الاستدلال بنواميس الكون على نفي وجود خالقها

الاستدلال بنواميس الكون على نفي وجود خالقها | مرابط

الكاتب: سامي أحمد الزين

451 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن من علامات عدم الصدق التي نراها كثيرًا عند ملحدي هذه الأيام هي التفكير بالطريقة التي نقلها دوكنز في وهم الإله عن ممثلة ومؤلفة أمريكية تدعى جوليا سويني.. حسب دوكنز فإن المفترض بتلك القصة أن تكون مضحكة ومؤثرة وملهمة. لكن الحقيقة أن فكرتها مضللة جدًا ومنافية للمنطق السليم إلى درجة الفجاجة.

تحكي تلك الممثلة أنه في أحد الأيام انتابها شعور مفاجئ أن الله غير موجود، تصارعت مع الأمر قليلًا مستخدمة اللامنطق التالي:


"لكنني لا أستطيع، لا أعرف إن كان بمقدوري أن لا أؤمن بالله، أنا أحتاج إلى الله، أعني أن هناك تاريخًا يجمعني به"

"لكنني لا أعرف كيف أتوقف عن الإيمان بالله، لا أعرف كيف تفعل ذلك، كيف تستيقظ وكيف يمر عليك اليوم" .. إن أن اعترفت أنها تساءلت بينها وبين نفسها بهذا التساؤل الذي كان مخجلًا بالنسبة إليها "كيف تبقى الأرض معلقة في السماء هكذا؟ تعني أننا نندفع متجولين في الفضاء فحسب؟ ذلك وضع هشّ للغاية"

إلى أن وصلت إلى النقطة الحاسمة "ثم تذكرت؛ آه أجل الجاذبية والعزم الزاوي سيبقياننا في حالة دوران حول الشمس وعلى الأرجح لمدة طويلة جدًا"

إن الفهم السقيم الذي يحاول بعض الملاحدة نشره هو أن نفي وجود الخالق أو مجرد تدخله، يمكن أن يكون بشرح الآلية التي يعمل بها شيء كان يقال عنه إنه من سنع الله، فإن استطاع شخص فهم القوى الفيزيائية المؤثرة على بقاء الأرض أو القمر أو غيرهما في مدارات محددة قال: هذا ما يبقيها إذا وليس الله كما كنت أعتقد!

سؤالي هو: بماذا كان يعتقد قبل ذلك بالضبط؟ هل كان يظن مثلا أنه إذا بحث المسألة علميا كان سيجد دليلا على أن الملائكة هي التي تقوم بدفع كل نجم وكل كوكب في مداره الخاص به؟ أنا أحاول بصدق أن أتصور فهمهم السابق قبل اكتشافهم العظيم "كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى"

إن النتيجة الحتمية لمثل ذلك التفكير المغرق في السطحية وقلة الفهم أو بالأصح عدم الرغبة في الفهم ربما بسبب عدم الاكتراث؛ هي أن يكون لدينا عبارة مثل: نحن لا نحتاج إلى وجود إله، ﻷن كثيرًا من الأمور التي كنا نظن أن الله هو من يحكمها أثبت العلم الحديث أن قوانين الفيزياء هي ما تتحكم بها وليس الله.

لو أن شخصًا أسس شركة ما ووضع لها نظاما إداريا معينًا فإن من البدعي أن نقول إنه كلما كان ذلك النظام فعالا ومتناسقًا قلّت الحاجة إلى تدخل مباشر من واضع النظام. ولو احتاج الموظفون والمديرون في تلك الشركة إلى تدخل المؤسس في كل صغيرة وكبيرة لما كان لذلك النظام فائدة تذكر، وكانت الفوضى هي التي تحكم. والأمر ذاته ينطبق على الآلة التي لا تعمل إلا بتدخل بشري طوال الوقت.

ذلك هو الحال مع شركة يؤسسها بشر وآلة يخترعها إنسان، فكيف حال الكون الذي أوجده رب البشر ووضع قوانينه خالق كل شيء؟ الله تعالى وضع قوانين ونواميس تحكم الكون، ولا أدري كيف يستدل البعض بوجودها على عدم وجوده!

