الحداثيون والشاطبي

الحداثيون والشاطبي | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

450 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يعرف المتابعون اليوم أن الدراسات الحداثية في إعادة قراءة التراث الإسلامي سكبت من الإشادات والتنويهات بالإمام (الشاطبي) ما يملأ مكتبة الإسكندر! 

وتذكر هذه الدراسات أنها تسير على طريقة الشاطبي وأنها هي التي فهمته وأن مدارس أهل السنة السلفية والتقليدية هجرت فكر الشاطبي وإبداعه (1)

ثم يعرض الحداثيون آراءهم الفقهية في مسائل الحرية وأحكام المرأة والجهاد والعلاقة بغير المسلم وأهل الذمة والحدود الجنائية إلخ، ويزعمون أن هذا كله بناءً على تفطنهم واستعمالهم لمقاصد الشريعة التي بشَّر بها الشاطبي وقعّدها وأصّلها في موافقاته، ويُعيدون ويُبدؤون بإطراء الشاطبي.

ويعرف أهل الخبرة بالفقه وأصوله أن الشاطبي لا علاقة له البتة بهذه الآراء التغريبية في مسائل الحرية والمرأة والجهاد والحدود الخ، لأن الشاطبي أصلًا من صقور المحافظة المذهبية في الفقه الإسلامي، وكلامه الكثير المنتشر في التعظيم البالغ لأئمة السلف وأتباعهم، وتعظيم قاعدة (سد الذرائع)، وكلامه في التغليظ على جعل الخلاف حجة، والتشديد في منع تتبع رخص المذاهب، والفتيا بمشهور المذهب فقط، والتأكيد على اعتبار الجزئيات الشرعية وعدم إهمالها باسم الكليات، وتقديم المصالح الأخروية على الدنيوية، وتقديم النقل على العقل، وأن كل الأحكام تغطيها النصوص الشرعية، وتعظيم الشاطبي لمرجعية العالم وأن (المفتي قائم في الأمة مقام النبي) عنده، وتحذيره من الاعتراض على الكبار من أهل العلم، وتحقيره للفلسفة، الخ. حتى أنه نُسِب إلى التشدد والتعسير في الفتيا الفقهية وروى بنفسه هذه التهمة (2)

إذن لماذا يُظهِر الحداثيون هذه الإشادات بالشاطبي؟ 
الواقع أن الشاطبي وموافقاته ومقاصده لم يكن هو الحافز الحقيقي المحرك لهم لهذه التأويلات الفقهية لأحكام الشريعة التي ينشرونها، وإنما هي آراء تلقّوها من الفكر الغربي الحديث ولهم فيها هوى عظيم، ثم بحثوا في التراث الإسلامي عن تأصيل لها، فرأوا الشاطبي يؤكد على المقاصد العامة والضرورات الكبرى، فصارت لهم شبهة تركبت مع هواهم، فصاروا يذكرون الشاطبي وينوهون به ويشيدون بعبقريته، وحذاقهم يعلمون جيدًا التناقض بين موافقات الشاطبي والتغريب الفقهي، وأما عوام من دخل في هذه القراءات الحداثية فقد يقع عند كثير منهم التوهم فعلًا أن مقاصد الشاطبي تساند الآراء الفقهية المستغربة المحببة لهم، فيكون قد جمع بين اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ويكون حاله مركبة من شبهة وشهوة.

والمراد هنا أن كثرة استشهاد الحداثيين بالشاطبي لا يعني صحة كونهم امتداد له، بل استشهادهم به دائر بين الغلط في العلم والهوى في التأويل، بما يعني أنه ليس دقيقًا أن كثرة الاستشهاد دليل على الامتداد. ومن وجه آخر فلو جاء شخص وقال: (إلى متى الصمت؟! يجب نقد الشاطبي وأنه سبب التغريب الفقهي!) 

فهذا القائل في الحقيقة لا يزعج الحداثيين البتة، وليس هذا نقدًا لهم ولا مناقشة لفكرهم، بل هو من أعظم ما يدخل السرور عليهم، حيث يؤكد لهم صحة مسارهم وشرعيتهم التراثية التاريخية.


