعود من مصحفه كما نقل عنه ذلك التابعي ابن سيرين بقوله: إن أبي بن كعب وعثمان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن وبين يديكم الرد على هذه الشبهة

بقلم: د منقذ بن محمود السقار
2449
علاقة الأخذ بالأسباب بالإيمان بالقدر | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

علاقة الأخذ بالأسباب بالإيمان بالقدر


إن قدر الله تعالى وقضاؤه غير معلومين لنا إلا بعد الوقوع فنحن مأمورون بالسعي فيما عساه أن يكون كاشفا عن موافقة قدر الله لمأمولنا فإن استفرغنا جهودنا وحرمنا المأمول علمنا أن قدر الله جرى من قبل على خلاف مرادنا فأما ترك الأسباب فليس من شأننا وهو مخالف لما أراد الله منا وإعراض عما أقامنا الله فيه في هذا العالم وهو تحريف لمعنى القدر

بقلم: د علي الصلابي
1511
هذا مخالف للعلم الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هذا مخالف للعلم الجزء الأول


من المقولات التي شاع استعمالها في العصر الحديث والتي أدت بكثير من الناس إلى معارضة جملة من الأخبار الشرعية دعوى مخالفتها للعلم المعاصر فهي مقولة تشابه إلى حد ما مقولة لا يقبله العقل لكن الفرق أن طرف المعارضة هنا هو العلم بدلا من العقل وفي هذا المقال مناقشة دقيقة لهذا القول ولمذهب أصحابه

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2275
هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟


قالوا: النص القرآني تعرض للتغيير والتحريف الذي طرأ عليه بسبب خطأ الرواة والنساخ واستدلوا لذلك بما روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ أفلم يتبين للذين آمنوا فقيل له: إنها أفلم ييأس الذين آمنوا الرعد: ٣١ فقال: إني أرى الكاتب كتبها وهو ناعس.. وبين يديكم رد على هذه الشبهة بقلم الدكتور منقذ السقار.

بقلم: منقذ السقار
778
صيد الخاطر | مرابط
مناقشات

صيد الخاطر


أعدت قراءة صيد الخاطر في الأسابيع الماضية بشكل متقطع. ولكن بتمعن أو بالأحرى بعين أخرى غير تلك التي قرأت الكتاب قبل سنوات عين جديدة نسبيا وبأسئلة جديدة أكثر راهنية وأقل تجريدا. وصيد الخاطر لابن الجوزي من الكتب التي تستحق التكرار في مراحل عمرية مختلفة. وهو يقدم للقارئ خلاصات علمية وحصيلة تجارب وتأملات وخبرات حياتية شديدة الأهمية.

بقلم: عبد الله الوهيبي
261
التواصل الشبكي: إدمان أم مهرب | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

التواصل الشبكي: إدمان أم مهرب


ومن التصورات الشائعة: الظن أن العالم الجوهري في الإدمان الشبكي هو بفعل الجاذبية الاستثنائية للمحتوى على الإنترنت بحيث يخلب المرء عن المهام الأخرى وهذا التصور غير دقيق البتة فقد أكدت دراسات هذا الحقل أن الإدمان الشبكي كثيرا ما يكون آلية هروب نفسي

بقلم: إبراهيم السكران
495