النسوية من الفكر إلى العرف

النسوية من الفكر إلى العرف | مرابط

الكاتب: د. حامد الإدريسي

333 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

النسوية لم تعد فكرا، لقد تحولت إلى عرف في كثير من المجتمعات، وهذه أخطر مراحل تطور الأفكار، أي أنها لم تعد تؤثر في المثقفين، لقد تحولت إلى نمط عيش أغلب المجتمعات المسلمة…

ومن الأفكار النسوية التي نجحت في هذا التغلغل والانتقال من الفكر إلى العرف:
مفهوم المرأة الناجحة: ويقصد بها المرأة التي لم تعد بحاجة إلى الرجل، وقد تم تسويق هذا المفهوم عبر الأفلام المصرية في الخمسينات، حتى أصبح في وجدان المجتمع أن المرأة الناجحة هي العاملة، أما ربة البيت، فهذه مسكينة مقهورة، وانتقل ذلك إلى الوعي العام، حتى أصبحت ربة البيت تعرّف نفسها وهي تشعر بشيء من الخجل، وكأنها تقول : أنا ربة بيت مع الأسف.

عمل المرأة

عمل المرأة: وهو العمود الفقري للفكرة النسوية، التي تنطلق من أن المرأة شقيقة الرجل ليس في الأحكام فقط كما في الحديث، بل شقيقته في الأدوار والمهام والمسؤوليات والواجبات والمكانة، وعليه فإن عدم خروجها للعمل بطالة واحتقار وتضييع للوقت والجهد وحرمان للمجتمع من نصف طاقاته، وهو مفهوم لم تعرفه المجتمعات المسلمة قبل القرن العشرين، لقد أصبحت رفيدة الأسلمية أكثر شهرة من فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأصبحت الشفاء التي كذب عليها ونسب إليها أنها محتسبة السوق، أصبحت أشهر من رقية وأم كلثوم بنتا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأشهر من أم الحسين ورملة وأم هانئ وأم كلثوم وفاطمة ورقية وميمونة وزينب الصغرى وخديجة وأمامة وكلهن بنات علي رضي الله عنه.

الشهادات

الحرص على الشهادات: وهي من أخفى الأفكار النسوية التي سيطرت على العقل اللاواعي، حتى أصبح الأب يستهين بكل ما يواجه ابنته من الفتن في سبيل الشهادة، ويرفض تزويجها قبل أن تحصل على شهادتها، ثم يغلف ذلك باسم العلم، ولا علاقة للشهادة بالعلم، فالتعلم غير التمدرس.

زواج القاصر

زواج القاصر: وهو مفهوم خطير، تم تمريره حتى أصبحت ردة فعل المجتمع من زواج فتاة في الثالثة عشر من عمرها هو الاستهجان والاستنكار، حتى إن الكلمة الأولى التي ستسمعها : مسكينة حرموها من طفولتها، ولعلك أنت أيضا قارئي الكريم تشعر بذلك، وتجد في قلبك انقباضا حين تسمع أن فتاة تزوجت في هذا العمر، وكأني بك تتحرج من زواج عائشة رضي الله عنها وهي ابنة سبع سنين، فإذا وجدت في قلبك شيئا من ذلك فاعلم أنه من تأثير النسوية.

شيطنة الرجل

شيطنة الرجل: سواء كان أبا أو زوجا، فالأصل في الرجل حسب هذا العرف أنه يريد أن يقيد المرأة ويتحكم فيها، وعليها أن تناضل كي تتحرر من هذه القيود وتنتصر على هذا الآسر الخبيث، ولذلك لم يعد حتى الأب قادرا على إلزام ابنته بالحجاب، لأنه لا يريد أن يتحكم فيها، أي أنه يخشى من انطباق تلك الصورة عليه.

كثرة الأبناء والاشمئزاز

الاشمئزاز من كثرة الأبناء: حيث ترسخ في اللاوعي أن الأسرة الراقية هي التي فيها ولد وبنت، وتم ذلك عبر سنوات من الترسيخ لتلك الصورة التي ستراها معلقة في كل إعلان: رجل وامرأة متبرجة معهما ولدان تبدو عليهما السعادة.
تخوين تعدد الزوجات: بل لا تستغرب أن تجد المرأة اليوم ترى ذلك انتقاصا من كيانها وإهانة لها، بل إن المجتمع يعتبر التعدد نقضا لعهد الحب وانتكاسة في العلاقة الزوجية وخرما للوفاء، وكأن رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن وفيا حين خرج إلى غزوة ورجع ومعه صفية بنت حيي حاشاه فهو سيد الأوفياء.

