ابتلي النبي ﷺ بابتلاءات كثيرة، وكان مِن أشدّها عليه: ابتلاؤه بسفهاء يزايدون عليه في الغيرة على الدين، قال أحدهم: اتق الله يا رسول الله، وقال الآخر: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله.. فتمعر وجهه ﷺ ثم قال (لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر) وقال (أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني؟!) والحديث في صحيح البخاري.
وهذا عمر بن الخطاب -بعد كل بذله وعدله- يدخل عليه جاهلٌ فيطعن عليه في عدله وجوده؛ فهمّ به عمر ليعاقبه، فقال له الحر بن قيس: قال الله: (وأعرض عن الجاهلين) وإن هذا من الجاهلين، فتركه عمر، وكان وقافاً عند كتاب الله.. والقصة في صحيح البخاري.
ثم ابتلي الصحابة بعد النبي ﷺ بشباب حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، طعنوا في دينهم، وكفّروهم، بل رأوا أن قتالهم أقرب إلى الله من قتال بعض الكفار، فقتلوا عليا رضي الله عنه، ثم قام أصحاب السفيه الذي قتل عليا فامتدحوه وقالوا:
يا ضربة من تقي ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا!
موقف آخر: كان الصحابي أبو برزة يصلي أمام الخوارج، فجعلت الدابة تنازعه، وجعل يتبعها، فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ.
فلما انصرف قال: إني سمعت قولكم، وإني غزوت مع رسول الله ﷺ بضع غزوات، وشهدت تيسيره! والقصة في صحيح البخاري.
وهذه الكلمة من أبي برزة رضي الله عنه (شهدت تيسير النبي ﷺ) يتحدث فيها عن فقه عام أخذه من مجموع المواقف النبوية، وهو ما يغيب عن قليلي الفقه الذين لا يستطيعون فهم الهدي العام من سيرة النبي ﷺ، ولذلك فإن القرب من السيرة النبوية، والهدي النبوي الشمولي = من صمامات الأمان تجاه هذه الانحرافات.
الجامع المشترك بين أولئك السفهاء هو: اتباعهم للخواطر النفسية الغضبية الشيطانية دون مراجعة ومحاسبة عميقة توقفهم أمام المحكمات، وتكفهم عن سوء الظن، ووتحجبهم عن الاستعجال في الحكم على المسلمين، وتذكرهم بخطورة موقف السؤال بين يدي الله تعالى عن حقوق المسلمين.
لم يكن أولئك السفهاء قادرين على إبصار الحقيقة القريبة منهم (وهي أن هذا النبي أمين الله على خلقه) وكذلك النظر إلى مجموع حال الصحابة، لأن هذا يتطلب منهم توقفا عن الاستجابة السريعة للخواطر الغضبية الشيطانية، وهذا صعب عليهم.. أما الفقهاء في دين الله فينظرون ويوازنون ويتأنون ويتورعون.