المرأة المسلمة في رمضان: الاقتصاد في الطعام

المرأة المسلمة في رمضان: الاقتصاد في الطعام | مرابط

الكاتب: محمد المنجد

478 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن من أوجه عبودية المرأة في رمضان أيضًا -وقبل أن نقول: الصدقة نقول بالنسبة للطعام ما دمنا قد تكلمنا عن الطعام- إن إطعام الطعام من شعائر الإسلام، (أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) نقول: إطعام الطعام شيء طيب، ولكننا في نفس الوقت نقول: أولًا: لا يصلح أن تمكث المرأة في المطبخ طيلة الوقت لكي تعد أنواع الطعام والشراب في رمضان، وكأن رمضان هو شهر لاستعراض المهارات المتعلقة بالطبخ، وتنويع المطعومات والمشروبات، فليس لأجل هذا فرض الصوم، فإنما فرض لعل الناس يتقون، فرض: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] وليس: لعلكم تشبعون، أو لعلكم تصابون بالتخمة، ولذلك فعلى المرأة أن تنصح زوجها بعدم التكثير من ألوان الطعام والشراب، وخصوصًا أن بعض الرجال قد لا يهمهم التنويع الشديد، وإنما مصدر التنويع يأتي من المرأة في الغالب، ولذلك نقول: اقتصدي واعملي ما يفي بالغرض، ولا تتعدي الحد، ولا تسرفي فإن الله لا يحب المسرفين.

 

ونقول أيضًا بالنسبة لإطعام الطعام: بعض الناس يطبخون طعامًا فيرسلونه إلى أناس عندهم طعام كثير، ولا يتحرون في إرسال الطعام إلى الفقراء حقًا أو المساكين، أو العزاب الذين لا زوجات يطبخن لهم من الجيران، بعضهم قد يكون أعزبًا لا زوجة له، فينبغي أن يتفقد أحوال هؤلاء كالطلاب والموظفين العزاب وغيرهم، هذا أولى من تبادل الأطعمة مع الجارات، وكل واحدة تعرف من ألوان الطبخ ما تعرف، وأنا لا أقول: إن تبادل المطعومات مع الجارات شيء محرم! كلا. إنه أمر ولكن انتبهن إلى إيصال الطعام لمن يستحقه ويحتاج إليه أكثر، بدلًا من إعطائه لأشخاص هم أغنياء عنه، وحرمان الناس الذين يحتاجون إليه حقًا.

 

وكذلك أنبهك -أيتها الأخت المسلمة- بأن حديث: (من فطر صائمًا فله مثل أجره) أي: أشبعه، فمن أشبع صائمًا فله مثل أجره، أقول: قد تتخيل بعض النساء أن الزوج الذي اشترى الطعام بنقوده هو الذي أخذ الأجر، وأنها مجرد طباخة، فأقول: كلا.. ألست تعلمين أن الله يدخل في السهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة؟ الذي يبريه ويناوله ويرمي به كلهم مأجورون، وأنت تساهمين في تفطير الصائم عندما يحضر لدى زوجك عددٌ من الضيوف، أو يرسل الزوج طعامًا لبعض الفقراء أو المساكين أو الذين ضاقت أمورهم، فتكونين أنت داخلة في هذا الحديث إن شاء الله من جهة عملك وخدمتك في إعداد طعام الإفطار: (من فطر صائمًا فله مثل أجره).

