من ضمن ما قرره أبو شقة في كتابه تحرير المرأة: عدم جواز اقتداء نساء المؤمنين بنساء النبي، صلى الله عليه وسلم، في الحجاب، فقال: وهذا النوع لا مجال للاقتداء فيه، حيث يعني الاقتداء هنا اعتداء على حدود ما شرعه الله لعموم الأمة، سواء بالزيادة على القدر المباح، أو بتضييق ما وسعه الله وأباحه. (تحرير المرأة، 114/3)
وهذا كلام باطل لم يقل به أحد من العلماء، وهو مخالف لما أمرنا الله به عز وجل في كتابه من الاقتداء بالصالحين وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، قال تعالى "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" وقال سبحانه "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" وقال عز وجل "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" وقال بعد ذكر عدد من الأنبياء والمرسلين "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ"
وأمهات المؤمنين أولى من يقتدى بهن من نساء العالمين، خاصة في أمر لو سلمنا أن وجوبه خاص بهن لأجل طهارة قلوبهن، لكان الاقتداء بهن فيه من أوجب الواجبات على النساء، ذلك أن الشريعة إنما جاءت لتزكية هذه النفوس وتطهيرها. قال الشنقيطي رحمه الله: وإذا علمت بما ذكرنا أن حكم آية الحجاب عام، وأن ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرجال الأجانب، علمت أن القرآن دل على الحجاب، ولو فرضنا أن آية الحجاب خاصة بأزواجه، صلى الله عليه وسلم، فلا شك أنهن خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطهارة التامة وعدم التدنس بأنجاس الريبة، فمن يحاو لمنع النساء المسلمين كالدعاة للسفور والتبرج والاختلاط اليوم، من الاقتداء بهن في هذا الأدب السماوي الكريم المتضمن سلامة العرض والطهارة من دنس الريبة غاش لأمة محمد صلى الله عليه وسلم مريض القلب كما ترى" (أضواء البيان للشنقيطي 388/6)
المصدر:
د. عادل بن حسن الحمد، تحرير المرأة عند العصرانيين، ص386