إنه الله

إنه الله | مرابط

الكاتب: د حسام الدين حامد

1984 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أبا الحكم!
كيف حالك؟ علّك أن تكون بخير، علّك ينقصك سجود تُبلل فيه الدموع أسربة الكآبة والحزن، فتخرج من سجدتك بصدر منشرح لا ضيّقًا حرجًا كأنما يصّعد في السماء!
 
تقول: أعلم أن وراء هذا الكون خالقًا، ولكني متكبر لدرجة عدم التصديق!
لكأنك كهذا العبد الذي هرب من سيده، وأخذ يبعد ويبعد حتى يخرج من ملك سيده؛ لأنه يأبى أن يكون عبدًا، ولكن العبد الآبق لا يدري أنه مازال في ملك سيده، وأن سيره هذا ما هو إلا علامة على رحمة سيده به، وألو شاء سيده لأتى به مسلسلًا بالسلاسل، وعجبًا لقوم يدخلون الجنة في السلاسل!
 
أتظنك كهذا العبد؟
أظنك أحكم من أن تكون مثله يا أبا الحكم!
ألم تقرأ قوله تعالى "نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا"
 
فأنت عبد أسير، سرت ما سرت، وتكبرت ما تكبرت، فأنا وأنت عبيد لله، ولو شاء الله لأخذك أخذ عزيز مقتدر، لكنه حليم بك على بُعدك، يدلّك على مواضع الهداية على كِبرك، فمالك تنأى؟ ولم لا تقول: "وعساك ربي ترضى"؟!
 
لقد حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة السابقة، وكيف هو لا يكون إلا صادقًا، وكيف هو لا يكون إلا رجلا لا يكذب على الله في أي شيء، فتعال الآن أحدثك عن رب الرسول، صلى الله عليه وسلم.

 

تعالى إلى ربي وربك ورب العالمين أحدثك عنه!

 

إنه الله!

 

أظنني الآن في ورطة!! أتراني أحدثك عن الله بما يكفي؟ سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه! لذا سأقتطف من ملكوت الله ما أدعه يتحدث عن الله خالقه، فأبرأت ذمتي بأن جعلت غيري يتحدث، بعد أن أبرأتها بأن الحديث لن يكفي، وكيف عساه أن يكفي؟!
 
ومن أين أقتطف؟
لن أبعد بك في ملكوت السماوات والأرض، بل تعالى -معًا- في أعماق نفسك! أتعرف أن في جسدك محابس وصمامات أمان؟ تعال أحدثك عن هذه الصمامات!

 

من أين أبدأ؟

 

هل أبدأ من ذلك الصمام الذي يمنع الأكل حين تبلغ أن يصل إلى الجهاز التنفسي بدلا من أن يصل إلى المريء؟! إن هذه المنطقة يعمل بها أكثر من 10 عضلات، أتعرف عنها شيئًا، أتعرف أسماءها؟ أتعرف كيف تعمل؟!
 
رغم الجهل بها فإنها تعمل! هذه العضلات تنقبض، فترفع القصبة الهوائية وتغلقها؛ وتغلق الأنف من الخلف، فلا يمر الطعام لأعلى في الأنف، ولا لأسفل في مجرى التنفس، ولا يجد إلا طريقًا واحدًا وهو المريء.
 
فبالذي خلقك فسواك فعدلك، من فعل هذا؟!

 

ثم تعال إلى صمام آخر!

 

صمام يمنع الفضلات من المرور دون إرادة الإنسان، صمام يحرس الشرج، صمام داخلي وصمام خارجي، الداخلي لا إرادي، وهذا الصمام يجعل القناة تحته فارغة، ولذا لا يتعب الصمام الخارجي الإرادي بطول العمل، ولا يمر الهواء بعد تراكمه رغمًا عن الإنسان.
 
والصمام الخارجي حتى الآن مازال علماء التشريح في حيرة من أمرهم، قالوا هو عضلة واحدة، ثم قالوا أكثر، والآن قالوا ثلاث عضلات، تنفبض فتجعل القناة الهضمية في وضع زاوية حادة فلا يمر شيء! أهكذا فقط!؟
 
بل هذا الصمام يشعر بطبيعة المادة داخله أهي غاز أم سائل أم صلب؟! فإن أحسه الإنسان غازًا؛ تصرف بحسب ذلك، وإن شعره صلبًا؛ تصرف بحسب ذلك، واللبيب يفهم بالإشارة! تخيل لو كان الإنسان يتعامل مع المار في الشرج على أنه غاز فوجده صلبًا! يا للفضيحة! ثم تخيل لو كان هذا الصمام غير موجود؟! يا للفضيحة!

 

ثم تعال إلى صمام آخر!

 

الإفرازات المراية من الكبد تصل إلى الحوصلة المرارية من خلال قناة الحوصلة، وتتجمع المادة في الحوصلة المرارية، وعندما يأتي الطعام في الأمعاء تبعث إشارات عصبية وهرمونية إلى الحوصلة؛ فتقبض، فيمر السائل المخزّن إلى الأمعاء.
 
