إرادة العبد

إرادة العبد | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

412 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

السؤال:
هل الإنسان عنده إرادة حرة، أم تابعة، أم مخلوقة؟

الإجابة:
الحمد لله وبعد: قال الله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، فأثبت للعبد مشيئة، وإرادة وقدرة. وقال سبحانه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، فأخضع مشيئة العبد لمشيئة الله فصارت "إرادة العبد خاضعة لإرادة الله".

وقال سبحانه {واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، فأثبت أن إرادة العبد وقدرته وعمله مخلوق لله، فصارت إرادة العبد: خاضعة لمشيئة الله، ومخلوقة لله.

حسنًا، هل لإرادة العبد وقدرته تأثير؟ فالجواب أن التأثير لفظ مجمل، إن أريد "التأثير المستقل" عن الله فباطل، وإن أريد "التأثير السببي" فهذا حق، والتأثير السببي يكون بقدرة تامة وإرادة جازمة للعبد، مع مشيئة الله بتوفيق العبد التي مدارها على الإعانة وحبس المانع المعارض عنه.

وهذا جواب بقدر ما في سؤال السائل، وإلا فإن أبواب العلم تتفاوت في شدة ترابط مسائلها المدرجة فيها، ومن أكثر أبواب العلم في تواشج مسائلها ببعضها، وانبناء بعضها على بعض "باب القدر"، فلا يجد الباحث برد اليقين حتى يعرف أصوله الناظمة، ثم كيف انبنت فروعه عليها، وكيف انفلقت مقالات الطوائف في الباب بالسبب الجامع لها كلها وهو: أخذ بعض نصوص القدر، وترك بعض نصوصه الأخرى، إما لهوى أو لعجز عن التمييز والفرز. ثم ما يترتب على ذلك من الدخول في دوامة تأويلات لمعاني شرعية أخرى لدفع الشنعة بلوازم القول الفاسد، فكل طائفة تفسرها على مقتضى أصولها، ثم اشتقاق ألفاظ حادثة لحل الإشكالات التي نشأت عليهم؛ فتزيد الأمر تعقيدًا بما فيها من الإجمال، فيتصل نقاش هذه المسائل في الباب من هذا المدخل.

الاشتراك

وأما ينبوع الشبهات في الباب فهو "الاشتراك" في الألفاظ كالاشتراك مثلًا في لفظ "التأثير" في مسألة قدرة العبد، واشتراك الإرادة الإلهية، ونحو ذلك.

وأما مدار الباب وجوهره ومعقده فهو: فهم المراتب الأربع للقدر (العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق)، فمن فهمها حقًا سيجد في نفسه استغراب كثير من الأسئلة المطروحة في الباب، لكن أكثر الناس يسألون عن الفرع المعين بمعزل عن أصله، ويستثقلون فهم الكلي، حتى يكون إشكالهم الفرعي طريقًا في كثير من الحالات إلى استيعاب الكلي، فإذا استوعبوه وجدوا في نفوسهم الاستخفاف بجنس أسئلتهم السابقة.

ومن أصول باب القدر الناظمة له والتمييزات التي تحل أسئلته: التمييز بين الإرادة الكونية والشرعية المستلزمة للرضا والمحبة، والتمييز بين استطاعة التمكن السابقة للفعل، واستطاعة الإيجاب المقارنة للفعل، والتمييز بين الشر المطلق، والشر الإضافي، والتمييز بين الفعل، والمفعول الإلهي، والتمييز بين حسن الفعل، وقبحه المعلوم بالعقل، وبين استحقاق العقوبة عليه المفتقر للحجة الرسالية، وإثبات الحكمة وأنها قد تعود للخالق أو للعبد على وجه الإنعام، وأن استكمال الرب بفعله ليس احتياجًا لغيره.

ثم فهم كيفية تسلسل هذه المحدثات باستيعاب تلازماتها، مثل احتياج الطوائف لتأويل بعض المعاني لتخرج من ورطة لوازم مذهبها في باب القدر، كتأويل الجهمية والأشعرية للظلم بأنه التصرف في ملك الغير بغير إذنه ليتخلصوا من كون عقوبة المجبر ظلمًا.