 

وكذلك فإنني أقول: إنه لا بد من مراعاة إيقاظه للصلوات، خصوصًا صلاة الظهر وصلاة العصر، وكذلك الفجر لمن ينام متأخرًا، وفي رمضان يفوت الناس صلاة العصر أكثر من أي صلاة أخرى، فينبغي عليك -أيتها المسلمة- أن تراعي أهل بيتك من الرجال الذين تجب عليهم صلاة الجماعة في المسجد، أن يخرجوا إلى الصلاة، وأنك راعية في بيت زوجك ومسئولة عن رعيتك، ومن المسئولية حثهم على الصلاة وإيقاظهم لها، وإنني أعلم أن بعض الأزواج من الذين لا يخافون الله تمامًا يمنع زوجته من إيقاظه، ويقول لها: اتركيني حتى أستيقظ ولا تقتربي مني أو تزعجيني.. ونحو ذلك، فنقول: عليكِ بالنصيحة والتلطف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تفعلين شيئًا فيه مفسدة أكبر من المصلحة، لكن عليك باستمرار النصيحة، وحثَّ الرجال على العبادة ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.

 

وأشدد وأكرر أيضًا على مسألة الإكثار من الطعام، ووضعه ورفعه، طوال الليل والمائدة موضوعة مثل البوفيه، الذي يأتي إليه الناس ويأكلون عدة مرات، كما قال ذلك الرجل معاتبًا قومه الذين يكثرون الأكل في رمضان: إنكم تأكلون الأرطال، وتشربون الأسطال، وتنامون الليل ولو طال، وتزعمون أنكم أبطال؟!! كلا، كلا، فليست هذه ببطولة.

 

صدقة المرأة

كذلك فإن من أوجه العبودية في رمضان: الصدقة، فإذا كان رسولك صلى الله عليه وسلم قد قال: (يا معشر النساء، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فإذا كان الأمر بالصدقة عامًا، فالأمر به أو فعله في رمضان آكد وأقوم وأكثر أجرًا، ولا شك في مضاعفة الأجر في مواسم الطاعة العظيمة كشهر رمضان، فإن الحسنة تتضاعف في المكان الفاضل، والزمان الفاضل.

 

فأقول إذًا: تحركي بما تستطيعين أو تجودين به من الصدقات في أنواع البر المختلفة، والذي حصل من النساء -ولله الحمد- الآن تفتح كبيرٌ لها، وإسهامات عظيمة في التجميع والإيصال والحمد لله، وأنبه في هذه المناسبة إلى أن على النساء تمحيص جمعيات البر؛ لأن بعضها جمعيات سوء، وبعضها جمعيات صلاح وتقوى.. بعضها أسس على تقوى من الله ورضوان، وبعضها أسس على شفا جرف هار، فعليك بتمييز الجمعيات الطيبة وإشهارها والإعلان عنها، والنصيحة بالتبرع لها، والمساعدة فيها، والتحذير من الجمعيات السيئة، وعدم إعانتهم بشيء إذا كانوا يريدون قصدًا سيئًا، أو يخفون أهدافًا سيئة، واحذري من القيل والقال.. وعليك من التأكد والتثبت.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6].

 

أيتها الأخت المسلمة! إن زكاة مالك مهم، فإن الناس كثيرًا لا يعتادون إخراج الزكاة في رمضان، فعليك بإخراج الأموال الزائدة عندك، وإذا كانت لديك أراضٍ معدة للبيع فأخرجي زكاتها، وإذا كان لك تجارة أو حصة في دكان أو عروض تجارة، فتقوم عروض التجارة عند حلول الحول، ويخرج (2.5%) من قيمتها الحالية في السوق، وما لديك من الحلي الملبوس والمدخر والمعار وغيره، فأخرجي زكاته على القول الراجح من أقوال أهل العلم المستند للدليل، وهو قوله عليه الصلاة والسلام للمرأة لما قال لها: (أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال لها: أيسرك أن يسورك الله سوارين من نار يوم القيامة؟) فعليك معرفة ثمن الحلي عند حلول الحول بالتقريب، فأكثر، وكذلك إذا كان عندك حلي للبنات تخرجين زكاة كل بنت على حدة، تعامل كل بنت بنصاب منفصل، فلو كانت البنت عندها أربعين غرامًا لا يجب عليها، والبنت الثانية عندها خمسون غرامًا لا يجب عليها، لكن لو أن البنت الواحدة عندها تسعين غرامًا مثلًا أو مائة يجب عليها، وأنت تلاحظين زكاة ذهب بناتك أنت، وتخرجينها بالنقود أو من نفس الذهب، أو ببيع قطعة منه، أو يتبـرع الزوج عنك بعلمك، كل ذلك جائز والحمد لله.