فالقناة المرتبطة بالحوصلة المرارية يمر بها السائل في اتجاهين؛ القناة الوحيدة في جسمك التي يمر فيها السائل في اتجاهين! فكيف حال الصمام الذي في القناة الصغيرة ؟! إنه صمام حلزوني الشكل! هذا الشكل الحلزوني يساعد السائل على المرور في اتجاهين!
 
فبالذي جعل لك عينين ولسانا وشفتين، من خلق هذا؟!

 

ثم تعال إلى صمام آخر!

 

صمامات القلب.. أتعرف عنها شيئًا!؟ قصتها طويلة.. كيف شكلها؟! كيف حركتها؟ كيف إغلاقها؟! كيف تتناسق في العمل؟ ورغم أن الكثيرين لا يعلمون عن ذلك شيئًا؛ فإنها تعمل!
 
تكفيك هذه الصمامات أم أزيدك؟!

 

الصمام الذي في الإثنى عشر

 

الصمام الذي في الإثنى عشر يتحكم في نزول السائل المراري إلى الأمعاء لإتمام الهضم، هذا الصمام مازالوا في حيرة من أمرهم في أمره، قالوا هو جزء واحد، ثم قالوا ثلاثة، ثم قالوا أربعة..
 
من خلق هذا الذي حيّر العقول؟!
 
قلها معي "صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ"
 
اكتفيت من الحديث عن الصمامات، فإنها -والذي خلقها وخلقك- كثيرة كثيرة! فخبّرني -أبا الحكم- عن المنطق الإلحادي هاهنا، ستجده منطقًا باردًا باهتًا حائرًا ليته يسكت دون منطق!
 
ستجده خبالا يقول: صدفة طائشة.. ستجده سفاهة تقول: طبيعة غير عاقلة، فتعال إلى المنطق الحق والقول الصدق
 
"التفسير الإسلامي: "قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ " قلها يا أبا الحكم! وما عليك أن تقول "آمنت بالله" ثم تستقيم؟!
 
التفسير الإلحادي:...........(لن تجد تفسيرًا مقنعًا).


بل تعال نتعمق في المسألة:


الله، سبحانه وتعالى، خلقنا، ولم يتركنا هملا، وأحاطنا بالنّعم كما ترى، فجسدك شهيد عليك يوم القيامة، هذا الرب الرحيم الذي لم يخلقنا ويتركنا كما يدّعي السفهاء، هذا الرب الرحيم الذي لم يزل وحتى تقوم الساعة وبعد قيامها يحوظنا بالنعم والأفضال، وأسأل الله ألا تأتيك الساعة إلا وأنت مسلم!
 
هذا الرب يدبّر لك أمر الصمامات في جسدك، ثم يترك دعيًّا يقول: أنا رسول الله إليكم، ولا يفضحه ويتركك تنخدع به؟! كيف يكون ذلك؟!
 
إن الأدعياء يقعون في التناقض والكذب، وتتضح عليهم علامات الدجل، وتلك سنة الله الكونية فيهم، انظر إلى غلام القاديانية الذي ادعى النبوة كيف وقع في الفضيحة تلو الفضيحة! وانظر في أمر النصارى حين حرّفوا الكتب، كيف انكشفوا وامتلأ الأمر بالتناقض، واتسع الخرق على الراقع!
 
فتلك سنة الله الرحيم الذي أحاطك بعنايته في جسدك ونفسك، ألا يدع كذابا دعيًّا يتكلم باسمه ويتركه دون أن ينفضح أمره، ورزقك العقل الذي تعرف به هذا التناقض والدجل، فكما أحاطك بالرعاية في أمر دنياك؛ أحاطك بها في أمر دينك.
 
فالسؤال الذي سيقف في حلق المنطق الإلحادي: لماذا لم يكن شيء من ذلك مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؟!
 
لقد أخبرتك في المرة السابقة كيف أن النبي، صلى الله عليه وسلم، صادق، وكيف كان سيتصرف أيّ دعي كذاب لو كان في مكانه، وكان تصرف النبي، صلى الله عليه وسلم، على العكس من تصرف أي كذاب، ذلك أنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حقًا وصدقًا
 
والآن أخبرتك أن الرب الذي يحوطك بالعناية في جسدك؛ لن يترك دعيًّا لئيمًا يتكلم باسمه دون أن يفضحه، وهذه سنة الله في خلقه، حدثت مع كبير بني قاديان ومع مسيلمة الكذاب، حتى صار الكذب وصفًا لازمًا له، وحدثت مع النصارى حين حرّفوا وبدّلوا، وحدثت مع اليهود حين حرّفوا وبدّلوا، ومع كل من افترى على الله كذبًا.
 
