الأعياد من جملة الشرع

الأعياد من جملة الشرع | مرابط

الكاتب: شيخ الإسلام ابن تيمية

481 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه:
أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه : {لكل أمة جعلنا منسكًا هم ناسكوه} [الحج/67] كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر.

بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر مالها من الشعائر فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه.

وأما مبدؤها فأقل أحواله أن يكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن لكل قوم عيدًا وإن هذا عيدنا). وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار  ونحوه من علاماتهم لأن تلك علامة وضعية ليست من الدين وإنما الغرض بها مجرد التمييز بين المسلم والكافر. وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.

وإن شئت أن تنظم هذا قياسا تمثيليا قلت: شريعة من شرائع الكفر، أو شعيرة من شعائره، فحرمت موافقتهم فيها كسائر شعائر الكفر وشرائعه، وإن كان هذا أبين من القياس الجزئي. ثم كل ما يختص به ذلك من عبادة وعادة، فإنما سببه هو كونه يوما مخصوصا، وإلا فلو كان كسائر الأيام لم يختص بشيء، وتخصيصه ليس من دين الإسلام في شيء، بل هو كفر به.

الوجه الثاني: أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله لأنه: إما محدث مبتدع، وإما منسوخ وأحسن أحواله ولا حسن فيه أن يكون بمنـزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس. هذا إذا كان المفعول مما يتدين به، وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس، واللعب والراحة، فهو تابع لذلك العيد الديني، كما أن ذلك تابع له في دين الله: الإسلام، فيكون بمنزلة أن يتخذ بعض المسلمين عيدا مبتدعا يخرج فيه إلى الصحراء، ويفعل فيه من العبادات والعادات من جنس المشروع في يومي الفطر والنحر، أو مثل أن ينصب بنية يطاف بها وتُحج ويُصنع لمن يفعل ذلك طعاما ونحو ذلك.

فلو كره المسلم ذلك، لكن غير عادته ذلك اليوم، كما يغير أهل البدع عادتهم في الأمور العادية أو في بعضها؛ بصنعة طعام وزينة ولباس وتوسيع في نفقة، ونحو ذلك، من غير أن يتعبد بتلك العادة المحدثة: ألم يكن هذا من أقبح المنكرات؟ فكذلك موافقة هؤلاء المغضوب عليهم والضالين وأشد. نعم، هؤلاء يقرون على دينهم المبتدع، والمنسوخ، مستسرين به، والمسلم لا يقر على مبتدع ولا منسوخ، لا سرا ولا علانية، وأما مشابهة الكفار فكمشابهة أهل البدع وأشد.

الوجه الثالث: أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس، بل عيدا، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه، حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر. كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى، من الهدايا والأفراح، والنفقات، وكسوة الأولاد، وغير ذلك، مما يصير به مثل عيد المسلمين، بل البلاد المصاقبة للنصارى، التي قل علم أهلها وإيمانهم، قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله، على ما حدثني به الثقات

 


 

المصدر:

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الأعياد
اقرأ أيضا
إقناع العقل وإمتاع العاطفة | مرابط
تعزيز اليقين

إقناع العقل وإمتاع العاطفة


وفي النفس الإنسانية قوتان: قوة تفكير وقوة وجدان وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة أختها فأما إحداهما فتنقب عن الحق لمعرفته وعن الخير للعمل به وأما الأخرى فتسجل إحساسها بما في الأشياء من لذة وألم والبيان التام هو الذي يوفي لك هاتين الحاجتين ويطير إلى نفسك بهذين الجناحين فيؤتيها حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معا

بقلم: محمد عبد الله دراز
573
المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج2 | مرابط
تفريغات العالمانية

المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج2


نعلم أن هناك متآمرين على المسلمين لكن المنهج القرآني يبين لنا أننا إذا انحرفنا في أنفسنا فإن أعداءنا سيتمكنون منا لكن إذا استطعنا أن نلتزم بديننا الحق الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى فلن يكون لهم قدرة علينا ولهذا مشاكلنا تعود إلى أنفسنا وكثير من المصلحين عندما يناقش انهزامات المسلمين وتأخرهم عن الصدارة في العالم المعاصر يرد ذلك إلى كيد الأعداء فقط

بقلم: عبد الرحيم السلمي
741
محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الأول


من أظهر الأمور الدينية: أن المهمة الأولى لدعوة الرسل والهدف المركزي فيها هو تعبيد الناس لله تعالى وغرس التعلق به في كل حياتهم كما قال تعالى:ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة النحل:36 فمقصد بعثة الرسل وأساس دعوتهم ومنتهى أعمالهم وغاية جهادهم وقطب الرحي في حياتهم والفكرة التي حولها يدندنون ومنها يقصدون وإليها يرجعون وفيها يبذلون هي: عبادة الله وحده وغرس فكرة العبودية في عقول الناس وقلوبهم وإنكار عبادة كل الأوثان

بقلم: سلطان العميري
2538
أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية | مرابط
تفريغات

أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية


هذا الرجل النبيل الكريم البحر العلم الذي ما يزال يرمى بالكفر حتى هذه الساعة وكثير من المسلمين لا يعرفون شيئا عنابن تيمية حياة شيخ الإسلامابن تيميةحياة لا تعلم إلا بمطالعة كل ما كتب عنه سواء بقلمه أو بقلم أتباعه فإذا كنت ممن يحبه بالغيب تزداد له حبا وإن كنت ممن يتوقف في محبته فتحبه بلا تردد وإن كنت ممن عاديته فتراجع نفسك على أقل تقدير

بقلم: أبو إسحق الحويني
633
المادية تنهدم | مرابط
فكر مقالات

المادية تنهدم


إن الفلسفة المادية لن تنهدم من ناحية التفكير وحده ولا من ناحية الدماغ المفكر دون النظر إلى مادة بدنه ومادة الكائنات الطبيعية من حوله بل تنهدم الفلسفة المادية لا محالة من كل نظرة واقعية ننظرها إلى حقيقة تركيبها مستقلة عن الفكر بل عن الدماغ وهو محمول على المادة من بعض نواحيه

بقلم: عباس محمود العقاد
2226
الحضارة المتبرجة | مرابط
فكر مقالات

الحضارة المتبرجة


ولولا هذا التبرج الفاجر في هذه المدنية ولولا هذه الشهوات التي انطلقت تشرف من مسكرات الفن المتبرج ولولا هذه الغرائز الجامحة في طلب السيطرة لإدراك غاية اللذة لما كان النظام الاقتصادي الحاضر في هذه المدنية هكذا مهدما مستعبدا مستأثرا باغيا ولما تعاندت القوة الدولية هذا التعاند الذي أفضى بالعالم إلى الحرب الماضية ثم إلى هذه الحرب المتلهبة من حولنا اليوم وذلك في مدى خمسة وعشرين عاما لم يستجمع العالم خلالها قوته ولم يتألف ما تفرق إلا ليضيع قوته مرة أخرى ويتفرق

بقلم: محمود شاكر
1990