 

وبعض النساء اعتدن على إعطاء أسر قد أغناها الله، كانوا قبل ذلك أيتامًا وأرامل لكن الآن أغناهم الله، فلا يجوز الاستمرار في إعطائهم وقد أعطاهم الله، ولم يصبحوا من أهل الآية الكريمة، إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، فينبغي البحث عن المستحقين الآخرين.

 

إصلاح البيوت

كما أن عليكِ -أيتها الأخت المسلمة- في هذا الشهر العظيم أن تجتنبي ما حرم الله من أنواع الحرام، كالغيبة والنميمة، وإنني أحذر من خطورة اجتماعات ما بعد صلاة التراويح، فإنني ألاحظ أنه يحدث في البيوت في الاجتماعات كثيرٌ من اللغط والأمور المحرمة، وقول الزور، وانزلاق اللسان سهل جدًا، ولذلك فاجعلي من هذه المجالس مجالس ذكر وطاعة، لقد كثرت الكتيبات الطيبة، والأشرطة الطيبة، فلخصي، وقدمي، وانتقي، وانفعي غيرك، واملئي هذه المجالس بذكر الله عز وجل.

 

وأقول أيضًا: إنه يجب انتهاز فرصة رمضان لإصلاح البيوت، فاستعيني بالله على إخراج وسائل المنكر من البيت، والحث على إخراجها، ومنع دخولها إلى البيت، لكي تكتمل العبادة، لأنه ما معنى أن يطاع الله في النهار ويعصى في الليل وهو رب الليل والنهار؟! ولذلك بما أن النفوس مشحونة بالعبادة وبالإيمان.. مشحونة بالزاد الأخروي الآن فانتهزي الفرصة في القضاء على وسائل الإفساد في البيت، وعلى تطهير البيت من جميع المحرمات، خصوصًا أن نفس الزوج قد تكون مهيئة، ونفوس الأقارب تكون مهيئة، فانتهزي هذه الفرصة لكي تحافظي على بيتك، وتخرجي ما يمكن إخراجه، أو كل ما هو من أدوات المنكر، وتدخلي فيه كل شيء طيب من الأشياء التي تزيد في إيمان أهل البيت، وتسبب الفقه في الدين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين).

 

وأقول كذلك: إن المرأة المسلمة قد تسأل مثلًا عن حكم ذوق الطعام أثناء طبخه في رمضان.

أقول: إن ذلك جائز ولكن لا أجيز لك أن تبتلعيه، بمجرد ما تذوقين بطرف اللسان فإنك تلفظيه إلى الخارج.

أكتفي بهذه النصائح من بيان بعض أوجه عبادة المرأة المسلمة في رمضان، على أن نتابع الكلام في أمور أخرى تتصل بمواضيع النساء في مرة قادمة إن شاء الله، أسأل الله لي ولكن التوفيق والسداد والإخلاص، والأجر العظيم، والمغفرة والرحمة، والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.

 


 

المصدر:

محاضرة عبادة المرأة المسلمة في رمضان

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المرأة-المسلمة #رمضان
اقرأ أيضا
دور الحملة الفرنسية | مرابط
تاريخ

دور الحملة الفرنسية


إذا طالعت الكتب الدراسية التي تقدم للتلاميذ والطلاب في بلادنا ووقفت على ذكر الحملة الفرنسية فيها فلا بد أن يمر عليك ما يطلق عليه مآثر الحملة الفرنسية أو ربما مساهمات الحملة الفرنسية في تحقيق التقدم والرخاء للمجتمع المصري أو انتشاله من ظلمات الضياع والجهل وغير ذلك من العبارات التي قد توصف بها المساهمة العظيمة للحملة الفرنسية في مصر وبالطبع ستجد حديثا طويلا حول المطابع العلمية التي جاء بها نابليون إلى بلادنا وكيف أفادتنا وحققت طفرة ونقلة ضخمة على المستوى العلمي لبلادنا وكذلك البعثة العلمية ال