فإن جمعت ما أخبرتك به في المسرة السابقة، مع ما أخبرتك به في هذه المرة؛ وجدت أن المنطق الإلحادي ليس له حينها إلا الخرس، وإن تكلم؛ فاعلم أنه أصم لم يسمع، وإن كان يسمع؛ فاعلم أنه لا عقل له، وهذه هي الحال! المنطق الإلحادي كان على شفا جرف هار وقد سقط فيه بالفعل!
 
لكن العجب الأكبر يا صاحبي: أن الله لم يترك النبي، صلى الله عليه وسلم، دون أن يوقعه في شيء مما حصل لكل كذاب ودعي -ذلك أنه رسول الله حقًا- فحسب، ولكنه فوق ذلك أيده ونصره!
 
نعم -والذي خلقك- أيده ونصره، أيده بما لم يكن ليكون إلا من رب العالمين كيف أيده وكيف نصره بما لم يكن ليكون إلا من رب العالمين؟!
 


 

المصدر:

  1. د. حسام الدين حامد، لا أعلم هويتي حوار بين متشكك ومتيقن، ص23
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#مواجهة-الإلحاد
اقرأ أيضا
ذم الجدال والخصومات في الدين | مرابط
مقالات

ذم الجدال والخصومات في الدين


عقد الإمام الآجري في كتاب الشريعة بابا في ذم الجدال والخصومات في الدين ومع أن المقصد الأساس من هذا الباب هو بيان الموقف من أهل الأهواء والبدع وضرورة مجانبتهم إلا أنه ألحق بذلك ما قد يكون من الجدل والمناظرة في مسائل الأحكام مما يسوغ فيه الخلاف والترجيح عند أهل العلم وهنا أكد على التمييز بين ما تكون المناظرة فيه لأجل نصرة الحق من الطرفين وأن هذا مما لا بأس به بخلاف ما قد يكون من انتصار الشخص لقوله أو لمذهبه فإن هذا مما لا ثمرة له ولا تحمد عواقبه وقل من يسلم منه.

بقلم: عبد الله القرني
273
الهيومانية كبديل عن الدين | مرابط
أبحاث

الهيومانية كبديل عن الدين


هل يمكن أن تحل الهيومانية humanism الإنسانية بديلا عن الدين؟ هل يمكن أن يحيا الجنس البشري بلا دين؟ هل يمكن التأسيس للقيمة والمعرفة والغاية والأخلاق في غياب الإله؟ لقد عاش الجنس البشري آلاف السنين تحت تأثير الدين واستطاع الدين أن يوفر جميع أوجه الحياة الأخلاقية والقانونية والعقائدية وحتى اللغة ومن ثم فمن حقنا أن نتساءل عما إذا كان من الممكن إنتاج جيل ملحد إلحادا كاملا؟

بقلم: د. هيثم طلعت
273
لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا | مرابط
اقتباسات وقطوف

لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا


مقتطف لابن قيم الجوزية رحمه الله من كتاب مفتاح دار السعادة يعلق فيه على قول الله تبارك وتعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ولماذا عبر سبحانه بالآلهة وليس الأرباب وكيف أن هذا الفساد يعود إلى عبادة غير الله تعالى أي أنه في معنى الألوهية

بقلم: ابن قيم الجوزية
1956
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج1 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج1


من الكلمات الجميلة جدا يقول صلى الله عليه وسلم: وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع يعني: عندما تأتي لطلب العلم تقابلك الملائكة في الطريق -وأنت لا تراها لكن هي تراك- فتضع أجنحتها لك تواضعا لك وتعظيما لك وتكريما وتبجيلا لك تقف لك الملائكة في الطريق هكذا لأنك تذهب إلى مجلس علم تلتمس علما انظر إلى عظم الأمر تغيرات كونية هائلة تنزل الملائكة وتضع أجنحتها لا تحرسك فقط بل تتواضع لك وتبجلك وتعظمك

بقلم: د راغب السرجاني
722
العقل والغيبيات | مرابط
فكر

العقل والغيبيات


أرسل إلي أحد الأصدقاء هذا السؤال: جملة العقل لا يدخل في الغيبيات هل هي هكذا صحيحة على إطلاقها؟ وما التفصيل؟ إليكم الرد

بقلم: د. سلطان العميري
244
قصة الحروب الصليبية الجزء الأول | مرابط
تاريخ

قصة الحروب الصليبية الجزء الأول


الحروب الصليبية هي سلسلة الحروب التي شنها المسيحيون الأوربيون على الشرق الأوسط للاستيلاء على بيت المقدس ومنذ أن انتصرت القوات الإسلامية على القوات البيزنطية في معركتي اليرموك وأجنادين في عام 13 هجريا منذ ذلك الوقت والإسلام يهاجم الصليبيين ويفتح أراضيهم وظل الصليبيون يترقبون الفرصة والزمن المناسب للأخذ بالثأر ورد الفعل وهكذا كانت أحسن الفرص للانتهاز في القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي والمقال الذي بين يدينا يقف بنا على أهم مراحل الحروب الصليبية وأبرز أحداثها ونتائجها

بقلم: موقع قصة الإسلام
1605