الإشارات المرجعية:

  1. (انظر مثلًا: الجابري، بنية العقل العربي، ص: [547]).
  2. (انظر: الاعتصام، [1/28]).
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
لماذا نحب الرسول الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الرابع


أهل السنة والجماعة في باب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم حق بين باطلين الباطل الأول: الغلو فيه والباطل الثاني: الجفاء لا نريد نحن أن تقسو قلوبنا على الرسول صلى الله عليه وسلم ونشعر بالجفاء لا نريد أن نحيي قلوبنا بمحبته عليه الصلاة السلام لكن في الطرف الآخر لا نغلو به ونرفعه فوق منزلته

بقلم: محمد المنجد
677
زهد أبي هريرة رضي الله عنه | مرابط
مقالات

زهد أبي هريرة رضي الله عنه


حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا كثير حدثنا جعفر حدثنا يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: المكثرون في النار إلا من قال هكذا وهكذا وأشار بكفيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ثم قال: وقليل ما هم قال يزيد: إن لم أكن سمعته من أبي هريرة وأشار بإصبعيه إلى أذنيه وإلا فصمتا

بقلم: أحمد بن حنبل
1093
شبهة: المدة الزمنية لخلق السماوات والأرض بين العلم والقرآن | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: المدة الزمنية لخلق السماوات والأرض بين العلم والقرآن


تقول الشبهة: توضح كثير من سور القرآن أن السموات والأرض قد خلقت في ستة أيام وهنا مشكلتان الأولى انه من الثابت علميا أن خلق السموات والأرض قد استغرق بلايين السنين والثانية: أنه في التعبير القرآني نفسه كانت مدة الخلق ثمانية أيام بدلا من ستة فكيف يمكن التوفيق بين هذه الآيات

بقلم: محمد عمارة
1329
ابن حبك لله على أسس سليمة | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

ابن حبك لله على أسس سليمة


عندما تبتلى وتدعو الله عز وجل وتطلب منه أن يرفع عنك البلاء ويعيد لك النعم قد يقدر الله عليك أن يستمر بلاؤك ويطول ويشتد وحينئذ سوف تعرف إن كان حبك لله مشروطا لهذه المصالح الدنيوية واجهت محنة حرمت فيها فجأة من: حريتي أهلي أولادي أصدقائي مالي وظيفتي فجأة ثم دعوت الله لكنه قدر أنه يستمر بلائي أطول مما ظننت هذا وضعني حقيقة أمام السؤال المهم: الآن وبعد حرماني من هذه الأشياء هل ما زلت أحب الله عز وجل

بقلم: د إياد قنيبي
1848
الإيمان الديني: هل هو قائم على التسليم أم البرهنة؟ | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

الإيمان الديني: هل هو قائم على التسليم أم البرهنة؟


يقول عدد من أنصار العلموية في العالم العربي ودعاة المذهب الإيمانوي في الغرب إن الاستدلال للإيمان الديني ببرهان الإعجاز العلمي أو أي برهان آخر من أي جنس باطل ضرورة فإن الإيمان الديني قائم على التسليم لا البرهنة كما أن الاستدلال بالوحي للعلم داع لترك البحث العلمي والركون إلى أخبار الأسفار المقدسة التي لم تنزل لصناعة وعي علمي

بقلم: د. سامي عامري
477
خطر البدعة الإضافية على الشرع | مرابط
تفريغات

خطر البدعة الإضافية على الشرع


لا فرق عند العلماء بين إخراج الحق من الدين وبين إدخال الباطل فيه لأن كلاهما بخلاف مراد الشارع فإخراج الحق من الدين يساوي إدخال الباطل فيه ونحن بمناسبة الكلام على البدعة وعن أثرها في تأسيس محنة المسلمين اليوم لابد أن نلقي ضوءا جليا واضحا على جيل الصحابة وكيف كانوا يواجهون البدع

بقلم: أبو إسحق الحويني
1381