وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه:
أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه : {لكل أمة جعلنا منسكًا هم ناسكوه} [الحج/67] كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر.
بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر مالها من الشعائر فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه.
وأما مبدؤها فأقل أحواله أن يكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن لكل قوم عيدًا وإن هذا عيدنا). وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم لأن تلك علامة وضعية ليست من الدين وإنما الغرض بها مجرد التمييز بين المسلم والكافر. وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.
وإن شئت أن تنظم هذا قياسا تمثيليا قلت: شريعة من شرائع الكفر، أو شعيرة من شعائره، فحرمت موافقتهم فيها كسائر شعائر الكفر وشرائعه، وإن كان هذا أبين من القياس الجزئي. ثم كل ما يختص به ذلك من عبادة وعادة، فإنما سببه هو كونه يوما مخصوصا، وإلا فلو كان كسائر الأيام لم يختص بشيء، وتخصيصه ليس من دين الإسلام في شيء، بل هو كفر به.
الوجه الثاني: أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله لأنه: إما محدث مبتدع، وإما منسوخ وأحسن أحواله ولا حسن فيه أن يكون بمنـزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس. هذا إذا كان المفعول مما يتدين به، وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس، واللعب والراحة، فهو تابع لذلك العيد الديني، كما أن ذلك تابع له في دين الله: الإسلام، فيكون بمنزلة أن يتخذ بعض المسلمين عيدا مبتدعا يخرج فيه إلى الصحراء، ويفعل فيه من العبادات والعادات من جنس المشروع في يومي الفطر والنحر، أو مثل أن ينصب بنية يطاف بها وتُحج ويُصنع لمن يفعل ذلك طعاما ونحو ذلك.
فلو كره المسلم ذلك، لكن غير عادته ذلك اليوم، كما يغير أهل البدع عادتهم في الأمور العادية أو في بعضها؛ بصنعة طعام وزينة ولباس وتوسيع في نفقة، ونحو ذلك، من غير أن يتعبد بتلك العادة المحدثة: ألم يكن هذا من أقبح المنكرات؟ فكذلك موافقة هؤلاء المغضوب عليهم والضالين وأشد. نعم، هؤلاء يقرون على دينهم المبتدع، والمنسوخ، مستسرين به، والمسلم لا يقر على مبتدع ولا منسوخ، لا سرا ولا علانية، وأما مشابهة الكفار فكمشابهة أهل البدع وأشد.
الوجه الثالث: أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس، بل عيدا، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه، حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر. كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى، من الهدايا والأفراح، والنفقات، وكسوة الأولاد، وغير ذلك، مما يصير به مثل عيد المسلمين، بل البلاد المصاقبة للنصارى، التي قل علم أهلها وإيمانهم، قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله، على ما حدثني به الثقات
المصدر: