
الديمقراطية لم تكن أبدًا، حسب أفلاطون، نظام حكم عادل وفاضل، إنها تبعا لذلك تتحول إلى طغيان واستبداد. وفي كتابه "الجمهورية" رأينا كيف ينشأ الطغيان في الأصل من الديمقراطية، فالحرية المتطرفة والفوضى وعدم احترام القوانين، والثورة والتمرد إزاء كل ضغط، والمساواة بين غير المتساوين، لهذه الأسباب تتحول الدولة الديمقراطية إلى دولة للاستبداد، حيث يقول أفلاطون في هذا الصدد "هكذا تنشأ الحكومة الاستبدادية بطريقة طبيعية من الحكومة الديمقراطية، أي أن الحرية المتطرفة تولد أكمل وأفظع أنواع الطغيان.
فالشعب الذي أفرز النظام الديمقراطي، قادر بدوره على إنشاء نظام استبدادي، هنا يكمن الأصل المشترك بينهما. حيث يقول أفلاطون: الشعب، فإن من عادته دائمًا أن يختار شخصًا يفضله ويجعل منه نصيرًا وقائدًا له. ويضفي عليه قوة متزايدة وسلطانا هائلًا.
وفي نفس السياق يقول أيضًا: إن زعيم الشعب عندنا يجد نفسه سيدا مطاعًا، لا يجد غضاضة في سفك دماء أهله. فهو يسوقهم إلى المحاكمة بتهم باطلة.
هنا يتحول الحاكم الديمقراطي إلى طاغية. وقد أبدع أفلاطون في وصف مسار هذا الطاغية، قائلًا: في الأيام الأولى.. لا يلقى كل من يصادفه إلا الابتسام والتحية، ويستنكر كل طغيان، ويجزل الوعود للخاصة والعامة، ويعفي من الديون ويوزع الأرض على الشعب وعلى مؤيديه، ويتصنع الطيبة والود مع الجميع.. ولكن عندما يتم له التخلص من أعدائه الخارجيين، بالتفاوض مع بعضهم، وقهر البعض الآخر وعندما يأمن هذا الجانب، فإنه لا يكف أولًا عن إشعال حرب تلو الأخرى، حتى يشعر الشعب بحاجة إلى قائد.. وكذلك حتى يضطر المواطنون الذين أفقرتهم الضرائب إلى الانشغال بكسب رزقهم اليومي، بدلا من أن يتآمروا عليه... إنه مضطر إلى إشعال نيران الحرب من أجل تصفية خصومه
المصدر:
خالد العبيوي، مشكلات الديمقراطية، ص34