وكثير من أسئلة الباب طرحها أوائل الجهمية والمعتزلة، ثم خاض فيها متكلمو فقهاء المذاهب، فاضطر محققو مذهب السلف للتنصيص على آحاد مذهب السلف في مثل هذه الفروع الكلامية، لأنه قد لا يتبين لكثير من الناس الصلة بين الكلي والجزئي قبل إيقافه عليه، ولذلك ما أكثر ما تجد من يعتمر جمل السلف العامة، ثم تدخل عليه تفاصيل العقائد الكلامية دون استشعاره، حتى يتم إيقافه على تناقض الجزئي الكلامي مع الكلي السلفي. والله أعلم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإرادة
اقرأ أيضا
ردود علماء الغرب على الإلحاد المعاصر | مرابط
مناقشات

ردود علماء الغرب على الإلحاد المعاصر


كتاب ردود علماء الغرب على الإلحاد المعاصر هو في الأصل رسالة دكتوراه نوقشت وأجيزت في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية لكن الكتاب ليس مجرد عمل أكاديمي بحت وإنما هو في الحقيقة نتيجة تجربة ومجاهدة ثرية ومثيرة للباحث الدكتور عبدالله السويدي يتبين بها معنى أن الله تعالى إذا أراد شيئا هيأ أسبابه وأن الإنسان إذا جاهد في الله وسعى بإخلاص في طلب الحق هداه الله تعالى ووفقه وصرف عنه ما يعيقه عن الوصول إلى غايته.

بقلم: عبد الله القرني
448
من قصص المرأة الغربية | مرابط
تفريغات المرأة

من قصص المرأة الغربية


إن جولة واحدة في مجتمعات الانحلال تكفي لإدراك ذلة النساء للرجال فالمرأة هناك تشتغل حمالة حقائب في المطار وعاملة نظافة في الطريق ومنظفة حمام في الشركة وإن كانت جميلة اشتغلت في مرقص أو بار فهذا سكير يعربد بها وذاك فاجر يعبث بجسدها والثالث يتخذها سلعة يتكسب منها فإذا قضوا حاجتهم منها صفعوا وجهها أو ركلوها بأقدامهم وإذا كبرت ألقيت في دار العجزة التي هي أشبه بالسجون أو المقابر

بقلم: محمد العريفي
324
عقيدة شاملة الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات

عقيدة شاملة الجزء الأول


تمتاز العقيدة الإسلامية بالشمول لكافة مناحي الحياة وكافة جوانب الإنسان وقد يقال أن إثبات هذه الشمولية يحتاج إلى بحث وتدقيق وتمحيص ولكننا نقول أن مجرد النظر إلى جنبات هذه العقيدة والشريعة يكفي للعيان وفي هذا المقال بجزئيه يكشف لنا الكاتب عباس محمود العقاد عن شمولية هذه العقيدة الساطعة

بقلم: عباس محمود العقاد
1974
رسالة إلى كل مبتلى ومصاب ومهموم | مرابط
مقالات

رسالة إلى كل مبتلى ومصاب ومهموم


هذه رسالة جامعة من الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم يوجهها إلى كل مسلم مبتلى أو مهموم أو سقط في دوامات الحزن ولم يقدر على الخروج منها هنا تجد معالم الطريق وتتنبه إلى معاني الابتلاء وطبيعة الحياة الدنيا وتجد تعزية وتسلية على حالك وإعانة لك على الخروج

بقلم: عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
1911
المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم ج1 | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم ج1


يقولون: إن المرأة تتحجب لتخفي عيوبها عن زوجها الذي يريدها فهؤلاء أقوام رأوا في أوروبا الحضارة والمدنية والرقي فظنوا أن المرأة كانت مستعبدة لا تملك من أمرها شيئا فجاءت الحضارة والمدنية الحديثة وأعطت للمرأة شيئا من حقها ولكنهم لم يقفوا عند مرحلة الاعتدال فظنوا أن من الحرية أن تختلط المرأة بالرجل والرجل بالمرأة ومن العدالة أن تتمرد المرأة على تعاليم السماء ومن المساواة أن تعمل المرأة عمل الرجل والرجل عمل المرأة فكانوا بين إفراط وتفريط

بقلم: عمر الأشقر
699
الرد على المفوضة الجزء الثالث | مرابط
تفريغات

الرد على المفوضة الجزء الثالث


وردت الكثير من الشبه حول مسألة التفويض في آيات الصفات ونسبتها إلى أهل السنة وعقيدة السلف في هذه ذلك هو الإيمان بالمعنى وتفويض الكيف أما المعطلة فيظهر فساد مذهبهم في ذلك وتأثرهم بعلم المنطق وبين يديكم تفريغ لمحاضرة للشيخ الألباني يرد فيه على المفوضة وعلى من نسب عقيدتهم إلى السلف

بقلم: الشيخ الألباني
714