بقلم: الأستاذ محمد قطب
3637
الخوف من الله حقيقته وفضله ج2 | مرابط
تفريغات

الخوف من الله حقيقته وفضله ج2


من العبث ومن الكلام الباطل المعسول أن ينقل عن بعض المتصوفة سواء كانوا نساء أو رجالا أن أحدهم كان يقول في مناجاته لربه تبارك وتعالى: ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك إلى آخر الخرافة المزعومة لا يتصور من إنسان عرف الله حق معرفته ألا يخشى من ربه تبارك وتعالى بل -كما ذكرنا- كلما كان مقربا إلى الله كلما كان أخوف من الله وأخشى لله عز وجل وما المقصود من مثل هذه الخرافة الصوفية إلا أن يحمل الناس أن يعيشوا هكذا ليس هناك خوف منهم لله يحملهم على تقواه ولا -أيضا- عندهم رغبة فيما عند الله يطمعهم ف...

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
629
من مقومات المجتمع المسلم: حسن الخلق | مرابط
تفريغات

من مقومات المجتمع المسلم: حسن الخلق


هناك مقوم آخر مهم من مقومات المجتمع المسلم وهو حسن الخلق بين المسلمين ونحن طلبة العلم أحوج ما نكون إلى حسن الخلق فقد كان صلى الله عليه وسلم كما وصفته أم المؤمنين عائشة: كان خلقه القرآن وكما قال صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك فضلا: إن الرجل ليبلغ درجة الصائم القائم بحسن خلقه فبحسن الخلق مع الأخ والزوجة والابن ومع الصديق والعدو يبلغون تلك الدرجة العظيمة

بقلم: سفر الحوالي
454
من آثار بر الوالدين | مرابط
تفريغات

من آثار بر الوالدين


بر الوالدين من أعظم الأسباب التي توجب الرحمة من الله في تيسير الأمور والعكس بالعكس فإن العاق ما حضر مكانا إلا كان شؤما على أهله حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم فكيف بالذي عق والديه

بقلم: محمد مختار الشنقيطي
384
عليك بدين الصبي | مرابط
تعزيز اليقين

عليك بدين الصبي


والأصل الجامع في هذا الباب أنه ما ابتدعت في الإسلام بدعة إلا كان لها مقدمات تنبوا عنها أفهام المخاطبين الذين يتلقون الخطاب فطريا بلا تكلف ولا تعسف فلا يسلم بها من بقي على الأصل الذي يأتي عليه خطاب الوحي وإنما لابد أن ينحرف المبتدع عما يقبله عموم المخاطبين إلى ما لا يقبل إلا مع قيود خارجة عن اعتبار الخطاب على أصله.

بقلم: عبد الله القرني
603
تأويلات الرازي.. وموقف الإمام الشافعي من علم الكلام | مرابط
مقالات

تأويلات الرازي.. وموقف الإمام الشافعي من علم الكلام


من شؤم علم الكلام على أصحابه أنه يوقعهم في الحرج والحيرة حين يعرضون لبيان موقف أئمة أهل السنة من علم الكلام وذلك أنهم إن وافقوهم في القدح في علم الكلام وأنه منهج مبتدع في الدين فقد ناقضوا منهجهم وأبطلوه وإن خالفوا أئمة أهل السنة فقد أظهروا المباينة بينهم وبين من ثبتت إمامتهم عند عموم المسلمين وأنهم قد شذوا عنهم وانحرفوا عن منهجهم ويكون المخرج الذي يسلكونه لتجنب الوقوع في هذين الخيارين أن يتأولوا تحذير الأئمة من علم الكلام على غير وجهه.

بقلم: عبد الله القرني
256