الزواج شراكة

الزواج شراكة: وهي فكرة امتزجت بالوجدان الجمعي للمجتمع، حتى أصبح الشاب يبحث عن شريكة لا زوجة، ولم يعد يشعر بواجبه كقوام على زوجته ومقوم لاعوجاجها، بل أصبح يراها ندا لا يفعل شيئا إلا بمشاورتها وإقناعها، بل سلم كثير منهم القوامة للزوجة خصوصا حين أصبح معتمدا على مالها الذي تكسبه من خروجها اليومي من البيت.

بين الخروج والقرار

الخروج أصل والقرار حرمان: لقد أصبحت المرأة ترى القرار في البيت سجنا بين أربعة جدران، وأصبح عيش المرأة مشابها لعيش الرجل، فكلاهما يغادر بيت الزوجية صباحا ويعود إليه مساء، ولا أحد يرى في ذلك إشكالا أصلا، فقوله تعالى {وقرن في بيوتكن} قد أصبح خاصا بأمهات المؤمنين كما يقول شيوخ النسوية.

خدمة الزوج

الترفع عن خدمة الزوج: وقد أصبحت هذه الفكرة محورية في العلاقات الزوجية، خصوصا حين استخرج لهم شيوخ النسوية من بطون الخلاف الفقهي ما هو في إطار الحقوق والتقاضي ليضعوه في إطار المعاشرة بالمعروف، وأفهموهم أنه ليس على المرأة خدمة زوجها، وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يخدم نفسه بنفسه، مع أنه لم يثبت لنا يوما أنه صلى الله عليه وآله وسلم طبخ لنفسه طعاما، أو غسل ثوبا، أو نظف بيتا.

التبرج والاختلاط

قبول التبرج والتزامل والاختلاط: حيث أصبحت المرأة تخرج من بيتها يوميا من الصباح إلى المساء، بسروالها اللاصق وقميصها المزركش، وخرقة متناسقة مع ألوان السروال تضعها فوق رأسها، وقليلا من المكياج تخفي به الهالات، ثم تحضر درسا علميا وسط الرجال، وتقوم فوق المنصة لتلقي بصوتها الشجي قصيدة، ولا يشعر أحد بأن ثمة خطأ ما، وحتى أصبح الرجل يلتقي الرجل فيقول له كيف حالك يا فلان، أنا زميل زوجتك فلانة، فيقول له أهلا وسهلا بك.

القوانين الشرعية والوضعية

استبعاد القوانين الشرعية واستبدالها بالوضعية: وقد تغلغل ذلك حتى في كثير من المفتين والمشايخ، فأصبحوا يبررون القوانين وإن خالفت المذاهب الأربعة، فمثلا في المغرب لا يقع الطلاق الشفهي مع إجماع العلماء على وقوعه.

إن هذه الأفكار قد تحولت إلى الوعي المجتمعي ولم تعد مجرد أطروحات فكرية في بطون الكتب أو في أروقة الجامعات، بل ستسمعها من جدتك وأمك وخالتك، وستجدها في القرية والمدينة والسهل والجبل، وهو ما يعني انحرافا شموليا في بوصلة المجتمع، لذلك فإن كثرة الطلاق ما هي إلا مؤشر من بين كثير من المؤشرات التي تدلك على أن المجتمع يتجه بسرعة نحو انهيار اجتماعي قد لا يسهل تجنبه إلا لمن لطف الله به.