لا يعرف البشر إلا الشيء القليل عن أسرار هذا العالم ناهيك عن الكون. ثم إن جهل الإنسان بالطبع يزداد ويتضاعف إلى أن يكواد يصل إلى درجة الجهل التام إذا ما تعلق الأمر بتفاصيل الطريقة التي يدبر بها الخالق أمر هذا الكون. كل ذلك يجعل من عبارة مثل (الكون لا يحتاج إلى إله) عبارة سخيفة إلى درجة الإسفاف "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ"

ولعل الخطأ الأكبر الذي يقع فيه قائل تلك العبارة هو أنه يحكم بعدم حاجة الكون إلى وجود إله دون أن يكون لديه أدنى تصور للكون الآخر الذي يحتاج إلى وجود إله. كيف يحاول فاقد الخيال أن يتصور ما وراء الطبيعة؟

 


 

المصدر:

سامي أحمد الزين، قطيع القطط الضالة: بين تناقضات دوكينز ومغالطات هيتشينز، ص72

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد
اقرأ أيضا
الإخلاص والنية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإخلاص والنية


كتاب الإخلاص والنية من أهم ما نقل إلينا عن أبي بكر بن أبي الدنيا ففيه روايات وأخبار كثيرة كلها تدور حول نية العبد وكما نعلم فالنية هي أشق شيء على المؤمن لكي يضبطه ويحدد بوصلته في كل أعماله والأعمال بالنيات وبين يديكم اقتباسات موجزة من هذا الكتاب الماتع

بقلم: ابن أبي الدنيا
779
من محاسن الفتوى | مرابط
اقتباسات وقطوف

من محاسن الفتوى


عندما جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله: إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ به فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته فأجابه صلى الله عليه وسلم على سؤاله بقوله الطهور ماؤه ولكنه وزاد بأن قال الحل ميتته فما دلالة ذلك

بقلم: محمد بن إسماعيل الصنعاني
1748
فن أصول التفسير ج8 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج8


مهما جلسنا نستنبط من آيات الله سبحانه وتعالى ونذكر الفوائد والمسائل المتعلقة بالآيات فإننا يمكن أن نجلس من صلاة العشاء إلى الفجر في سورة واحدة ونحن نستخرج هذه الفوائد والنفائس ولا شك أن هذا مما يدل على عظمة القرآن ومجده لأن الله سبحانه وتعالى وصفه بالمجد فهو مجيد في ألفاظه ومجيد أيضا في معانيه ومجد المعاني أي: أن معانيه متسعة

بقلم: مساعد الطيار
665
آثار العالمانية في الغرب: أزمة المبدأ الخلقي | مرابط
فكر مقالات العالمانية

آثار العالمانية في الغرب: أزمة المبدأ الخلقي


مثلت العالمانية علامة فارقة في تاريخ الغرب إذ نقلته من عصر السلطان الكنسي إلى عصر سلطان العالم المادي والفجوة بين العصرين هائلة حتى لا يكاد يربط الزمن الأول بالزمان الآخر كثير لكنهما يشتركان في التيه بعيدا عن حقيقة الإنسان وجوهر حاجته إلى ما يروي غلته والنظر عن كثب في حال الغرب المتعلمن في زمن ما بعد الحداثة يكشف أن الآلة الدعائية الخارجية للغرب وآلة التجميل لأقنانه في بلاد المسلمين قد نقلا عن عمد صورة تكاد تكون عديمة الصلة بالعالمانية الغربية وأدوائها القاتلة

بقلم: د سامي عامري
2033
فإنها لا تعمى الأبصار | مرابط
مقالات

فإنها لا تعمى الأبصار


تسمع بين الفينة والأخرى صوت الهمز واللمز يزداد ويعلو حول هدي الإسلام وشعائره: كيف تتحملين النقاب في الحر الشديد؟ ازاي تستحملوا الكتمة دي؟ هل أنت عبدة لزوجك؟ ما لك تشبهين الخيمة السوداء في الطرقات؟ كيف تتحمل مظهرك بهذه اللحية؟ ألا ترى مظهرك مضحكا بهذا السروال القصير؟ يا أمة ضحكت من جهلها الأمم هل الدين يهتم بهذه المظاهر؟

بقلم: محمود خطاب
686
كيف تعرف صدق النبوة ج1 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج1


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1071