فعلى كل أب وأخ وزوج أن يستشعر الخطر ويبدأ برنامجا عمليا لينقذ أسرته وبناته من هذا التسونامي العالمي، ولا يكون ذلك إلا بعكس هذه الأفكار ومحوها من العقول، وهو ما نحاول أن نقوم به رغم ضعف الهمة وقلة الناصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية
اقرأ أيضا
آيات التحدي في القرآن الكريم | مرابط
تعزيز اليقين

آيات التحدي في القرآن الكريم


إن القرآن الكريم كتاب الله تبارك وتعالى أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم معجزة عظمى وقرآنا يتلى تولى حفظه رب العالمين جل جلاله فقال سبحانه: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون الحجر:8 فالقرآن محفوظ في السطور ومحفوظ في الصدور أعظم معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم معجز أعجز البلغاء أن يأتوا بمثله تحدى كفار قريش وهم الفصحاء أن يأتوا بمثله مع أنه مركب من الحروف العربية أ ب ت ث التي يتكلم بها أهل العربية وألفاظه ومفرداته موجودة في كلام العرب لكن الكل يعجز عن أن يأتي بمثل أقصر آية منه

بقلم: محمد بن عبدالله العبدلي
1304
إضاءة في سبيل العلم وطلبه | مرابط
مقالات

إضاءة في سبيل العلم وطلبه


هل جربت يا طالب العلم قبل كل كتاب تقرؤه أو درس تحضره أو مادة تسمعها أن تتضرع إلى الله وتسأله أن يبارك لك في هذه القراءة وهذا الدرس وأن يفتح على قلبك وأن ييسر لك سبيل العلم النافع وأن لا يكلك إلى نفسك وأن يجعل ذلك كله سبيلا إلى رضوانه.

بقلم: د. طلال الحسان
881
المذاهب والفرق المعاصرة: المرجئة ج1 | مرابط
تفريغات

المذاهب والفرق المعاصرة: المرجئة ج1


ظهرت طائفة في آخر أزمنة الصحابة أو بعدهم أضعفت من منزلة العمل وبدأت المسألة بشكل بسيط بدأت بخلاف نظري في مفهوم العمل هل هو داخل في حقيقة الإيمان أو غير داخل في حقيقة الإيمان فإنه بعد فتنة ابن الأشعث وبعد مصائب الحجاج بن يوسف الثقفي وهو والي بني أمية على العراق وبعد ظهور الخوارج وتعظيمهم لجانب العمل وتكفيرهم المسلمين بالكبائر ونحو ذلك بعد هذه الأحداث ظهرت طائفة من الفقهاء في الكوفة وأخرجوا العمل عن مسمى الإيمان كان منهم حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وغيره من أهل الكوفة الذين قالوا: إن الع...

بقلم: عبد الرحيم السلمي
621
حيثما كان العدل فثم شرع الله | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

حيثما كان العدل فثم شرع الله


وليس للمسلم أن يطرح حكم الشريعة طلبا للعدل استقلالا عنها فإن هذا فاسد من جهة الدين والذي يلزم المسلم بالاحتكام للشرع وليكن على ثقة أنه متى التزم حكم الشريعة فسيؤول به الأمر إلى تحقيق العدل وأنه متى خالفها فسيقع في مناقضة العدل إذ اطراح الحكم والحالة هذه اطراح للعدل أيضا

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2344
أهمية اللغة العربية وبعض خصائصها | مرابط
لسانيات

أهمية اللغة العربية وبعض خصائصها


واللغة العربية هي مستودع ذخائر الأمة ومخزونها الثقافي لأن التراث الهائل العربي والإسلامي كله مقيد ومدون بالعربية ولا تخفي قيمة التراث عند الأمم فهو حلقة الوصل بين الأمة وعلمائها وهو الذي يحدد شخصيتها ويرسم ملامحها

بقلم: جامعة أم القرى
423
قصور العقول عن إدراك مسألة القدر | مرابط
مقالات

قصور العقول عن إدراك مسألة القدر


وقصور عقول البشر سبب لإنكار كثير مما لا تدركه من أحكام الله وأداره فالله خلق عقل الإنسان وجعله كالوعاء يحوي به وجعل الأوعية مختلفة لم يجعل للأوعية طاقة باستيعاب كل شيء فإن منها ما لا يصلح لها ومنها ما يمكن أن يحتوي منه بقدر وما زاد فاض. وأصل الضلال: اغترار الإنسان بعقله وطلبه أن يحوي كل شيء به وبعض المعلومات بالنسبة للعقل كالمحيطات بالنسبة للأواني لو سكبت عليه طوته وضاع فيها وتحير.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
229